الجمعة، 3 يونيو 2016

شباب الإسلام.. الاعتقاد والعلم


الحمدلله العليم الحكيم، الستار على عباده الغفور الحليم.. والصلاة والسلام على من وصفه ربه سبحانه:" بالمؤمنين رؤوف رحيم"، وعلى الآل والأصحاب ومن سار على ذلك النهج القويم، اللهم أكرمني بنور الفهم، وأخرجني من ظلمات الوهم، وحسّن أخلاقي بالحلم، وزدني من بركات العلم، وافتح علي أبواب رحمتك.

كثيراً ما تختلط على الشاب في عصرنا الزاوية التي يجب عليه ان ينظر إلى الإسلام منها، فيحتار يمنة ويسرة عله يجد الجواب المبين، ولا جواب.. لأن القضايا أو إن صح التعبير "الإشكالات" التي ترد في عقل الشاب تقع في "زاوية مظلمة"، بمعنى أن المحيط الخارجي للشاب يرفض الدخول أو الخوض في خضم هذه النقاشات الفكرية، أو ربما يُحجِم الشاب عن السؤال بحجة أنه يريد الوصول إلى الحقيقة بنفسه.. بمخزونه المعرفي – البسيط – الذي اكتسبه من هذا الكتاب أو ذاك، من معلومة طائرة ضلت طريقها فوصلت إليه من دون نظر أو تمحيص... فما هو الحل؟!

الخلط في المفاهيم:

استعرضت عدداً من "الشبهات" التي يطرحها الشباب بين الفترة والأخرى حول وسائل التواصل الاجتماعي فوجدت أن سبب الطرح يكمن في عدم الدراية ببعض المفاهيم، فالشاب يعتقد بأنه باعتقاده الدين الصحيح في قلبه أصبح بمقدوره أن يطلع على الكتب، ويستنبط الأحكام بناءً على الشبهات أياً كان مصدرها، ويحدد موقفه دون الرجوع إلى اهل الاختصاص. هنا أوجه كلامي إلى الشاب قائلاً: إن الإسلام الذي تفخر بالانتساب له يتكون من اعتقادات، أخلاق، علوم الشريعة.. وضع مائة خط تحت كلمة "علوم الشريعة"، فهي علم قائمٌ بذاته.. والمقصود هنا بالعلم هي منهجية العلماء الأجلاّء في البحث والتمحيص لإخراج الأحكام، في العقيدة والفقه والحديث وغيرها من العلوم، إرث كبير تركه أولئك العلماء على مدى أربعة عشر قرناً.

 ذلك الإرث جعل علماء اليوم قادرين على إجابة  "تساؤلاتك" و "شبهاتك" (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، فلا تكن كالذي يبحث عن نص في القرآن الكريم أو معلومة من السنة النبوية فيعُضّها لأنها وافقت شبهته (الذين جعلوا القرآن عضين)، فيبقى ما قطعته من الإسلام في فمك.. وتظن بأنه هو كل شيء!! وتظن بأنك باقتحامك لهذا العلم بطريقة "حمقاء" مرضية لغرور النفس قد تصل إلى الحكم الصحيح!! إنه دور الأخلاق هنا.. فالأخلاق تدفعك إلى كسر النفس والتواضع والتوجه إلى أهل العلم لتنهل من خيرهم بدلاً من الاعتداد بالنفس.

ها أنت عزيزي الشاب إذا جهلت في تخصص ما هرعت إلى أهل الاختصاص لتأخذ الإجابة السليمة الوافية.. أما في شأن دينك وهو أمر يخص حياتك وما بعدها، فأنت عاجز لتبحث عن الحقيقة، ذات يوم أخذت صديقاً لي إلى حلقة ندرس فيها شيئاً من الفقه.. وكان هذا الصديق جدلياً بامتياز ولا يحب الاعتراف بخطئه، فلما دخلت علينا مسألة مسح الأذن في الوضوء (وهي مسألة دقيقة جدا تناولناها بكثير من التفصيل)، فتح عينيه مستغرباً وقال بعد الدرس:" شنو ذي، اكتشفت إني ماعرف شيء!!"

نعم.. كل علم إذا كنت تسمع عنه من بعيد قد تتكون لديك صورة ليست بالدقيقة، ولكن إذا نزلت في الميدان لتتعرف على هذا العلم ستجد أن معلوماتك الذاتية بعيدة كل البعد عن الصحة.. بل ستكتشف بأن ذاتك ليست بذلك القدر الذي تستطيع من خلاله اصدار الأحكام والإفتاء للنفس، وكأنك تريد أن تصبح أحكام الإسلام كالقالب الذي يتشكل كما يريده هواك.. فتوظف النصوص القرآنية في غير محلها، فهذه علامة فتنة.. بل إن اكثر الفتن اليوم هذه بدايتها.   

أدعو كل شاب/ة أصحاب شبهات ومسائل ذهنية عالقة إلى التصريح وسؤال "أهل الذكر" وأهل الاختصاص، فأمر دينك ينبغي أن تحرص عليه أكثر من أي أمر آخر.. يمكنك أن تصل إلى الله تعالى اعتقاداً بعدة أمور.. لكن أحكام الله سبحانه التي حولها العلماء إلى علم من أجل ديموميتها والحفاظ عليها من التحريف والخلط والتزييف، عليك أن تبني جسور العلاقات مع اهل العلم (الاختصاص) ، فكلما بحثت بنفسك عن معلومات يزينها لك عقلك ذو المخزون المعرفي (البسيط) فستصل إلى التناقض.. ليس لأن التناقض موجود أصلاً، وإنما لعلمك القاصر وعدم إحاطتك بجميع الأمور... وعدم فهمك، للسير على الخطوات الصحيح أنت بحاجة على حسن الخلق والتواضع.

محمد حسن يوسف