الجمعة، 20 ديسمبر 2019

الحياة والضغط النفسي


في خضم ما نمر به في فترة الامتحانات في كل المستويات الدراسية، نجد بأن " الضغط النفسي "  هو أكثر ما يُعبر عنه من قِبل أولياء الأمور والطلبة، لقد أصبح ذلك الوحش – الضغط – عدوًا صعبَ المراس، يتخطّف الأفكار والإحساس، فوجب على العاقل تحييده .. تمزيقه وتفكيكه، ولكن العديد من الأسئلة تطفو على سطح العقل .. طالبةً إجابةً ناشدةً الحل،  فتعالوا معي نفكر بصوتٍ مرتفعٍ ونسأل: " هل الضغط جزءٌ متأصلٍ في حياة الإنسان؟ هل التعرض للضغوط النفسية (مع عدم البحث عنها) يُعتبر ظاهرة صحية؟

الضغط:

لكل إنسان قيمه الخاصة، مبادئ ومرتكزات لا تتزحزح ولا تتبدل.. وسنة ربنا جل في علاه ساريةٌ إلى يوم القيامة.. تلك السنة التي عبّر عنها بقوله سبحانه: " أحسِب الناس أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون؟!"، القيم والمبادئ التي تتشدق بها أيها الإنسان وتعتبرها حدودك المصونة .. لابد أنك ستٌؤتى وستُمتحن من خلالها.. إنها حالة النزاع بين الخواطر السيئة (التي لا مفر من التعرض لها) وبين قيمك، تلك الحالة المسماة "بالضغط" تعرض لها خير البشر صلى الله عليه وسلم، عاش اليتم صغيرًا.. والرسالة ومسؤولياتها وما يترتب عليها.. فموت العم والزوجة الحنونة .. التعرض للسحر والطعن في عرضه الشريف، يقول عن نفسه صلى الله عليه وسلم: "شيّبتني هود". فمن أنت عزيزي لكي تلقي المسؤولية على غيرك ولا تريد أن تتعرض لهذا الضغط؟!

"الضغط" صاحبك كلما ارتفعت إلى الغيوم .. ذلك حال من أراد النجوم، استحضر هنا قول مدرب منتخب البحرين لكرة القدم "هيليو سوزا" في المؤتمر الصحفي عندما سألوه: "ما هو مقدار الضغط على لاعبيكم، خاصة وأنك لم تحرزوا البطولة من قبل؟ فرد عليهم: "نحن هنا من أجل هذا، هذا هو الضغط الذي نريده، أن تقارع الكبار لتكون منهم". هنا أتذكر نوعًا آخر من الضغط على الإنسان.. لاعب تنس المضرب الذي يكون قد قارب القوسين أو ادنى من حسم المباراة، ولم يبق له سوى شوط ذي اربع نقاط .. إذ بيده ترتعش، والكرات تطير خارج الملعب، والأخطاء تتوالى والنتيجة تنقلب.. فلا يقال عنه بأنه أخفق كلاعب، بل يُقال عنه بأنه "جبان" القلب، ألست هنا من أجل هذا؟ ألست تعي بأن الاختبارات قد حان موعدها وقد اقترب وقت حصادك؟ ذلك – فعلًا – الضغط الذي تريده، الضغط الذي يدفع إلى الإنتاج وإلى التفكير بإيجابية عملية فعالية .. ليست إيجابية قائمة على الوهم والتمني والتغني، بل الإيجابية التي تدفعني لتشخيص الضغط.. نحن نحب الشعور بالضغط وكأنه يستهوينا، ولكننا لا نأخذ خطواتٍ عمليةٍ استراتيجية لتجاوزه لأننا نريد أن نتخلص منه وإن لم نكن منتصرين عليه، تأتي اللحظات لتظهر فيها قدرتك ورابطة جأشك .. فتؤثر الاستسلام بحجة الضغط!! اعلم أن الضغط لا يواجه بالعاطفة المترددة .. بل بالمواجهة الشجاعة، والتشخيص الدقيق البعيد عن العاطفة، والخطة المحكمة التي سيجعلنا العمل بها خارج نطاق المألوف، فقط لنعرف أن حدودنا التي رسمناها لشخصيتنا فوق ما كنّا نتصور.

النفس:

مصطلحٌ صعبٌ جدًا، أعرف بأنني لن أصل إلى ماهيتها .. ولكنّي اراها وعاءً، اضع فيه خواطر الشيطان وخواطر الملاك، فأكون بين هذا وذاك، من الخاطرة تأتي الفكرة.. فإما أن ألقيها بعيدًا عن وعائي، وإما أنني استسلم لضعفي، يقول سبحانه : "ونفسٍ وما سواها فألهمها فجورها وتقواها". وقال جل جلاله: " يا أيتها النفس المطمئنة". وأخبرنا ربنا عن نماذج طاوعت أفكارها الشيطانية فاستلتها كالسيوف من وعاء النفس .. يقول ربنا متحدثًا عن قابيل: " فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقلته". وعن السامري قوله تعالى بعد أن نصب العجل لبني إسرائيل: "وكذلك سولت لي نفسي". وقال جل جلاله في موضعٍ آخر: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى".

كل ذلك يرشدنا إلى أن الإنسان مهما كان ضعيفًا وسيستمر بضعفه.. قادرٌ على التحكم بأفكاره الشيطانية وعدم الاستسلام لها، قادرٌ على تزكيتها (تنقيتها) من عيوبها بشكل متجرد، إن نهاية الطريق ستكون التصرف بما يليق بالإنسان أن يفعله سواءً كان طالبًا أم موظفًا، وليس الانصياع وراء مشاعر الغضب والضغط السلبية.. فانتصر وارتق بنفسك، ولا تجعل للسلبية مسلكًا نحوك، ابحث عن الحل.. ولا تتعمق في المشكلة، ابحث عن المخرج لا من أين دخلت، واطلب المساعدة.. فسنة الله في كونه أن يتكامل الناس في صفاتهم وتفكيرهم ليظل احتياجهم لبعضهم.
محمد حسن يوسف