الأحد، 27 ديسمبر 2015

كلمة "مشغول" .. بين الحقيقة والخدعة

الحمدلله رب المغارب والمشارق، والصلاة والسلام على سيد الخلائق.. وعلى الآل والأصحاب، ومن سار على نهجهم إلى درب الجنان ذات الأكواب والسرر والنمارق.. الله أخرجني من ظلمات الوهم، وأكرمني بنور الفهم، وحسِّن أخلاقي بالحلم، وزدني من بركات العلم.. وارحمني يوم اقف بين يديك.
"مشغول" .. كلمة لطالما نرددها لنقنع بها الضمير بأننا أُناس مكافحون في الحياة، ليس الكل.. ولكن الغالب من شباب عصرنا ما إن يتعرض إلى بعض الضغوط في حياته حتى أصبح يجد سهولة في سرد الأعذار التي يمنع بها نفسه من الوصول إلى النجاح.. وأولها كلمة "مشغول، ماعندي وقت".
فلتتوقف عزيزي الشاب عند فحوى هذه الكلمة التي تحب أن تكررها على ضميرك كي يصدقك.. واسأل نفسك سؤالاً واحداً: " فيمَ يمضي وقتك؟" على الرغم من كون الشباب "مشغولين" فأنت لا تجد الفئة الناجحة منهم الا قلة.. أما البقية فإنهم ينجرفون في سيل الأعذار، لا أحد يحب الفشل.. لا أحد يحب أن يحدث نفسه بصراحة بأنه عجز وقصَّر في أمر ما وليس لأنه مشغول.
ولنعطي مزيداً من التشخيص لهذه الظاهرة.. فنجد أن الشاب قد يضع - مع حسن الظن بالشاب- العديد من الأهداف ليحققها.. فقد لا يكون موفقاً في تحقيقها جميعاً لكن المثير في الأمر بأنه يضع العذر "مشغول" أمام الهدف الأول في حياته!! فماذا ستقول أيها الشاب للأهداف الأخرى؟! إن من مفاسد هذا الزمن أن يجعلنا نغرق في توافه الحياة و هوامشها و ننسى أهدافنا الأولى... مشاريع وضعناها لأنفسنا في المقدمة، ولكن ما أن ضَعُفت هممنا.. وخارت قوانا.
ضع اولوياتك.. ما هي القيمة التي تريد أن تضيفها إلى المجتمع؟! أثر يبقى ويدل عليك.. ولعلي ارى أن أضرب الأمثلة على نفسي لأني طبقت هذا الكلام على شخصي أولاً، وضعت عدة أهداف لقيمتي في الحياة... أولها بأن احمل رسالة أخلاقيةً إلى العالم، لذلك فأنا أبحث كثيراً في كتب تزكية النفس ومعرفة عيوبها ودسائسها.. فأنا كي احمل تلك الرسالة فعلي أن أتمثلها أولا، برنامج "Believe  " في مدينة شباب 2030 المعني بغرس الأخلاقيات في نفوس القادة من أهم برامجي السنوية.. أقول بأنني أعزم المشاركة في كل سنة، ولكني لا أضمنها حتى قبل اسبوع من بدايته بسبب كثرة المدخلات على الحياة.. ولكنني أنجو أخيراً وأشارك بكل حماس.
في ميدان العمل، أحاول خلق التغيير في الروتين.. أنا قليل الشكوى من ضغط العمل، فأنا دائماً أجد طرقاً أخرى لأقوم بأعمالي بشكل أسرع من غيري، ليس من باب التفوق عليهم.. بل هو حافز للنفس، ساعدتني وظيفتي على ضبط الوقت والاهتمام بتفاصيله.. يأتي الزواج ففيه معشر الشباب اصناف وأشكال، ولكنني دائما أفكر فيما يمكنني إعطاؤه للطرف الآخر أكثر من تفكيري فيما أريد أن أحصل عليه.
في خِضمِّ تجبرتي البسيطة في ميدان العمل التطوعي فأنا اعمل على تأليف كتابٍ في هذا الشأن اسميته "فمن تطوع خيراً"، وقد انتهيت من كتابته فعلاً.. فجمعت بذلك حب العمل التطوعي وحب الكتابة، ولم اشأ أن استخدم وسائل أخرى لنشر أفكاري ك "الفيديو" وخلاف ذلك، لا لعيب فيه بل احتراماً للتخصص.. فأنا مؤمن بأن على المرأ أن يكون الأفضل في مجاله وأن يعرف شيئاً من كل شيء، لا أن يرغب في أن يكون الأفضل في كل شيء.
قضية فلسطين تشغل بالي وتفكيري، وأحاول بقدر ما استطيع – مع تقصيري في ذلك – أن اظهر التضامن مع اخواني، وأن اقرأ في تفاصيل القضية وتاريخ المنطقة منذ القدم.. ارغب في عمل مشروع يحسِّن وضعي المادي وهذا ما بأدت فيه فعلا بفضل الله تعالى بالإضافة إلى دراستي الجامعية.
نتيجةً لكل تلك الأهداف.. فقد توقفت عن "التمثيل" ، فهو الجانب الأقل أهمية من كل ما سبق.. فحُق لي بأن أقول كلمة "مشغول"، لاحظ عزيزي الشاب بأنني قلت كلمة "مشغول" عن الهدف الخامس في حياتي.. فراقب نفسك وحدد أولوياتك، واعرف متى تقول تلك الكلمة في مكانها بدون خداع للضمير.. اعاننا الله وإياكم لوضع بصمة في هذه الحياة.

محمد حسن يوسف