الثلاثاء، 26 أغسطس 2014

افعل ما لا يطيقه الآخرون

الحمدلله الفرد الصمد .. العلي الأوحد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .. والصلاة والسلام على نبيه الممجد صاحب لواء الحمد أحمد .. واشمل الصلاة والسلام الآل والأصحاب .. ومن تبعهم لله و وحّد ،  اللهم اخرجني من ظلمات الوهم ، واكرمني بنور الفهم .. وحسن أخلاقي بالحلم .. وافتح علي أبواب العلم ، وأكرمني بنور الإستقامة .

كنت في صباي أحب لعب الكرة بشكل جنوني .. اتذكر عندما كنت ألعب في تلك الملاعب الرملية ، كنت أعود إلى المنزل وما في ثيابي موضع يسير الا والتراب يملؤه .. حتى كانت والدتي حفظها الله تنتظر قدومي وهي في الطابق العلوي وتقول غاضبة : " خذ ثيابك و روح البالوعة غسلهم .. وتسبح تحت وبعدين اركب " . حبي المجنون للكرة دفعني إلى عدم الخوف من الإلتحامات القوية ، ولكن في المقابل .. لا يشعر أي إنسان بمدى الاستمتاع الذي اشعر به بداخلي .. العب المباراة تل والأخرى يوميا بدون كلل أو ملل .

تبصرت في أمور حياتي ... فقلت : لم لا أقوم بأمور أكثر اهمية بالنسبة إلى مستقبلي .. لكن بنفس الروح التي ألعب بها الكرة ، سنة 2009 عندما شاركت في برنامج محطة الإبداع وفي المقابلة الأولى .. سألتني الأستاذة "بدور بوحجي" عن الأشياء التي أرغب في تغييرها في نفسي فقلت : " إنني أضحي كثيرا من أجل الآخرين .. لكنني لا أعرف ماذا أريد ".

كانت تلك السنة نقطة تحول .. ففيها تخرجت من جامعة البحرين ، وحصلت على وظيفة بعد ستة شهور .. كان هناك تحدياً واجهته ، استصغرته بداية الأمر .. ولكنه كان صعبا ومعقدا شيئا ما ، فالدخول وسط جو من الموظفين على قلب واحد ( ومن جماعة واحدة ) أمر بالغ الصعوبة .. عندما كنت أخطئ كان الجميع يسخر مني .. بل وحتى البعض كان ( يتفلسف ) بحكم الخبرة في مجال العمل .

تذكرت وقتها تلك الروح الكروية بداخلي .. فقررت أن أقوم بعملي بشكل لا يطيقه الآخرون .. وأن استمتع بما أفعله رغم أنف الجميع ، كان يقول لي مسؤولي في العمل : " محمد..لا اتسوي شغل وايد وأغلاط وايد " . فقررت أن أركز وأقلل من أخطائي .. في المقابل أزيد من سرعة إنجاز العمل ، تغيرت المفاهيم فتغيرت الإستراتيجية .

كان الموظفون الشباب يقومون بتحديث البيانات على النظام لمدة 8 ساعات وربما لا ينهونه .. فأصبحت أٌقوم بعمل يوازي عملهم في الكمية في 3 ساعات فقط !! كانوا يتناولون القهوة موظفين و موظفات في أول نصف ساعة .. فكنت أدخل مباشرة إلى العمل باكرا دون تناول شيء معهم ، مما اثار حفيظة البعض وغضبهم .

عندما يحتاجونني في الفترات الليلية أوافق .. عندما قام موظف بالاضراب قمت وسددت مكانه برحابة صدر ، في الإحصائيات العامة عملي اليومي يوازي عمل ثلاثة موظفين آخرين .. أدخلني هذا الأمر في مشاكل عدة ، منها الخصومة داخل العمل .. لكنني كنت مركزا على ما أقوم به فقط ، لست راغبا في كسب العلاقات الشخصية ..  داخل مقر العمل انا مكتفٍ بذاتي ، أجلس على كرسيي ولا اتحرك الا اذا انتهيت من أوراقي .

قبل زملائي المجانين .. واجهتني عقبات عدة ، منها عطف الأهل علي .. هم يرون أنني مضحوك علي ، وانني اسرف في الجهد بلا داعي .. لا أشك في نوايا أهلي بأنهم يريدون الخير لي ، ما سيفعلونه فقط هو أنهم سيسكبون علي سيلا من العواطف الجياشة  ، ولكنني اعرف تماما بأنه لا يمكن لأحد أن يفهم ما أشعر به .. إلا أنا ، لا أحد سيحقق أهدافي بالرغبة التي أريدها .. إلا انا ، لا أحد سيحقق أحلامي .. لا أحد سينجح بدلا مني ، أنا من سيفعل كل ذلك ، لهذا .. علي أن أجلس لساعات أمام الأجهزة ، خلال سنة عملت بها في شركة يوسف خليل المؤيد و أولاده لم آخذ اجازة مرضية واحدة ،  علي أن أقوم بما لا يقوم به الآخرون ، علي أن أحب عملي ، علي أن اثق بنفسي ، علي أن أتعامل مع الإساءات بذكاء وليس بعاطفة سلبية .

خلال الأزمة 2011 .. وفي أول يوم من احتجاجات السلمانية ، طلبت مني المسؤولة الحضور والتغطية لمكان موظفة تعذر وصولها ، أعلم بأن تلك الموظفة كانت تكذب ، وتبين أنها شاركت في الاعتصام ، لكنني كنت مسرورا بالعمل و الدور الذي أقوم به ، لم أكن مغفلا .. بل كنت متغافلا ، أتذكر كلام صديقي عندما كان يترجاني خلال الأزمة بقوله : " بوحسن لا اترووح ، ما صار دوام ذي " . نعم ، هذا كل ما يستطيع فعله المجتمع من حولك ، الكارهون سيثبطون من عزيمتك .. والمحبون سيغدقون عليك العواطف وربما شجعوك .. لكن أحلامك ، طموحاتك ، آمالاك ، شخصيتك وذاتك .. لن يحقق ما سبق أيٌ مما سبق ذكره .. إلا أنت ، لا نجاح بدون ألم ، بدون دموع ، بدون سهر ، بدون حيرة واضطراب .. فافعل ما لا يطاق .

محمد حسن