الأحد، 4 مارس 2012

من المناوبات الليلية .. في مستشفى السلمانية (2)

الحمدلله السميع العليم،الهادي الى الصراط المستقيم..واصلي واسلم على صاحب الخلق العظيم،وعلى الاصحاب وآل البيت الكريم..ياربنا احشرنا في زمرتهم يا رحيم .. اما بعد

فقد كتبت في مدونتي المتواضعة عن جزء من المناوبات الليلة في مستشفى السلمانية لا سيما خلال الازمة في البحرين خلال العام الماضي..اكتب الآن واصف احداث يوم الجمعة،الثامن عشر من فبراير من العام المنصرم... وقد توجب علي الذهاب الى هناك لمزاولة العمل في الساعه التاسعة والنصف مساءا وحتى السابعة صباحا.

قبل يوم،كان الجميع في حالة اضطراب مما يمكن ان تنجم عنه ردة الفعل بعد اخلاء تقاطع الفاروق(دوار مجلسس التعاون سابقا)،وبعدها خرج ولي العهد امام الملأ في التلفاز يطلب فيها الهدوء من جميع الاطراف،كنت جالسا مع اصدقائي في احد المجالس قبيل الذهاب الى العمل..فعندما ودعتهم خارجا طلبوا مني عدم الذهاب بحجة ان هناك اعمال شغب وتخريب..وانهم لا يعلمون ماذا سيحصل لي اذا ذهبت الى هناك وربما اصابني مكروه،قال لي صديقي سالم المسيفر:والي يخليك لا اتروح.فأحببت ان اطمئنه قائلا:كنت هناك امس.فذهب عنه الروع الى حد ما،وودعتهم ذاهبا الى مقر العمل...مستشفى السلمانية.

كان الازدحام شديدا في الشوارع المحيطة بالمستشفى مما استعصى علي الدخول من البوابة التي عادة ما ادخل منها،فاضطررت الى الذهاب والدخول من بوابة الطوارئ..فكان الازدحام شديدا ايضا،حيث انني بقيت بالقرب من بوابة الطوارئ ربع ساعة والسيارات لا تتحرك... عندما وصلت الى البوابة اوقفني احدهم قائلا:هذه البوابة فقط للحالات الطارئة او للموظفين.فقلت:انا موظف هنا ومكتبي بالقرب من البوابة رقم 4.شك في امري لأن ملابسي لم تدل على انني موظف،وكنت اعتدت على لبس الثياب الرياضية اثناء المناوبات الليلة،فرافقني اربعة اشخاص مترجلين وانا اسير ببطء بسيارتي حتى وصلت الى المكتب،وبعدها تركوني.

دخلت المكتب فرأيت فيه العجب،فقد استبيح من قبل المعتصمين وكانوا جالسين فيه،منهم من يستخدم الهاتف،ومنهم من يجلس على الانترنت بوجود بعض المسؤولين الى جانب موظف تلك المناوبة الذي لم ينهي العمل المطلوب منه،فأمره المسؤول ان يظل نصف ساعة اخرى.. فجلس نصف ساعة ولم يكمل عمله ايضا.

احد المسؤولين،كان ذلك المذعور قبل يوم..طلب مني اغلاق الباب وعدم السماح لأحد بالدخول،قابلني ضاحكا:كانت احتجاجات سلمية،وكنت تقفل على نفسك الباب؟؟واستمر في الضحك،ولم اعلق على الموضوع او اعطي اي اشارة له،وانما تجاهلته تماما كأنني لم اسمع اي شيء مما قاله.. كنت محاطا بتسعة منهم،يخرج البعض ويدخل غيرهم.جلست جانبا ولم ابدأ بمزاولة عملي حتى الساعه العاشرة والنصف وبعد خروج الجميع...لكنني لم اترك الباب مقفلا هذه المرة،بل جعلته مفتوحا على مصراعيه ردا على ذلك الخوار..واتممت عملي على اكمل وجه...بل وكنت اتناول الطعام والشراب خارج المكتب لأنني كنت مغضبا من الخوار.

كان هذا آخر يوم لي في تلك الوظيفة،وكان هذا الموعد في الازمة مصادفة،انتظرت حتى اتت موظفة  المناوبة التالية في الصباح،جاءت واقفلت الباب على نفسها بعد ان غادرت المكان.

ظننت ان الرابط بيني وبين المستشفى قد انتهى،استبشرت والدتي بأنني لن اعود الى ذلك المكان مرة اخرى.. شاء الله ان يرقد ابن خالتي  القطري الجنسية في مستشفى السلمانية في اليوم التالي بشكل مؤقت قبل ان تقوم السفارة القطرية بنقله الى قطر،فطلبت مني خالتي قضاء ليلة معه في المستشفى.في هذه الليلة استطعت الدخول الى اقسام المستشفى ورؤية المرضى عن قرب شديد،فكنت استغل بعض الوقت في التنقل بين الاجنحة،الحمدلله على الصحة والعافية،الاطقم الطبية  منقسمين الى فئتين،فئة تستغل الاحتقان الشديد والتوتر لتلفيق بعض الامور من شأنها التأثير على الاعلام،وفئة تخضع للضغط النفسي فتنهار ولا تحسن التصرف فيسيؤون بذلك للبحرين من غير قصد.. لا يعني ذلك بأنه ليس هناك اطباء من اهل السنة هناك لكنهم لا يقدرون على الامر في شيء...بل كان يرهقهم العمل المتواصل خاصة بعد الاضراب.

اكثر اقسام المستشفى تجد فيها الهدوء وعدم التوتر،فبالتالي عدم وضوح التمييز في الخدمات الطبية فيها،التوتر ينصب في منطقة الاعتصام وهي الساحة الخارجية لمبنى الطوارئ،ومبنى الطوارئ نفسه... والمشرحة التي تحرسها الجن.فقد ثبت ان هناك اناس يستلقون فيها مدعين الاصابة بجروح.وصرح بذلك ايضا احد المسؤولين على احدى القنوات مستخدما اسما مستعارا.عدت ادراجي بعد منتصف الليل اترقب طلوع الفجر جالسا على سرير بجوار ابن خالتي،فأذا بزوج خالتي يصل قبل اذان الفجر ويطلب مني الرحيل.


ارتفع صوت الاذان،فأردت الذهاب الى مصلى الرجال في المستشفى لأداة الصلاة هناك فلم استطع.. فقد تحول المصلى الى غرفة نوم جماعية.. ليس هناك مكان لتصلي فيه الا ان تنتظر لبعض الوقت حتى يقوم البعض من سبات نومهم.انتظرت لبعض الوقت ثم اديت الصلاة هناك وهممت بالمغادرة. مودعا ذلك المكان بعد مرور سنة من العمل فيه.