السبت، 6 أغسطس 2016

خلق..طموح..مشاركة


الحمدلله الكريم الوهاب.. والصلاة والسلام على من بعثه ربه بأمّ الكتاب، وعلى الآل والأصحاب أولي النهى والألباب، ومن سار على نهجهم ودخلوا رضوان الله بلا عتاب.. اللهم أكرمني بنور الفهم، وأخرجني من ظلمات الوهم، وحسّن أخلاقي بالحلم، وزدني من بركات العلم، واغفر لمن جاءك عاصياً و أناب.

في خِضمّ هذه الحياة.. نستدرك وضع الشباب وسط هذه الأمواج العاتية من الأفكار والمعلومات والخواطر التي ترد على أذهانهم، وكما هو معلومٌ فمنها صالح ومنها دون ذلك، فلهذا لا ينبغي للشاب ان يخوض الغمار في معمعة الحياة بدون توافر الأسلحة الدفاعية.. الكفيلة بتحصين العقول والقلوب في آن واحد، لعل الله سبحانه وتعالى يوصل ذلك الشاب بقلب وعقل سليمين إلى طريق الحقيقة الواضحة.. إن هذه الأسلحة من شأنها ان تعزز دور الشاب في بناء نفسه فكرياً وثقافياً وعلمياً.

حسن الخلق.. يكاد هذا الأمر أن يبلُغ بصاحبه أعلى المراتب الفكرية وربما كان صاحبه أقل علما وفكراً وتجربة، ذلك لأن حسن الخلق يزرع انكسار القلب والذات في مواجهة الحقيقة بدون تكبر أو تعالٍ عليها، فالشباب في زمننا أضحى واضعاً قالباً صلباً في رأسه.. ولا يريد أن يُدخل فيه من المعلومات والتجارب إلا ما يوافق هواه ومزاجه، لذلك ستستغرب وجود العديد من الشباب المثقفين بمعنى الكم الهائل الذي يحملونه من المعلومات.. لكنه صبّها في مجرىً واحد، حسن الخلق يجعلك تحب وتسعى لأهل العلم والمتخصصين لتنال من معلوماتهم، فالحضارة الإسلامية لم تقدم نموذجاً علمياً من فراغ، فالعلماء الذين يتمتعون بحسن الخلق يتمتعون بميزة تبادل المعلومات والاستفادة من خبرات العلماء الآخرين.

اقرأ.. ثم اقرأ.. ثم اقرأ، لا تمل من القراءة حتى تمل هي منك، فهي تنقلك من عالم إلى عالم وانت جالس في عالمك، ولكن.. ماذا تقرأ؟؟ الكثير من الشباب ينكب على قراءة الكتب الضعيفة الغير مفيدة أو تلك الكتب التي لا تتحدى عقليتهم وفكرهم.. فلا تساهم في نضجٍ فكري على المدى القصير.. لهذا تجد الكثير من الشباب يمارسون العمل التطوعي لصقل شخصيتهم وخبرتهم في الحياة وكتشاف ذواتهم، ولو أنهم خلطوا القراءة بالعمل اليسير لكان خيراً لهم، فذك يفتح ذهن الشاب بشكل أكبر، وتتشكل شخصيته وأهدافه بطريقة تجعل من الشاب ذو شخصية قوية مثقفة ممزوجة بحسن الخلق.

من الدلائل على حسن الخلق وتواضع النفس أن يسعى الإنسان بالسؤال (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، ولو أن الإنسان استفرد برأيه بما يعرفه دون سؤال أهل الذكر أو "أهل الاختصاص" إن صح التعبير لفسدت الأرض.. ولضاعت علوم ومعارف بسبب أخذ الجهّال دور العلماء لاكتفائهم بما في رؤوسهم من علم ضحل، ولا شك بأن من سعى السعي الأكيد وراء أهل الاختصاص سيصل إلى المبتغى الأكيد، فإن توقف أمام قيدٍ ما.. سعى لكسر هذا القيد بالطرق العلمية السليمة السديدة لا بالعنترة والجهل والاندفاع الغير محسوب.

يكره الشاب (أو ربما يغفل) عن صنع محيط به يرشده ويطلعه على عيوبه، فتجده يتغافل عن عيب فيه لمجرد أن أحدهم مدحه وذكره بأجمل الصفات، وذلك طريق للاغترار بالنفس.. لطالما كنت أقيّم نفسي فيما كان يجب علي فعله ولم أفعل... وفيما قلته ولم يكن يجب علي قوله، وذلك أمر لا يطّلع عليه منتقدوك أو مادحوك بقدر الدقة التي تتحلى بها انت استناداً لمعرفتك بنفسك حق المعرفة، فلا يغرّنّك مدحٌ ينسيك عيبك فتطغى فيه، واجعل من انتقادات غيرك طريقاً لنجاحك.. فأنت بها تقوى وتسمو، فما أحوجك لها.

حاول بين الفترة والأخرى عرض أفكارك ومعلوماتك وتجاربك على الملأ، ليس من باب الاستعراض والفخر بأنك تملك ما لا يمتلكه غيرك، بل من أجل أن تقارن نفسك بمن حولك فتفتح المجال لنفسك لتتقبل الخبرات والمعلومات من مصادر مختلفة أكثر، فذلك يعكس التواضع في شخصيتك، كم من إنجازات العرب والمسلمين العلمية كانت نتيجة لتواضعهم وانفتاحهم على الحضارات المختلفة لا سيما الحضارة اليونانية.. الفكرة تدعم الفكرة، والمعلومة تشد عضُد أختها فتتكون شخصية الشاب بأفضل الطرق.. معلومات رصينة دقيقة، وشخصية قوية طموحة خلوقة، وعليه تُبنى أجيال طموحة منجزة غير مغترة لإنجاز دنيوي، لأنها "عتبات" لإنجاز حضاري وأُخروي.



محمد حسن يوسف