الخميس، 13 فبراير 2014

ابحث عن وطن


الحمدلله ربي نعم الإله ، والصلاة والسلام على خير الانام ابوه عبدالله .. اللهم صل عليه وعلى الآل والأصحاب ومن اتبع الى يوم الدين هداه ، إلهي .. بك انتصر فانصرني ، وعليك اتوكل فلا تكلني ، وفي فضلك ارغب فلا تحرمني ، وببابك اقف فلا تطردني . .. اللهم اخرجني من ظلمات الوهم ، واكرمني بنور الفهم ، وافتح علي بمعرفة العلم ،وحسن اخلاقي بالحلم .. يا حليم .

يقول ابن خلدون في مقدمته : "البحرين اقليم ، وقصبته هجر" .. في تلك الفترة كان يضم الاقليم المسمى البحرين تلك الجزيرة الصغيرة التي يطلق عليها "أوال" - بفتح الهمزة او بضمها – وهو اسم صنم كانت تعبده بنو وائل ، زرت الاحساء او كما يطلق عليها "واحة النخيل" في العام الماضي زيارة غير تقليدية .. فالشباب يقصدون عادة الإحساء لكي يناموا في احدى المزارع .. وينطلقون بعدها بيوم الى "جبل القارة" عائدين الى البحرين "الأرخبيل" ، اما في هذه الزيارة .. فقد اطلعت على اهل الإحساء اكثر ، وتعرفت على مشايخها ومنهجهم الوسطي المتسامح ، وكرم ضيافتهم .. لمحت البركة في وجوههم ، والطيبة في تعاملهم ... زرت مكانا يسمى "رباط الشيخ عبدالله بن ابي بكر الملا" ، وهو مكان يتلقى فيه طلبة العلم الشرعي علومهم .. ويتخذونه مسكنا لهم ، زاد عجبي اكثر عندما علمت ان هذا المكان يدرس الطلبة على المذاهب الأربعة كلها ، اي ان على الطالب ان يختار مذهبا ... والمشايخ متواجدون ، والسكن او "الرباط" يكاد يخلو من وسائل الترفيه ... فأخرج هذا الرباط علماء وسطيين متسامحين لطالما قادوا الساحات هنا في ارخبيلنا الصغير ، يقبلون بالاختلاف المعتبر ... وينفون الشذوذ ويحاربونه في مهده .

# رباط الشيخ عبدالله بن ابي بكر الملا

 


 

"ابحث عن وطن " ... يعتبر أهله بما مضى من التاريخ ، ويعودون الى طباعهم وطبيعتهم ، يقال قديما : "مادمت تحترم حقي فأنت اخي ، آمنت بالله ام آمنت بالحجر" ، "ابحث عن وطن" ... يخلو من المحاصصات الطائفية فذلك من اخلاق الجاهلية ، تكون فيه كل الطوائف شريكا في نهضة الوطن .. من مظاهر مأساتنا اننا نسمي بعض الدوائر الحكومية و الوزارات بأسماء طوائف من يشغرها ، صار كل شيء في وطني مسيس .. الرياضة،الثقافة،المسرح والفنون .. كل شيء خاضع لمقص السياسة، " ابحث عن وطن " .. لا يصنف الناس على حسب طوائفهم واعراقهم لكي يحصلوا على حقوقهم ، "ابحث عن وطن" تتبنى جميع طوائفه ذلك الحديث النبوي الشريف :"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"  .. متى سنعي انه ليست كل اهدافنا في الحياة يجب وينبغي علينا ان نضحي من اجلها بالدماء ؟! متى سنعتبر ..؟! كما سنحتاج امثال عثمان ابن عفان رضي الله عنه ، ذلك الصحابي الذي غرس السيف في صدره وهو في الثانية والثمانين من عمره ؟! قام اشقى الآخرين والملعون الى يوم الدين عبدالرحمن ابن ملجم باغتيال وقتل سيدنا علي بن ابي طالب رضي الله عنه ، قام بذلك كما يزعم مرضاة لله .. انظر الى اين تصل الفتن ، يقول سيدنا علي بن ابي طالب رضي الله عنه عن الخوارج:"اخواننا بغوا علينا " ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم تنبأ بهذه الفئة الفاسقة من الناس وقال عنها : "هم كلاب النار" ، دروس قاسية .. ولكننا لا نتعلم ، ونرى امثال سادتنا الحسين بن علي والزبير وطلحة .. وعبدالله بن الزبير و موقعة الحرة .. ولا نتعلم ، لأن الألم لا يدعونا الى التأمل ، حتى يموت لنا حبيب .. او يحبس لنا قريب .. او ينفى اهلنا الى مكان بعيد .. في الفتن ، يفكر الناس عادة كتفكير المرأة التي تطغى عاطفتها الجياشة .. والعاطفة ان غزر بحرها غرق الانسان فيها ، ولا يفكر تفكير المرأة العاقلة الفاهمة التي توزن المعطيات امامها لتستخرج النتائج ... نعم ، تلك المرأة موجودة في التاريخ .. يقول الله تعالى على لسان بلقيس : "قالت ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا اعزة اهلها اذلة وكذلك يفعلون " .. نعم ،انها امرأة وزنت المعطيات وحللت الواقع واستخرجت تلك النتيجة ، فقامت بحقن دماء اتباعها ... اتباعها الذين استشارتهم فأشاروا اليها بالقوة والمنعة ، قال الله تعالى : "قالوا نحن اولوا قوة و اولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين" .. انظر عزيزي القارئ ، لو سمعت بمشورتهم لماتوا جميعا امام جنود سليمان عليه السلام  .. فلما سمعت صوت عقلها اسلمت ودخلوا جميعا في دين الله . 
"ابحث عن وطن" .. يتكلم فيه العقلاء ، ويصمت فيه صغار القوم والحمقى ، تصمت فيه العاطفة وينطق فيه العلم والعقل ، "ابحث عن وطن" يخلو من قانون الغاب .. ان لم تكن معي فأنت ضدي والقوي منا يأكل الضعيف ، ينسى الناس انهم ذاهبون...بأفعالهم مغادرون ويبقى الوطن ، يبقى تاريخه ومجده .. ويبقى خيره وعزه ( اما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض) ، وسيظل التاريخ يحاسب المخطئين والجبارين والمتغطرسين على افعالهم ، وسيذكرهم بعين محايدة منصفة عميقة كما ذكر اسلافهم ... (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ان لا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى) ، مهما عدلنا في الحكم عليكم في الدنيا فان لكم موعدا لن تخلفوه مع الحكم العدل  (إن إلينا إيابهم،ثم إن علينا حسابهم) .

محمد حسن يوسف


الثلاثاء، 11 فبراير 2014

أمي


وماذا يا تراه يقول .. فؤاد انت معناه ؟! وعمر .. انت دنياه ؟! بليغا كنت احسبه ، ولكن ألجمت فاه .. حروف القول قد سكتت وتاهت مثل من تاهوا ، لما احرفي سمعت .. نداءا قال اماه .

في بيت عز اينعت .. فلما شبت تزوجت ، فما لبثت في نفس العام الا ورأت نفسها قد انجبت .. وفي حضن مسؤولية الأم قد صارت ، تلك بداية حكاية "امي" .. واجهت الدنيا ومسؤولياتها صغيرة شابة لم تبلغ العشرين من عمرها .. ما يربطني بها كبير وعميق ، فهي المعلمة الأولى .. والبيت الأول .. والوطن الأول ، كان ترتيبها بين اسرتها هو الرابع .. وهو نفس ترتيبي انا في اسرتي من حيث التسلسل ، لما تزوجت كانوا يكنونها "ام محمد" قبل ان تنجب ابنها الكبير "يوسف" ، فكان الاسم الذي تمنتها لولدها الأول من نصيب الولد الثاني "انا" ... يظن من يسميني "بوحسن" بأنه يربطني بأبي ، الا انه يربطني بأمي اكثر .. فهي اول من سماني بهذا الاسم ، ذهبت اليها يوما صغيرا مستغربا اقول: " ليش انا ما عندي توقيع ، ابي اسوي لي توقيع سهل ينحفظ " .. فقالت لي : " اكتب بوحسن ، و سو شخطة مثل ابوك. " .. وهذا توقيعي الى الآن ، فكل من يناديني ويحترمني باسم "بوحسن" انما هو من نفح بركات "امي" حفظها ربي واطال في عمرها .. اخذت اغلب اطباعي منها ، هواي يسير على هواها .. لا اقتنع برأي احد كما اقتنع برأيها ، توافق فكري ولله الحمد .

لما وضعتني .. عضت بأسنانها شفتها السفلى ، نتج عن ذلك جرح ما زال اثره الى الآن .. تقول لي امي كلما وضعت يدها على الجرح: "هاي كله منك " . هذه بداية العلاقة بيني وبين امي ، لم اكمل بعد اشهري التسعة في رحمها .. ولكنه توقيت رب العالمين .. شاركتني في نفس التوقيت تقريبا ابنة خالي التي ولدت بعدي بما يقارب الساعة ، سمتني امي على اسم ابيها " محمد " ... كنت اذا اختلفت مع اقراني الصغار في العائلة تقف خالاتي يحاولن تهدأتي ، ولكنني لا اتجاوب الا بكلمة من امي .. تجلسني فأرجع هادئا .

و صوتكي انتي ما احلى ** وفي سمعي هو الأغلا

اذا ما رن في اذني ** اجيد القول والفعلا

رغبت امي في مزاولة العمل التطوعي ، لكن الظروف المجتمعية حالت دون ذلك ... ولكنها حاولت دفع اولادها الى ممارسة هذا العمل التطوعي من صغرهم ، فكل ابناءها الثمانية مارسوا ذلك صغارا ... اول نشاط تطوعي شاركت فيه عندما كان عمري اثنا عشر سنة في مخيم ربيعي ، ولم يسبقني احد في عائلتي الى ذلك الا ابي و شقيقي الكبير يوسف حفظهما الله ، عزلتني امي عن مجالس النساء صغيرا .. توقفت من تلقاء نفسي عن الخروج لل "قرقاعون" و استلام "العيدية" وجمعها من البيوت منذ كنت في الصف السادس الابتدائي لشعوري بأنني اصبحت كبيرا على مثل تلك الاشياء ،فلم تنكر علي امي ذلك .

عندما يسألها البعض : "يبتي ثمان عيال،شلون ربيتيهم ؟ " .. تقول: "هاي من الله " ... دائما تقول لي امي انه من نعم الله على الناس ان ينسب الله الافعال لهم ، بينما هو سبحانه الذي خلق الفعل اصلا .. وهو الذي وفق الناس لكي يصلوا اليه ، فلولا توفيق الله اولا لما فعلنا الصالحات .. وانه عندما يضع الله سبحانه المقادير للمرء فإنه يهبه القدرة على التغلب عليها وتجاوزها... وفقها الله لتربية ابنائها بفضل سعة الصدر والحكمة التي الهمها الله اياها ، الى جانب الحزم وحسن التصرف بذكاء ... جعلت ابناءها كل يأخذ بزمام حياته بنفسه ، ولكنها زرعت فيهم اساسا واحدا ... نعود اليه اذا اشكلت علينا الامور وواجهنا مشكلة قاهرة لمستوى عقليتنا ، تستطيع استخدام الاسلوبين (الديموقراطي،الدكتاتوري) بشكل ممتاز ... فهي تستطيع اقناعك بوجهة نظرها ، ولكنها كثيرا ما تقول بأنها ليست مضطرة للشرح والتبرير .. فهي الأم وانت الابن ، مهما بلغت قناعاتي بآرائي وكانت عكس ما تشتهي امي .. فاني لا اجد بركة فيها ،  فتستصعب علي الامور و اقع في اشكالات عدة بسبب غياب البركة .
                
             لو الانسام طافت في رحابك تنثر العطرا

تحبس دمعنا كي لا بروضك يذبل الزهرا

ما وفتك يا امااه،ما وفتك مثقالا

كانت ترى بعض الرجال اصحاب الكروش الضخمة والاجسام المترهلة ، تقول : "هذلين مب رياييل اصلا" .. في ذهنها ، ان الرجل الحقيقي هو الذي يتعب ويكدح من اجل عائلته ولا يهمل نفسه بهذه الطريقة ... قدوتها في فكرتها هذه كان ابوها " جدي محمد رحمه الله " ، ذلك الرجل الصالح الذاكر الذي لم يكن ينام الا ساعات من الظهيرة ، ويعمل في التجارة الى جانب عمله الرسمي .. قدوتها ايضا كان ابي ، الذي الى جانب وظيفته الرسمية ومهامه التطوعية كان يعمل في التجارة ومازال .. وكان يقرن الدراسة بالعمل في بداية حياته الزوجية ،الرجلان كانا في غاية النحافة ... اذا وجدتني اجلس كثيرا في البيت وانا صغير توبخني وتقول: "الريال ما يتربى في حضن امه" . فلما كبرت وزادت مشاغلي تقول لي : " عطنا خمس دقايق من وقتك " . انها الام ، للعقل قوانين واحكام .. وليس للعاطفة والامومة مثل  ذلك .

امي وليفة خاطري نور عيني ** حتى وهي قربي لها احن واشتاق

كل ما اضيق بهالزمن تحتويني ** يارب تشرح صدرها كل ما ضاق

بعد ان اطمأنت على مسار ابنائها .. بدأت امي تبحث عن نفسها ، كان ذلك بعد ان تجاوزت الاربعين .. رغم الظروف الاجتماعية لكنها كانت ترى نفسها متأخرة جدا في البحث عن الذات واعطاء النفس حقها بدلا من الاكتفاء بالتضحية الى الآخرين ، تستغرب امي عندما ترى شابة ليس لها هدف في الحياة .. تنهي تعليمها الحكومي وتنتظر في بيت ابيها ذلك الرجل الذي يسمى "النصيب" ، وهي في مقر عملها الحالي دائما ما تزجر بعض المراسلات في المدرسة .. هن شابات لم يكملن بعد المرحلة الدراسية ، تتحسر عليهم وتقول: "توكم ياهال .. روحوا تعلموا وكملوا دراستكم " .

بدأت امي في تعلم القرآن الكريم واحكام التجويد ، كانت تنظر الى ذلك الامر نظر الضرورة .. فهي تخطئ وتلحن في قراءة السور الطويلة ، سأعيد هذه العبارة لأنها مهمة (تخطئ و تلحن في قراءة السور الطويلة) ، نعم .. بعض شبابنا لا يهتم ان كان يجيد قراءة الفاتحة التي تقوم بها صلاته ام لا ، درست امي احكام التجويد بكل انضباط و تفان واخلاص .. مازلت اذكر تلك الايام التي كانت فيها امي تضع الاوراق والملفات على طاولة مربعة الشكل صباحا ، واحفادها الصغار يلعبون حولها .. اكرمها الله وحصلت على رواية حفص عن عاصم ، وصارت معلمة في التجويد ..


الأم استاذ الأساتذة الأولى ** شغلت مآثرهم مدى الآفاق

 
وفاة جدتي " ام ابي" رحمها الله  التي قضت آخر ايامها قبل مرض الموت في منزلنا اثر على امي نفسيا ، ولكنها حولت ذلك التأثر الى شعور ايجابي .. قامت مع صديقتها بإشهار " شعبة المسنين" ، تعنى هذه الشعبة بخدمة المسنين الذين يتبنونهم اهاليهم في بيوتهم بتوفير الاحتياجات الضرورية ( اسرة طبية،كراسي مخصصة، مقاعد للمراحيض اجلكم الله،حفاظات ... الخ ) ، وحصلت على عدة منح من وزارة التنمية كتشجيع على هذه الفكرة التي ما زالت قائمة الى الآن .

وتبتسمين رغم المر ** تحتسبينه اجرا

اذ ما الصبر .. مل الصبر ** قلتي له الا صبرا

في ازمة 2011 ، قامت امي بالتطوع في مدرسة الخوارزمي #عراد لتدريس اللغة العربية .. فإلى جانب كونها تتمتع بأسلوب تربوي جذاب ، كانت امي قد درست النحو بشكل متخصص مما ساعدها على مزاولة هذا العمل .. اكرمها الله بعد ذلك بالتثبيت على الوظيفة ، تحول جذري في مسيرة امي كان بعد هذا المهمة الوظيفية ، احست امي انها وجدت نفسها ... على الرغم من انها تجاوزت الخمسين عاما من عمرها ، الا انها لا تزال تعتقد انها شابة .. وهي شابة فعلا ، وتفكر وتأمل في عمل مشاريع اخرى في حياتها امدها الله .

في المدرسة ، ساهمت امي بشكل فعال في تأسيس فريق تطوعي في المدرسة سموه "كن عونا" .. فريق مكون من طلاب المدرسة يقومون ببعض الانشطة التطوعية استمرارا وامتدادا لما فعلته من غرس لحب العمل التطوعي في ابنائها .

ما مرت به امي من ابتلاءات جعلها صلبة ، تقول : " ان الله لا يكتب لك ان تقع في موقف ما .. الا وهو يريد سبحانه منك شيئا ، اما ان تطور في مهارة ما فيك .. او ان توجد شيئا فيك كنت تفقده وهذا جزء من التربية الربانية ، ومن يغفل عن ذلك فهو غبي ". دائما ما يسددها الله ويمسح على قلبها في الشدائد ، لأنها عرفت ربها في الرخاء ..فعرفها في الشدة ، فهي تتحسر اذا نست انها لم تصل صلاة الضحى .. قراءة للقرآن الكريم .. ترى بأن صمام امان الشخص في هذه الدنيا هو قيامه لصلاة الفجر ، اتعمد المرور بها اذا فرغت من صلاة الفجر لتراني وترتاح .. فتبتسم في وجهي وتطمئن ، هي ترى بأن الرجل مهما تقدم في دنياه تعود اعماله وبالا عليه اذا اهمل الفجر .. اهمل الفجر،بمعنى لم يصلها في وقتها .. توبخني بشدة عندما تشرق علي الشمس ولم اصل فتقول : "عبالك بيفيدك ذي الي تشتغل له ؟!" . فما بالكم بالذي يسهر الليل دون عمل له معنى ويفوت الفجر عن وقتها .

امي ، رمز الأمل .. بوجودها تحل علي البركة ، رمز العطاء .. فاذا نظرت الى عطائها اتحدى نفسي وابذل المزيد .. امي، نبع حنان لا ينضب .. لما اصبت في كتفي وعدت الى البيت ورأتني ، اهتمت ان اكون نائما بوضع مريح لكتفي المصابة ولم تهتم بالتفاصيل .. فلما استرجعت بعد عدة ايام قالت لي معاتبة مستنكرة ماحدث : "اتنادي الاسعاف وما اتقول لي؟!" وطلبت مني مراجعة المستشفى ،فقلت لها ان الموعد قريب .. ولن اذهب قبل الموعد ، مع سياغ الحديث قالت لي انها ذات مرة سقطت من كرسي كانت تجلس عليه وتصلي في الحرم ..فتغير مكان كتفها ولكن الى الداخل ، فقلت لها : "هلا راجعتي المستشفى" .. فقالت ضاحكة : لا . الم اقل لكم ؟!! هواي يوافق هواها .

اغرى امرؤ يوما غلاما جاهلا ** بنقوده حتى ينال به الوطر

قال :ائتني بفؤاد امك يا فتى ** ولك الدراهم والجواهر والدرر

فمضى واغرز خنجرا في صدرها ** والقلب اخرجه وعاد على الاثر

لكنه من فرط سرعته هوى ** فتدحرج القلب المعفر اذا عثر

ناداه قلب الأم وهو معفر ** ولدي ، حبيبي ، هل اصابك من ضرر؟ّ!

فكأن هذا الصوت رغم حنوه ** غضب السماء على الوليد قد انهمر

ورأى فظيع جناية لم يأتها ** احد سواه منذ تاريخ البشر

وارتد نحو القلب يغسله بما ** فاضت به عيناه من سيل العبر

واستل خنجره ليطعن صدره ** طعنا سيبقى عبرة لمن اعتبر

ناداه قلب الأم : كف يدا ولا ** تذبح فؤادي مرتين على الأثر

 

محمد حسن يوسف