الجمعة، 30 أكتوبر 2015

وقفة..في خلوة

الحمدلله رب الأنام، والصلاة والسلام على مصباح الظلام النبي الهُمام، وعلى الآل والأصحاب ومن سار على نهجهم إلى الجنان خير مقام... اللهم أخرجني من ظلمات الوهم، وأكرمني بنور الفهم، وحسٍّن أخلاقي بالحلم، وزدني من بركات العلم، ويسٍّر لي كل عسير بفضلك.

حينما يخلو الإنسان مع نفسه تنهمل عليه الخواطر والأفكار من كل حدب وصوب.. منها ما يتحول إلى قرارات يرغب الإنسان ان يبقيها في إطار الخلوة حتى تكون سراً من أسراره، وإما أن يختار طريق العلن فيجاهر بأفعاله سواءً الخيرة كانت أم الشريرة.. هل في تلك الخلوة من القرارات ما تتغير به حياتنا بشكل كلي؟! لنراجع تلك الخلوات التي ارتقت بها الأنفس دون غيرها... فلننظر إلى "سعد بن معاذ" رضي الله عنه، لماذا يهتز له عرش الرحمن لوفاته وهو الذي لم يمضِ على إسلامه سوى بضع سنين ؟! ما هو مستوى المعلومات الدينية التي يمتلكها "سعد" في زمانه ولا نمتلكها نحن؟! إنها أفعال الخلوة ... قرارات اتخذها فارتقى بها.

لنحط رحالنا عند رجل آخر قرر في خلوته أن يذكر الله – خاليا – ففاضت عيناه ، خلوة جسدية فليس معه أحد ... وخلوة معنوية فليس في قلبه أحد سوى مولاه، فاستحق بذلك أن يكون من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، صدق ابن عطاء السكندري بقوله: " ما نفع القلب مثل عزلة، يدخل بها ميدان فكرة" . تلك هي الخلوة الناجحة..تدفع صاحبها بالأفكار والخواطر النافعة الناجعة ... فيعلو بها ويسمو بالقرارات الخالدة.

لا تخلو تلك الخلوات من مخاطر..فمن الخلوات اسباب الإنتكاسات، إذا كان صاحبها مطيعاً لخواطر السوء...فتخنقه خنقاً حتى لا يخلو بنفسه الا وقد فكر في معصية الخالق، فإن معصية الله سبحانه يزيد لمعانها وجمالها الدنيوي خاصةً عند الخلوة .. او كما نسميها "الفراغ"، الذي قال عنه الإمام الشافعي رحمه الله واصفاً له بأنه "مفسدة للمرأ أي مفسدة" ... وقال عنه الغزالي في كتابه "جدد حياتك" بقوله: الاستفادة من وقت الفراغ تكون بالقضاء عليه .. لا باستغلاله بعد ان يوجد". في الخلوة يكون الإنسان اضعف ما يكون في مقابلة أفكار السوء، قد يأمر الناس بالمعروف وهو يقوم بالمنكر ( كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وكنت أنهاكم عن المنكر و آتيه)..فيستحق بذلك الخلود مع الأشرار في قعر النار.

مما سبق تبرز لنا أهمية الخلوة..تلك الفترة الزمنية التي يجلس الإنسان فيها مع نفسه، يمايز بين أفكاره، يتخذ قرارته، يشحذ الهمم..ويخرج طاقات نفسه، يقيمها تقييما متجردا دقيقاً، يضع الحدود أمامه ضد الأفكار الهدامة..والسلوكيات المقيتة، لا يستسلم إذا برز منه الضعف..فكلنا يضعف وقت الخلوة ويخطئ...العيب ان نستمر في أخطائنا ونغمس أنفسنا في شرور خلوتنا، ونظهر أمام الخلق بشيء يخدع ضمائرنا..وكأننا أُناس مثاليين، تعلونا الطيبة والسماحة..وفي قلوبنا سواد يبرز في الخلوة، يخطئ الإنسان نتيجة الضعف وليس التناقض..ومعالجة ذلك الضعف تتم في الخلوة، فلنتوقف عند خلواتنا ... ففيها الإرتقاء إلى اعلى الدرجات، وفيها يكمن اصل الإنتكاسات.


محمد حسن يوسف  

شاب.." بدون هوية"

الحمدلله العظيم رب الأرباب.. والصلاة والسلام على عبده المختار الأوّاب، وعلى الآل والأصحاب.. ومن سار على نهجهم ومن للرب أناب، اللهم أخرجني من ظلمات الوهم.. وأكرمني بنور الفهم.. وحسِّن أخلاقي بالحلم.. وزدني من بركات العلم..واغفر لي ولكل عاصٍ بك اعتصم وإليك رجع وتاب.

"شاب بدون هوية" .. عنوان يدمي القلب ويثير الحسرة في النفوس، ربما نحتاج لطرح هذا الموضوع من وجهة نظر شبابية (من الشباب وإليهم) لنشخّص هذا المرض.. نستوعبه ونتلمس آثاره، نضع أمامنا تصوراً لمستقبل طريقنا إذا استمر الجهل فينا.. أُعطيك إياها من الأخير عزيزي القارئ، ماهو مدى اعتزاز شباب اليوم بوطنهم، بدينهم، بهويتهم التي ورثوها على جهالة؟!

 نحن لا نعتز بديننا ليس لأننا لا ننتمي إليه .. بل لأننا لا نعرفه، مجرد خطوط عريضة.. تشريعات بسيطة لا نسعى نحن إلى الإستزادة منها، ننسى بأن تلك التشريعات هي طريقة حياة.. سلوك نعيش به في كل مناحي حياتنا، نأخذ منه ما نريد لنرضي الضمائر.. ونرد منه ما ترفضه نفوسنا، وكأن تلك التشريعات ملابس نشتري منها ما يتوافق مع مقاساتنا وأهوائنا.

إن كان عذر الشباب اليوم بأن تلك التشريعات من الصعب الوصول إليها من قبل الجميع إلا من رحم الله، فما ذنب الثقافة الإسلامية من تلك الجهالة التي نعيشها ؟! ما هو مدى رغبتنا في دراسة التاريخ الإسلامي إلى جانب العلوم التي ندرسها من أجل تعزيز هويتنا؟! اعتقد بأن اجابات تلك الأسئلة بعيدة عن واقعنا حتماً.. كم من شاب إذا سألته عن قدوته أجاب: " قدوتي..اكيد الرسول صلى الله عليه وسلم". اخرج لنا ورقة خالية يا عزيزي واكتب لي ماذا تعرف عن نبيك!!! واخبرني بجهودك في التعرف عليه وعلى شمائله وصفاته !!! ستجدون في إجاباته ما يصدق كلامي، نحن بعيدون عن الواقع، هذا مثال بسيط.

ليس من المعقول أن يكون الناس كلهم "علماء دين" .. ليس هذا ما ادعو إليه، ولكنني اتكلم عن "هوية" ، ما هو دينك؟! وما هو وطنك؟! وما علاقة الإثنين ببعضهما؟! ستجد في الكتب والتاريخ ما يثلج صدرك.. ويملؤه عزاً وفخراً، حتى تستطيع بعدها من تمثيل هويتك أمام الملأ من غير أبناء جلدتك (كونوا دعاة إلى الله وانتم صامتون.. قالوا: كيف؟! قال: " بأخلاقكم") .. بهويتكم تعلِّمون الناس من تكونون، أما إذا خسرنا هويتنا.. فنحن قابلون لاكتساب ثقافات الأمم الأخرى بخيرها وشرها وهذا هو الواقع (حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) .. ووصف "جحر الضب" هنا وصف دقيق لما نعانيه من ضياع الهوية والتقليد للغير لشدة ضيقه ولرداءته.. فالأمر إليك، إليك أن تنطلق في رحاب ثقافتك الواسعة، أو ان تضيق على نفسك فتدخل في "جحر الضب" .


محمد حسن يوسف  

الخميس، 29 أكتوبر 2015

"الهوية" .. كما يجب أن تكون

الحمدلله العظيم المهيمن.. والصلاة والسلام على ذو القلب الرحيم اللّيِّن، وعلى الآل والأصحاب.. ومن سار على نهجهم في طريق الحق البيِّن، اللهم أخرجني من ظلمات الوهم..وأكرمني بنور الفهم..وحسِّن أخلاقي بالحلم..وزدني من بركات العلم..وافتح علي من ابواب فضلك.

في مدخل مهم نحو اكتشاف "الهوية" التي يجب على كل شاب أن يتحلى بها..يجب علينا إعادة ترتيب العقل والفكر، كالذي يرتب الرفوف في منزله..فيحذف ملفاته القديمة التي لا حاجة له فيها، يزيل الغبار المتراكم عبر الزمن..فيضع على تلك الرفوف ملفاتٍ جديدة، بطريقة منظمة تساعده على فهم نفسه من جديد.. فهم سبب وجوده، وإلى أين المصير، وماهي الوسيلة الصحيحة الموصلة إلى الهدف.

عندما نلقي نظرة في الحضارات التي أقامتها البشرية منذ زمن بعيد (فنقبوا في البلاد هل من محيص)...ابتداءً من حضارة ما بين النهرين، إلى قوم عاد (إرم ذات العماد) و قوم ثمود (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا)، انتقالا إلى زمن آخر جاءت فيه حضارة الإغريق والرومان وفارس ومصر حتى العرب في جاهليتهم.. سترى النعرات بالإفتخار والإعتزاز بالنفس، مما مهَّد الطريق لهلاك تلك الأمم كما كان قارون يقول عن ماله (إنما أوتيته على علم).. فكان جزاؤه (فخسفنا به وبداره الأرض)، هذه طريق تلك الحضارات البائدة.. أما العرب بعد الإسلام فقد انصهرت فيهم العديد من الحضارات.. فهذا خباب بن الأرت من بلاد الرافدين، وصهيب الرومي من الحضارة البيزنطية، وسلمان الفارسي، وماريا القبطية المصرية، وبلال من أرض الحبشة... انصهروا تحت القيم والأخلاق وحسن الأعتقاد، فأول ما تضعه في رفوفك عزيزي القارئ هو اعتزازك وافتخارك بأنك "مسلم".

(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون)، كل جهاز يصنعه البشر يضعون داخل غلافه بما يعرف ب "الكتلوج" ليوضح طريقة الإستخدام..فهل تتصور أن الله قد تركك بدون كتاب يبين لك كيفية ممارسة حياتك وتقييدك بتعليمات يجب عليك أن تلتزم بها ؟! أم أنك تريد ممارسة اعتقادك بقلبك وتظن بأن ذلك أمرٌ كافٍ .. إذا كان اعتزازك بأنك "مسلم" فيجب أن تجعل ذلك الإعتزاز كاملا، لا أن تأخذ من الدين ما يناسب مقاسك و يوافق هوى نفسك.. من تلك التعليمات ما يغرز فيك التواضع والإنكسار للخالق، لأنه منها ما لا يظهر لك الحكمة من مشروعيته... فتفعله انكسار منك تجاه الرب الخالق، ذلك ما تقتضيه عبوديتك، وكفى بها اعتزازاً أن تكون عبوديتك وانكسارك لله سبحانه.. بدون أن تتفضَّل على الإله بشيء من عملك من عبادات ومعاملات وأخلاق، لأنه هو الذي وفقك لها أصلا، هذا المبدأ سيغرز في نفسك التواضع مع الغير.. والرحمة وخفض الجناح لإخوانك وشركائك في المجتمع.


ملاحظة جانبية: المتدين يزيد في جهده واندفاعه نحو الدين..فيطلب العلم ويحضر الدروس ويقرأ الكتب المتخصصة، أما الكلام اعلاه فيجب على كل من يرتضي لنفسه الإسلام والاعتزاز به أن يقوم بتلك التعليمات.


مدخل آخر في تشكيل هوية الشاب وهو "الوطن".. فقد سلكنا في مبدأ كلامنا الطريق نحو الحضارات.. وأرضنا "البحرين" ليست بفقيرة في هذا الجانب، فكيف انصهر "البحريني" في تلك الثقافة الإسلامية.. ثقافة التحول والتساوي مع كل الحضارات؟! ستجد ما يسرك حتما... بينما النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه فقال لهم: " سيطلع عليكم من هاهنا خير أهل المشرق، فقام عمر فتوجه نحوهم فلقي ثلاثة عشر راكبا (وفد قبيلة عبدالقيس، من البحرين!!)، فبشرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، فلما رأوه صلى الله عليه وسلم رموا أنفسهم من ركبانهم...وأخذوا يده الشريفة يقبلونها، تأخر عنهم "الأشج" الذي جمع امتعتهم..وغيَّر ثيابه وتزيَّن، وذهب يمشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبّل يده.. فقربه النبي صلى الله عليه وسلم منه وقال له: " إن فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله """ الحلم والأناة """.

هكذا بدأ انصهار حضارة هوية " البحريني" بهوية "المسلم" تحت راية الإعتقاد والعبادات والأخلاق منذ زمن ليس بيسير، فهيا لنتجول في واحة الأخلاق... لننهل منها ما يشكل الواجهة الظاهرة لهويتنا، ليس ذلك فحسب...بل هي سر بقائنا (فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا)، اجعل رفوف هويتك مستعدة لاستقبال "الحياء" .. فهو خلقٌ يجعلك حذراً ويبعدك عن عمل القبائح من الأمور، هو خلقٌ ليس خاصاً بالمرأة فقط.. هو زينة للرجل والمرأة، بل أنه يسقط من عيني الرجل إذ أنه لا يستحي (إن لم تستحَ فاصنع ما شئت)، لنمر على "التواضع" الذي يجعلك تظن بأنك دون ما تصنع.. ليدفعك لبذل المزيد والمزيد من الجهد لتبلغك أهدافك، ولا تتفضَّل على أحد .. و أجمل التواضع هو تواضعك لمولاك، فإن تواضعت له رفعك .. وإن تكبرت فإنه يعلوك جل جلاله، وسيُعلي خلقه عليك وإن ارتفع مقدار جهدك، ضع "الحِلم" من أولوياتك .. فهو سيد الأخلاق، استر على عباد الله وتجاهل زلاتهم .. يستر الله عليك زلاتك وعيوبك، عامل الناس بود واحترام مهما كانت مشاعرك الخاصة تجاههم.

  ازدادت رفوف "الهوية" لمعاناً .. لكن هناك ما ينقصها، اجعل العمل الجاد جزءً لا ينفك عن هويتك الساعية إلى البناء والتطوير والتحسين ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)، اجعل الصبر والمثابرة اموراً من صميم طريقة عملك (العمل والدراسة) ... (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم)، فالأمر تنافسي، ومادام ذلك التنافس لا يتعارض مع ما وضعته على "رفوف" هويتك فامضِ إليه مسرعاً، لكن لا تغرق في التنافس المادي وتنسى مولاك و الواجبات التي أصبحت هويتك تحتم عليك فعلها من بر للوالدين وصلة للرحم والاستزادة قدر الإمكان من الطاعات والاستمرار على ذلك... فقليل دائمٌ خير من كثير منقطع، ولا تنسَ بأن تلك "الهوية" التي على رفوفك هي هوية تنافسية على طرازٍ عالٍ (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) (وإذا سألتم فاسألوه الفردوس الأعلى) .. يتنافس المتنافسون للوصول إلى ربهم ولمرضاته.

# مراجعة : أصبحت رفوف "هويتك" كالتالي : اعتزاز بالإسلام، تقبُّل تعالميه وأحكامه، اتسلح بالأخلاق في تعاملي مع مولاي و خالقي ومع الناس، تتذكر منشأ حضارتك وكيف انصهرت مع حضارة الإسلام.. وعلى ماذا انصهرت، هويتك تدفعنك للعمل لا للكسل.. وحب الإرتفاع لا البقاء في القاع، في "رفوف" هويتك لا مجال هنالك للمتقاعسين، الجُهّال.. كيف أصبح الآن شكل " رفوفك"؟!


محمد حسن يوسف