الجمعة، 15 أبريل 2016

سقوط بغداد ( 9 أبريل 2003م)


الحمدلله الكريم المنان، رب الإنس والجان.. والصلاة والسلام على سيد الثقلين من نسل عدنان، وعلى الآل والأصحاب.. ومن سار على الدرب إلى أعلى الجنان، اللهم أكرمني بنور الفهم، وأخرجني من ظلمات الوهم، وحسِّن أخلاقي بالحلم، وزدني من بركات العلم، وافتح علي أبواب رحمتك.

مازالت تلك الذكرى في ذهني وفي مخيلتي، تلك الأيام التي كنت أجرُّ فيها كتبي خارجاً من المدرسة الإعدادية في عراد راجعاً إلى البيت لأفتح التلفاز.. وعيني تترقب شريط الأخبار، أخبار الحرب الغاشمة على العراق وأهله.. دعك من كلمة "الحرب" وتوقف عند كلمة "العراق"، أرض الأنبياء.. فنوح عليه السلام مر من هناك، وإبراهيم عليه السلام أُلقي في النار هناك، ويونس بن متّى عليه السلام أرض نينوى شاهدةٌ على وجوده، أرض الحضارات.. فسومر وبابل وغيرهم شهداء على عراقة العراق، وأي حرب عليه فهي ليست حرباً خالصة خاصة به.. بل يتأثر بها كل عربي خالص ينبض قلبه بحب إخوانه.

كنت أقضي ساعات طوال.. اترقب شريط الأخبار لأنتظر خبر مقتل جندي أمريكي، أو اسقاط مروحية غازية، أو أي ضربة يتأذى بها العدو، لم أكن أفهم ماذا يعني تجاوز الأمريكان للبصرة.. ووصولهم إلى كربلاء.. والإنزال في منطقة الشمال واحتلالهم المطار.. وظهور الرئيس العراقي في الأعظمية والرسائل التي يتضمنها ذلك الظهور، ولم أكتب المقال لأتحدث عن كل ذلك، فالمكتبات مليئة به وإن كنا لا نقرأ، كل ما وقفت أمامه متعجباً غاضباً هو ذلك العلم الأمريكي الذي ارتفع في وسط بغداد معلناً سقوط النظام، ما زاد من استغرابي هو تلك المشاعر المتناقضة بين سعيد وحزين من الناس، فكنت أقول:" هل أنا الغبي لحزني،أم هم الحمقى لتعطيلهم عقولهم؟!" فطرت أبحث عن كلمة "سقوط بغداد" في قاموس الشبكة العنكبوتية فوصلت إلى نتيجة غريبة.. وهي أن التاريخ يعيد نفسه، فمن يريد أن ينال من العروبة فالعراق طريقه، وفمن يريد النيل من الإسلام فالقدس طريقه، والأغرب أن بعض الروايات في التوراة تخبر بأن تحرير القدس يبدأ من العراق.. فلا يجب عليك أن تتذكر فلسطين – إن تذكرتها – ولا تذكر العراق بدعوة صادقة أن يُعلي الله شأنه ليعود رائداً بالعقول التي يحتويها، بمقدراته التي ليس يملكها أحد، بأن يخرج من أزماته عالياً شامخاً كما عاد وخرج من أزمات مماثلة، ألم تسمعوا بهولاكو الطاغية و تيمورلنك كيف عاثوا في العراق فساداً ودمروه وأخّروه عصوراً مضت؟ولكنه عاد من جديد.. والتاريخ مليء بالقصص والحكايات عن أزمات العراق.

تلك القصص لم يضعها التاريخ لنستأنس بوجودها، فهي عبرة وعظة لمن كان له عقل وفكر، فهاهو القرآن يخبرنا بعد ذكر هلاك قوم نوح عليه السلام وعاد وثمود وقوم سدوم في سورة القمر بقوله تعالى: "ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدًّكِر"، وقوله سبحانه:" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" ، إن لله سنناً في الكون واقعة لا محالة، فالأمة التي لا تستفيق من صدماتها تستحق الأخرى والتي بعدها، ولن يغير الله من أحوالنا ما لم نغير نحن من تفاصيل قصتنا "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرا ما بأنفسهم، ولتكن تلك السقطات دافعاً لنهوضنا لا مدعاة لرقادنا.

كنت أنا وأخي "يوسف" نسمع أغنية "منصورة بغداد" أثناء الحرب وما بعدها من صفحات المقاومة الباسلة كجزءٍ من تضامن بسيط مع إخواننا، فلم نكن نقدر على القيام بفعل ذلك المصري الذي أبقى أبناءه الأربعة وذهب يقاتل في العراق.. ولم نكن من المتطوعين العرب الذي قاتلوا حتى آخر رمق من الحرب، منهم من استشهد في الخنادق، ومنهم من انضم إلى المقاومة، ومنهم ومنهم الكثير من لم يستطع الا التفاعل بقلبه فقط، جلست حزيناً بعد الاحتلال، فقلت في نفسي:" حزنت لأمر العراق الذي راح في ثلاثة أسابيع، ماذا لو عشت ذلك اليوم، اليوم الذي (طارت) فيه سيناء المصرية والجولان السورية والضفة الغربية بما فيها القدس الفلسطينية في ستة أيام؟! بالتأكيد كنت سأبكي.. هل مازال ذلك اليوم في أذهاننا؟ أم أننا نسينا؟"

محمد حسن يوسف