الأحد، 4 نوفمبر 2018

مخاوف من الذات

كنت قد حضرت ورشةً تدريبيةً قدمتها الدكتورة لولوة بودلامة في معهد الإدارة العامة، وقتها قد طلبت مني  الدكتورة (ومن الجميع) الخروج أمام الجميع للتعريف عن نفسي.. وعن معلومةً خاصةٍ بي قد لا يعرفها معظم الناس، فقلت: "أنا خجول!!" فضحكت وقتها الدكتورة ضحكةً استنكارية، أقول في هذا الصدد بأن هناك عالمًا آخر في صدر وعقل كل إنسانٍ بعيدًا عن أعين البشر، فإذا ما ظهر للبشر تميّز في بدايته بالإثارة، وذلك ما يناسب الغريزة البشرية المتمثلة في الفضول ورغبتها في التعرف على المجهول.
ذلك المجهول الذي يحوي عقل الإنسان يتمثل في العديد من الأمور منها القدرات الذهنية، كيفية التخاطب مع الذات، الخواطر التي ترد على قلب الإنسان سواءً كانت ملائكية أو شيطانية، كل ما سبق لا نستطيع أن نتحكم به تحكمًا مباشرًا، ولكنَّ هناك عاملين حاسمين يحللان نظرتك المبدئية تجاه المجهول في داخلك، العامل الأول هو أنك لست وحدك على أية حال.. فالذي يرى أوراق الشجر تتساقط على صخرةٍ صماءَ في ليلة ظلماء قادرٌ على أن يطلع كذلك على مافي قلبك من خواطر، وعلى عقلك من أفكار، وعلى آمالك وآلامك، على ما تقوم به جوارحك.. وعلى ما أيقنت في قلبك بأنه لا خير في القيام بعملٍ محدد فامتنعت عنه، مطّلع على رجائك ودعائك، مطّلع على عجزك في تدبير شؤونك.. فيأتيك المدد من عنده بعد أن أُغلقت أمامك جميع أبواب الخلق، إنه الله الواحد الأحد ( اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك)، اعلمك ما يرضيه فتفعله، وعن ما يغضبه فحرّم عليك فعله، وأعطاك عقًلا متسنيرًا، وأناسًا ينصحكونك ويدلّونك على الطريق.. فاعلم أن عالمك السري الخفي كلما تعلّق بما يرضى الله أفلحت وتقدمت (قد أفلح من زكاها)، وإن كان غير ذلك فلك الهموم والغموم.. حتى ترى المشكلة الصغيرة وكأنها سد كبير لا يمكن تجاوزه (وقد خاب من دسّاها)، فتعامل مع عالمك السري بتمعن وتنقية.
في التعامل مع المجهول أمام الناس هو يقينك التام بما يميزك، فهي نقطة قوتك الأبرز في التعامل مع البشر، لن تظن بأنك أفضل من الآخرين.. ولكنك مختلفٌ ببصمتك وقدراتك، كنت ولا زلت اعتقد بأن التمثيل أمام ستمائة شخص أقل وطأةً وصعوبة من إلقاء كلمة أمام عشرةِ أشخاص، وأنه لا يمكنني القيام بذلك على نحو جيد، ذات يومٍ وفي ورشة عمل أخرى عن الخطابة طلبت منّا الأستاذة "منال المتروك" التحدث عن موضوعٌ حددته بالقرعة، وكان من نصيبي موضوعٌ حسب ما أذكر بعنوان "هل يجب علينا أن ننتظر إلى تاريخ 1 يناير لنغيّر حياتنا؟"، وطُلب مني أن اتكلم بما لا يقل عن دقيقة.. ولا يزيد عن دقيقتين حسب ما أذكر، أيقنت أن في نفسي شيئًا سيجعلني أقوم بما يجب.. وهو أنني أحب الكلام المختصر، ولا أحب أن آتي بشيء مكرر، فوقفت وقلت هذه الكلمات بعد أن استفتحت بالعنوان:" العديد من البشر يربط التغيير بالوقت، فيقول أحدهم لنفسه بأنه سيتغير بعد أن يحُج، أو بعد أن يتزوج .. الخ، ولكن الذي يربط الوقت بالتغيير يقع في ثلاثة محاذير: الأول .. هو أن الإنسان قد يحتاج لتعديل الخصلة السيئة الكثير من الوقت، الثاني .. هو أن الوقت إذا مضى فإنه لا يعود، والثالث.. هو أن الإنسان لا يعلم متى ينتهي وقته، اسألوا البنت إذا نظرت إلى أمها تحت أجهزة الإنعاش ماذا تتمنى؟ اسألوا الكافر عند الحساب ماذا يتمنى؟ أنها أمنيات تتعلق بالوقت.. والرغبة في تغيير الأمور، ابدأوا من الآن. ا .ه". تم ترشيحي من قِبل الحضور كأفضل متحدث.
لا تكن عرضة للمجهول من الخواطر والأفكار لوحدك، هناك العديد بإمكانهم مساعدتك، وأي إنسان على هذه البسيطة يتكبر على طلب المساعدة في أي موضوع؟ لا تحتفظ بالفكرة في رأسك فتكبر ويعظم شأنها حتى تظن بأنها حقيقة، والحقيقة خلاف ذلك، اسأل وناقش وإن اغضبت الآخرين، فذلك أفضل من العيش في الوهم.. أن تكون غبيًا لبعض الوقت خيرٌ من أن تكون مخطئًا أبد الدهر، عالمك الخاص.. بيدك أن تجعله صافيًا نقيًا يترجم سلوكك الزكي، فإن ظننت بأنك وحدك عصفت بك الريح، وصُعب إدراكك، لأن ازالة الأوساخ من الطريق اسهل بكثير من ازالة أوساخ العقل.
 
محمد حسن يوسف