الأحد، 22 أبريل 2018

الرجولة.. المصطلح المظلوم


إن الخوض في غمار هذه الحياة وسط الكثير من المعلومات والحوادث والأشخاص ينبغي أن يكون وفق مفاهيم ومبادئ أوضح من الشمس، فمن دون ذلك نجد بأن الشخص يتخبط يمنة ويسرة، فيصبح أعداء الأمس أحباب اليوم، وللغد شأن آخر .. يجامل ويداهن ويتساهل على حساب نفسه ومبادئه، وذلك ما لا ينبغي للإنسان أن يقوم به، ومن هنا يأتي خطابي للشباب الجامح القوي، الذي يعتقد بأن صك "الرجولة" مضمون وفق ما تتطلبه ذكوريته، أقول بأن "مقام" الرجولة يقتضي منك أشياء كثيرة، فإذا سألت نفسك سؤالًا بقولك:" إنني ابحث عن المرأة الحقيقية لأكمل معها حياتي المستقبلية" ..  هنا لابد أن نسألك: هل أنت "رجل" بالقدر الكافي؟


اعلم أول الأمر.. أن الله سبحانه وتعالى إذا فضّل شيئًا على آخر فهو بمقتضى المسؤولية الأكبر، فإذا قال الله تعالى: " الرجال قوامون على النساء" فهو يريد منك فعلًا يتناسب مع هذا التفضيل من الجانب الذي تقتضيه الآية، فلا ترفع أنفك على امرأة، ولا تحتقر مجتمع النساء وان بدت لك أفعال البعض منهم غير ما تحب وتعتاد، فللناس طبعٌ مجمل يصعب تغييره، وتذكر بأن الله سبحانه فضّل النساء على الرجال في موقع آخر حيث قال نبيه صلى الله عليه وسلم بثلاث مرات للتأكيد:" أمك، أمك، امك، ثم أبوك"، فهل تستطيع "كرجل" أن تبلغ ذلك المقام؟ لن تبلغه، لأن الله أعلم بخلقه.. وصنفهم كما شاء سبحانه، ووزع المسؤوليات والقدرات بما في استطاعتهم أن يفعلوه ويقوموا به.


وللخوض في غمار مسؤولية "الرجل"، لتبدأ أولًا بالتخلص من أوقات فراغك التي لا فائدة منها، إن الرجل قوّام على نفسه أولًا قبل أن يقوم على الآخرين، فلتبدأ ذلك بالاستغناء التدريجي عن الأوقات المضيعة، واجعل ساعات فراغك راحة بين جهد وجهد، واستعداداً لجهد آخر، الوقت من اعظم النعم بعد الإسلام.. ففيه تقوم بطاعة ربك، وفي تقوم ببر والديك، وفيه تقوم ببناء نفسك ومخزونك الفكري والعلمي والعملي، فلا ينبغي أن يضيع منك، فسّر السابقون وجود الفراغ بذاته بأنه مشكلة، ووفقًا للفظ الإمام الشافعي في ديوان شعره حيث وصفه بلفظ "المفسدة"، واعلم بأن الوقت لا يساوي الذهب .. بل هو أغلى، فإنه إذا ذهب لا يعود، أرأيت لو أن احد والديك كان بصحة وعافية، ثم انتكس بقدر الله وبات تحت رحمته والأجهزة، كنت ستفتديه بوقتك ليعيش وتبلغه رسالة خاصة من قلبك بأنك تحبه، فأنت "كرجل" لديه كامل الوقت في خدمة أهله وتولّي شؤون نفسه ليخفف الحمل عن من كان عليه الحمل.. لا ليزيده بعد أن خطّت لحيته، واستقوى عوده.


إن كان اتهام الرجل للمرأة بأنها عاطفية في المقام الأول، فإن الله سبحانه قد خلق الخلق مختلفين متكاملين، ليستقيم هذا بذاك، لذلك فينبغي للرجل أن يكون واقعيًا بالدرجة الأكبر، لا يسلم نفسه لغضبه وغروره، يفعل الأمر الصحيح .. لا الذي يريد أن يفعله ليرضي كبريائه، فإن كان الموقف يستدعي الاعتذار فاعتذر، وإن الموقف يستدعي الغضب فلا يجرنك التمادي فيه لأن تقوم بأشياء ستندم عليها لاحقًا، إن التحكم بالسلوك الخارجي للإنسان من اصعب الأمور التي لا يقدر على القيام بها الكثير من الذكور، لذلك يتصف خير الرجال بالحلم والحكمة والرزانة مع الحياء، ويُستبعد من مقام الرجال إلى آخر الصفوف المتهور منهم والغضوب، من الطبيعي أن يكون التحلي بالصفات الحميدة من أصعب الأشياء.. فضلًا عن اصلاح عيوب النفس التي قد تأخذ وقتًا ليس بالقصير، ولكن من الحمق التغافل عن ذلك، فإن العيب إذا غفل صاحبه عنه أوجد عيبًا آخر.. قد يكون اصلاحه اكثر صعوبة وتعقيدًا.


إن ما يخيف البعض من فكرة الاقتران والزواج هو موضوع "المسؤولية"، التي هي من صميم خلق الإنسان، وهذا ما استغربه فعلًا، فخلق الإنسان لم يقترن إلا مع امانةٍ ومسؤوليةٍ كلفه الله عز وجل بها، فإن لم يكن لنا مهمة نؤديها على هذه الأرض فنحن نستحق الاستبدال (وإن تتولّوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)، ثم مالنا نركز على مسؤوليات صغيرة كدفع فواتير الهاتف وخدمة الإنترنت وغيرها من الكماليات.. ونغفل عن أعظم المسؤوليات وهي تعمير هذه الأرض بما يرضي خالقنا؟! إن عدم التحلي بروح تحمل المسؤولية يسلب "الرجل" المبادرة والعمل وحب الرقي، ويحوله إلى "إنسان" يمارس وظائف عضوية واجتماعية محدودة، فإذا مات كان قليل الذكر أو بالكاد يقولون "رحمه الله"، أما عمر الرجل الحقيقي يمتد لما بعد وفاته، فذكر الناس لك بعد وفاتك عمرٌ آخر، وها هي نماذج الرجال تتوالى بين الفينة والأخرى، وما بين صفات الحلم والشجاعة والكرم تتبادر في أذهاننا أسماء وأشكال تحلّت بتلك الصفات، فلا تكن عاديًا.


على "الرجل" أن يفكّر بشكل دائم عن طرق تحسين الوضع الذي يعيش فيه، ولا اقتصر الجملة السابقة على الوضع المادي، بل ليوسع الدائرة من بيته إلى مجتمعه وأمته، وهذا درس تعلمته من "عباس بن فرناس" .. ذلك الأندلسي صاحب الاختراعات الكثيرة في الفيزياء والكيمياء وغيرها من التخصصات، حتى وإن كانت فكرة الطيران مجنونةً من حيث المبدأ، ولكن لرغبته في تحسين الوضع العلمي خاصةً وسط ذلك المجتمع المشجع للعلم والعلماء، فكان لزامًا على أهل العلم أن يبادروا للتحسين أكثر فأكثر، لقد غلّف "عباس" فكرته بالكثير من الواقعية، ودرس جوانب تطبيقها.. وخرج لنا بنتيجتين مهمتين من محاولته الطيران التي انتقل بها من الاستحالة البعيدة للطيران إلى الامكانية بعد الحاجة للدراسة المستوفية لسبب السقوط، النتيجة الأولى أن الإنسان بإمكانه أن يطير بطريقة ما.. والنتيجة الثانية بأن الإنسان لا يمكنه أن يطير بدون "ذيل".


 قد نجتهد لتحقيق جزءٍ من فكرتنا، ويأتي من خلفنا أُناس يطبقون فكرتنا كما نريد وأفضل، فلا يحزننا ذلك .. فصاحب رؤيا الأذان عندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها أجابه بقوله: " قم ولقنها بلالًا، فإنها أندى منك صوتًا". فلا يعينا عدم الوصول إلى نتيجة، بل يعينا غياب شرف المحاولة، فانفض غبار الكسل عن نفسك، ولا تحزن على ما فات.. إلا لتجتهد فيما هو آت، تلك هي بعض صفات الرجولة.. اذكركم ونفسي أولًا، لعل الله ينفعني بكم .

محمد حسن يوسف