الخميس، 29 سبتمبر 2016

تمللنا من "خللك إيجابي" !!!

الحمدلله الكريم المنعم، والصلاة والسلام على النبي الخاتم، وعلى الآل والصحب ذوي الأخلاق والمكارم.. اللهم أخرجني من ظلمات الوهم.. وأكرمني بنور الفهم.. وحسّن أخلاقي بالحلم.. وزدني من بركات العلم.. وافتح علي أبواب الرحمة والمغفرة.

كنت قد رأيت قبل سنتين في مدينة شباب 2030 شاباً يطوف الأنحاء بكرة اسفنجية صغيرة.. رُسمت عليها ابتسامة، يطوف بها ذلك الشاب قائلاً: "خللك إيجابي". قلت لنفسي: هل هذا ما نريده فعلاً من تلك الكلمة؟! هل الابتسامة وحدها تعطينا دافعاً إيجابياً نُجابه به هموم الدنيا العظيمة ونهزِم بها الصراعات من حولنا؟! لا أُنكر بأن الابتسامة لها دور ليس بالهيّن في خلق جو من الإيجابية.. فذاك رجل الأمن الذي يعمل في المجمع التجاري "ستي سنتر" ميّزه الناس عن غيره بابتسامته التي لا تكاد تفارقه، ولكن هل هي كافية؟

إن العرض السطحي لكلمة "خللك إيجابي" دون تناول حيثيّاتها وما هو المطلوب من الإنسان أن يقوم به لكي يصل إلى مستوى الإيجابية عرّض المفهوم للكثير من التقليل والبعد عن الواقعية، كما أن الوسط التدريبي في مجال تنمية الذات وإدارتها ابتُليَ بمجموعة من المدربين الذي يقدمون السلع التدريبية الضحلة ليُشعروا الناس بأنهم قد تطوروا واصبحوا في حالٍ أفضل.. وهم في الحقيقة يتاجرون بالكلام ويبيعون الوهم، مما جعل فئة كبيرة من الشباب يشعرون بالسلبية لمجرد أنهم يرون احداً يتحدث بإيجابية.. أو يأمرهم بالنظر إلى الأمور نظرة خير لا تلك النظرة المتطيرة المتشائمة، كم أصبحنا نتعامل مع أي حدث بسخرية سوداء ظاهرها الضحك وباطنها التشاؤم والانزعاج.

إن الإيجابية طبعٌ نحتاجه في زماننا.. ففي خضم هذه الصراعات داخل النفس البشرية وحولها، ووسط احداث ليس بيدنا تغييرها وتحديد مصيرنا، يبدو لنا تعلقنا بالله سبحانه وتعالى عاملاً ضروريا لينتشلنا من وحل الحيرة والحزن، وأن الامور المقدرة في تدبير الخالق جل في علاه فوق تصور العبد الذليل.. ومن هنا تأتي الدافعية للعمل وبذل الاسباب التي خلقنا الله سبحانه وتعالى للقيام بها (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم)، وغيرها من الأحاديث التي تحثنا على العمل وبذل المزيد من الجهد.. ولا يمكن أن تندفع للعمل الا لأنك شخصٌ إيجابي، فهذا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:" اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل ..... ". وقوله صلى الله عليه وسلم:" المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ... ". في المقابل نجد أن الإسلام قد نهى عن الطيرة والتشاؤم، فما بال المتشائمين قد جعلوا هذا السلوك طبعاً وأصلاً في مجتمعنا؟!

هذه نقطة الفصل.. فالنظرة الإيجابية طبعٌ من الأطباعٌ النبيلة، الذي يكون فيه صاحبه هادئ النفس والعقل، مبتعداً عن مكدرات الحياة، مقبلاً على الأسباب اقبالاً يجعله يعمر الدنيا بأمر ربه سبحانه، أما المتشائم فإن عقله لضيق.. وحياته لقصيرة وإن طالت، فالنظر إلى الأمور بنظرة المتشائم العاجز عن تغيير واقعه وصراعاته مع ذاته أمرٌ لا ينبغي على الشاب الطموح ان يتحلى به، وقد نجد بعضهم يتشاءم من كل شيء حوله.. ولا يرغب في أن تنتقد ذاته بواقعية وصراحة وتجرّد، لأنه يحب لعب دور الضحية والوصول إلى أهدافٍ عظيمة بدون جهد وتعب.. الإيجابية لا تعني أنك ستصل إلى أهدافك بشكل أسهل، بل ستساعدك على الاستمتاع والرضا النفسي في طريقك للوصول إلى أهدافك، ستُلقي لك الحياة المصاعب والمتاعب في طريقك.. فتلك سُنّة كونية (لا تحسب المجد تمرٌ أنت آكله، لن تبلُغ المجد حتى تلعق الصبر)، اغلب الصعاب والمتاعب بالإيجابية.. ولا تثقل كاهلك بالسلبية، فتلك حيلة العاجز.


محمد حسن يوسف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق