الثلاثاء، 6 مايو 2014

الحجاب .. العبادة المظلومة


الحمدلله المنعم ، خالق السماوات والأرض العزيز الأكرم .. والصلاة والسلام على نبي الملاحم ، وعلى الآل والأصحاب ذوي المكارم .. اللهم اخرجني من ظلمات الوهم ، واكرمني بنور الفهم ، وحسن اخلاقي بالحلم ، وافتح علي ابواب رحمتك ..

هي عبادة مظلومة في مجتمعنا المسلم ، تتغير حولها المفاهيم والآراء .. بين واقع نتلمسه ، وتقلبات تاريخية نتفحصها ونعرف مكنوناتها ، موضوع لطالما ترددت بالخوض فيه لحساسيته في وسط مجتمع .. تكاد معايير اتخاذ القرارات مبهمة وليس لها اصل في الواقع  ، ولأن الطرف المتلقي معظمه سيكون من جنس النساء المعروف بمقاومته الامور والتغييرات بالعاطفة اولا بحكم جنسهن .. وذلك لا ينقص من قدرهن بل هو للبيان لا اكثر .. اقول هي عبادة مظلومة لما حاق بها من ظروف ، في السابق .. كانت سعة رقعة الالتزام كبيرة وكان وقتها "الحجاب" يحارب بشكل علني فظ ، ثم انتقل الى مرحلة الاختيارية .. ثم انتقل الى مرحلة تلاعب المتحجبات بحجابهن ، وتحول من لباس تتعبد به البنت وتكسب ثوابا لآخرتها الى مجرد لباس تضعه و تنتزعه ... اردت من كلماتي هذه ان اشخص كل حالة تدور في زمننا لها علاقة بهذه العبادة المظلومة ، في احد المقابلات التلفزيونية على شاشة قناة البحرين .. استضافت القناة الداعية عمرو خالد مع مذيعتين احداهما انتقلت الى رحمة الله تعالى وغفر لها منذ زمن وجيز  .. كانتا غير متحجبتين ، سألت احدى المذيعتين  : هل يكفي للبنت ان تقوم ببعض العبادات لتكون شابة صالحة ؟! مالذي ينقصها ؟! .. فضحك الداعية ودخل في موضوع الحجاب واسهب فيه ، فوقعت المذيعتان في موقف محرج حاولتا خلاله تغيير الموضوع !! .. اظن اننا في زمن اختفت فيه القيم صرنا اكثر شعورا بالخجل والعار اذا تكلم احدنا في هذا الموضوع ..وصرنا نشعر بحساسية شديدة تجاهه ، لكنني وبحكم المسؤولية نويت ان اقتحم هذا المجال .. اعلم ان العواقب قد تكون وخيمة جراء ذلك ، لكن طريق المدونات والكتابات  كان ولا زال بالنسبة لي طريقا محفوفا بالمخاطر ، لكنني سأتسلح بتوفيق الله وبحسن ظني بعموم المسلمين وحبي للجميع .. والله الموفق .

"الحجاب" في اللغة هو الستر ، وفي القرآن الكريم ذكره الله تعالى في سورة النور  بصفة "الخمار" .. وهو لباس مخصوص لتغطية الرأس ، وفي الآية الكريمة :" وليضربن بخمرهن على جيوبهن" .. اي ان الخمار بصفته المغطية للرأس يجب ان يغطي الجيوب (الرقبة،الصدر،اليدين) .. فجاءت هذه الآية صريحة على كون "الحجاب" فرضا على البنت المسلمة البالغة بدلالة اللغة كما بينت في معناها ، وبدلالة ورود هذه الآية في القرآن قطعا و قولا واحدا ، و غير الملتزمات به بإمكاننا ان نصنفهن الى صنفين ، صنف من النساء من يقررن بأن الحجاب فرض لكنهن ﻻ يلتزمن به ، وقسم جاحد منكر لأصل المسألة . 
تعلم ان الحجاب فرض ، لكنها ليست متحجبة :  
وهنا ... تسوق الفتاة لتسرد على نفسها عددا من التبريرات التي لو تفحصتيها اختي الكريمة بتمعن لرأيتي بأن هوى النفس هو العنوان الأكبر لها ، تستمر الفتاة في القيام بأعمال صالحة في مجالات أخرى ... فإذا حدثوها عن الحجاب اخذت تخدع ضميرها بتلك الأعمال و تتوارى عن الاعتراف بتقصيرها بمختلف الذارئع كأن تقول :  " أن المؤمن سيدخل الجنة بما وقر في قلبه " .. اقول بأن هذا الكلام جائز عقلا .. اي ان نسبته لا تتجاوز الخمسين بالمائة بما يجعل تعويل البنت على ايمانها فقط مغامرة كبيرة غير محسوبة .. لماذا؟! لأن الله سبحانه وتعالى لا يلزمه شيء من الناحية العقلية .. فهو القوي وصاحب الجبروت ، خالق البشر والجنة والنار ، وأنه سبحانه لن يظلم عبدا إذا ادخله النار ، فعل لك عهد عند الله يلزمك بأن تدخلي الجنة ؟! أما من الناحية الشرعية فأقول ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لن يدخل – بضم الياء- احدكم الجنة عمله .قيل:ولا انت يا رسول الله ؟! قال: ولا انا ..الا ان يتغدمني الله برحمته . بمعنى ، انك يابن آدم يجب عليك ان لا تعول على عملك لدخول الجنة .. بل عليك ان تعيش في خوف ورجاء لتنال رحمة الله ، ولكن .. كيف ننال رحمة الله ؟! يقول سبحانه وتعالى : "ورحمتي وسعت كل شيء ، فسأكتبها للذين يتقون" .. تأملي اختي ، يقول بأن الرحمة واسعة .. لكنه سبحانه سيكتبها للذين يتقون ، الذين يعملون .. الذين يؤدون فرائضهم ويلتزمون بشريعتهم ، ومخالفة ذلك يعني ابتعاد احتمالية الحصول على رحمة الله .. يقول الإمام الشافعي رحمه الله : "تعصي الإله وانت تزعم حبه .. هذا محال في القياس بديع،لو كان حبك صادقا لأطعته .. ان المحب لمن يحب مطيع " . فأيتها الأخت ، إن التعويل على الإيمان بهذه الطريقة مسألة صعبة حقا.. ليس كذلك فقط ، بل و حتى ذلك الإيمان الذي تتغنين به وتظنين بأن قلبك عامر به سيكون موضع شك كبير .. فكيف لنا ان نتعرف على ذلك الإيمان ان لم يكن هناك سلوك ظاهر يترجمه وينفذ التعليمات الإلهية ! ترجئ احداهن الاسباب الى ان موعد ارتداء الحجاب لم يحن بعد ، وهذا نتيجة خلل في التفكير ... كيف ذلك ؟! إننا في الامور التي تخص الحياة الآخرة نقوم بفعل الاشياء وكأننا نقوم بها للمرة الأخيرة ( واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ) وقفت مرة خلف إمام يقول : " صلوا صلاة مودع " اي ان عليكم ايها المصلون ان تستشعروا ان هذه الصلاة قد تكون الأخيرة لكم .. على غير المتحجبة ان تنظر الى هذا الامر من ناحية مراقبة المشرع سبحانه وتعالى وليس الانحصار داخل المبررات الواهية المسوفة ...كما انه ليس لغير المتحجبة طريق الصواب في النظر الى المتحجبة غير الملتزمة بالسلوك الحسن كعذر ، علينا ان نراقب الله ولا نراقب الناس 
الجحود و اللهو  .. ونكران الحجاب : 
 ان مسألة الحجاب ليست بالمسألة السهلة العواقب ، نحن نتعامل مع حكم فرض معلوم من الدين بالضرورة .. اي أن الجاحد لها والمنكر لفرضيتها سيكون اسلامه على كف عفريت .. يقول صاحب جوهرة التوحيد : " ومن لمعلوم ضرورة جحد .. من ديننا يقتل كفرا ليس حد " ، بمعنى ..ان المنكر لمسألة فرضية الحجاب من الاساس يستتاب لمدة ثلاثة ايام ، فإن لم يتب والا فيقتل .. المسألة خطيرة فوق ما تتصورون ، ولحسن ظني ببنات المسلمين فإنني اذكر هذه المعلومات ليس من باب الاتهام والتكفير بل من باب الوعي القائم على المسؤولية و المحبة .. فأنا لست تكفيريا ، ولكن شرائع الاسلام ليست محل مساومة.. والا لكانت تبعا لأهواء الناس ولضاع الدين وضاعت القيم ولضاعت حقوق الإسلام الشرعية ، لعلني اضرب مثالا لمسألة اخرى لتوضيح خطورة الأمر .. احتكم رجلان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم بينهما .. فلم يرض احد الرجلين بالحكم ، فذهبا الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال الرجل المدعي : ذهبنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم بيننا..ولم ارض بحكمه ، فجئناك . فقال عمر:اوفعلت ذلك ؟! .. قال : نعم .. قال عمر:رويدك ، فانتظرا حتى جلب عمر بن الخطاب سيفا فقتل احد الرجلين وهم بقتل الآخر إلا أنه فر هاربا .. فسأله الناس لم فعلت ذلك ؟! فقال عمر : لقد كفر . قام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك بما يتمتع به من صلاحيات معطاة من النبي صلى الله عليه وسلم من إفتاء الناس وتعليمهم امور دينهم والتصرف في مثل تلك الحالات وغيرها .. فحكم ابن الخطاب بكفرهما وهدر دمهما  ، فأنزل الله قرآنا يتلى الى يوم القيامة مؤيدا لهذا التصرف ..يقول سبحانه :"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم " .  نعم ، فالمشرع ان كان الله سبحانه وتعالى بصفة مباشرة او على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم نحن ملزمون تمام الإلتزام بتطبيق التعاليم الصادرة عنهما .. ويدل ذلك على عمق إيماننا بالله وبمحبتنا له ، لست هنا لكي اكتب كلاما يرقق القلب ويستميل فكر الفتاة على حساب تقديس النصوص الشرعية ، انا اكتب للنفتح اذهاننا ... ليس كما يقول البعض :بالحجاب تكونين اجمل ، بالحجاب تكونين مضيئة بالنور .. ماذا لو ارتدت غير المتحجبة الحجاب فأصبحت اقل جمالا مما كانت عليه ؟! لنقف عند نصوصنا الشرعية وقفة مقدسة اكثر .. نعم ، نحن في زمن نحب الروحانيات .. لكننا من جهة اخرى اقتربنا من الروحانيات وابتعدنا عن الذي بث الروح فينا ،وخلقنا ، ورزقنا ، وهدانا .. هل تعلمين اختاه ويا اخي القارئ ، كأننا نرى فتى صغيرا يمسك بيد ابيه ، يأمره الأب بالتصدق للفقراء ويعطيه نقودا في جيبه ليضعها في يد المحتاج .. يعود الفتى الى ابيه فيجازيه ابوه بمبلغ من المال جراء ذلك الفعل .. هل لاحظتم ؟! اعطاه المال وامره بالصدقة .. فلما فعل وعاد اعطاه جزاءه ، كذلك الرب جل جلاله ، يعطينا نعمه ويأمرنا بطاعته بنعمه .. ويثيبنا عليها ، فهل تبخسين  في حق بارينا العظيم وربنا الجليل المتنزه عن النقص الذي اغدق علينا من نعمه ظاهرة وباطنة قطعة قماش تغطين بها جسدك ؟! بل يستحق كل اشكال الشكر والثناء بالطاعة والذكر .. نعيش في حياتنا مع الله بين خوف ورجاء .. الخوف مما عند الله من عذاب ، والرجاء في رحمته .. والرجاء ما قارنه العمل ، والا فهو امنية .. فالعمل دلالة على عمق الإيمان ولا غنى عنه .
متحجبة ... ولكن : 

 المتحجبة ليست بالضرورة انسانة ملتزمة اخلاقيا ، ونقول بالعامية "ياما تحت السواهي دواهي" ... وهذا ما ذكرته في السابق بالتلاعب في الحجاب ، فبعض الشابات يرتدينه عادة وليس عبادة فمنهن من لا تتورع عن كشف شيء من رأسها ولا تحرص ان يكون ححابها كاملا.. بل هو للتزين فقط لا للعبادة  .. يقول الرب عز وجل : " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" . اسلوب خبري الغرض منه انشائي وهو الأمر ... بمعنى ان صلاتك يابن آدم يجب عليها ان تقربك الى ربك فتنهاك عن الفحشاء والمنكر ، وان تصطبغ بالسلوك الحسن الذي يمنعك عن مسببات المعصية وانتهاك حرمات الله ، كذلك الصوم .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة ان يدع طعامه وشرابه " .. وما يجري على صلاة والصوم يجري على كل العبادات ، والحجاب احدها .. فالمتحجبة إن لم يكن سلوكها مترجما للعبادات الظاهرة التي تقوم بها فإنها لن تسلم من الطعن في إيمانها الغير مقترن بالعمل ... فلا خير في متحجبة من الظاهر وتقوم بسلوك لا يرضاه الله سبحانه وتعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول الله سبحانه وتعالى : ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) .. إن لم نوقر شعائرنا ونحث بناتنا على ذلك فسيكون إيمانهن وإن كن متحجبات محل خدش وطعن ... 
يقول ابن عطاء الله السكندري  في حكمه : " رب معصية اورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة اورثت عزا واستكبارا " ، بالسلوك السيء الذي تقوم به تلك المتحجبة قد تلقي نفسها في تهلكة بسبب تلاعبها وعدم اكتراثها بحرمات الله .

من الجميل ان تكون المتحجبة واقفة على حدود الله ، ولنوجه كلمة أخيرة لأنفسنا أولاً ولأصحاب الشأن في هذا المقال و عموم الناس  .. فأقول : فلنستشعر كلنا أننا سنموت ، وسنقبر ونحاسب فرادا .. وسنعرض امام الله فرادا ( ما من عبد الا سيكلمه ربه..ليس بينه وبين ربه ترجمان ) .. وقال جل في علاه في سورة مريم :"وكلهم آتيه يوم القيامة فردا" .. فلنستشعر ذلك اليوم الذي سنرى فيه الأمهات يفررن من اولادهن ، والزوجات يفررن من ازواجهن .. ولا شفيع لك عند الله الا من ارتضاه الله لك شفيعا لتنالي رحمته ... فاستعيني بالخوف النابع من معرفتك بالله ، والرجاء النابع من العمل بأوامر الله لتنالي رحمة الله ...

محمد حسن يوسف