الأحد، 4 نوفمبر 2018

مخاوف من الذات

كنت قد حضرت ورشةً تدريبيةً قدمتها الدكتورة لولوة بودلامة في معهد الإدارة العامة، وقتها قد طلبت مني  الدكتورة (ومن الجميع) الخروج أمام الجميع للتعريف عن نفسي.. وعن معلومةً خاصةٍ بي قد لا يعرفها معظم الناس، فقلت: "أنا خجول!!" فضحكت وقتها الدكتورة ضحكةً استنكارية، أقول في هذا الصدد بأن هناك عالمًا آخر في صدر وعقل كل إنسانٍ بعيدًا عن أعين البشر، فإذا ما ظهر للبشر تميّز في بدايته بالإثارة، وذلك ما يناسب الغريزة البشرية المتمثلة في الفضول ورغبتها في التعرف على المجهول.
ذلك المجهول الذي يحوي عقل الإنسان يتمثل في العديد من الأمور منها القدرات الذهنية، كيفية التخاطب مع الذات، الخواطر التي ترد على قلب الإنسان سواءً كانت ملائكية أو شيطانية، كل ما سبق لا نستطيع أن نتحكم به تحكمًا مباشرًا، ولكنَّ هناك عاملين حاسمين يحللان نظرتك المبدئية تجاه المجهول في داخلك، العامل الأول هو أنك لست وحدك على أية حال.. فالذي يرى أوراق الشجر تتساقط على صخرةٍ صماءَ في ليلة ظلماء قادرٌ على أن يطلع كذلك على مافي قلبك من خواطر، وعلى عقلك من أفكار، وعلى آمالك وآلامك، على ما تقوم به جوارحك.. وعلى ما أيقنت في قلبك بأنه لا خير في القيام بعملٍ محدد فامتنعت عنه، مطّلع على رجائك ودعائك، مطّلع على عجزك في تدبير شؤونك.. فيأتيك المدد من عنده بعد أن أُغلقت أمامك جميع أبواب الخلق، إنه الله الواحد الأحد ( اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك)، اعلمك ما يرضيه فتفعله، وعن ما يغضبه فحرّم عليك فعله، وأعطاك عقًلا متسنيرًا، وأناسًا ينصحكونك ويدلّونك على الطريق.. فاعلم أن عالمك السري الخفي كلما تعلّق بما يرضى الله أفلحت وتقدمت (قد أفلح من زكاها)، وإن كان غير ذلك فلك الهموم والغموم.. حتى ترى المشكلة الصغيرة وكأنها سد كبير لا يمكن تجاوزه (وقد خاب من دسّاها)، فتعامل مع عالمك السري بتمعن وتنقية.
في التعامل مع المجهول أمام الناس هو يقينك التام بما يميزك، فهي نقطة قوتك الأبرز في التعامل مع البشر، لن تظن بأنك أفضل من الآخرين.. ولكنك مختلفٌ ببصمتك وقدراتك، كنت ولا زلت اعتقد بأن التمثيل أمام ستمائة شخص أقل وطأةً وصعوبة من إلقاء كلمة أمام عشرةِ أشخاص، وأنه لا يمكنني القيام بذلك على نحو جيد، ذات يومٍ وفي ورشة عمل أخرى عن الخطابة طلبت منّا الأستاذة "منال المتروك" التحدث عن موضوعٌ حددته بالقرعة، وكان من نصيبي موضوعٌ حسب ما أذكر بعنوان "هل يجب علينا أن ننتظر إلى تاريخ 1 يناير لنغيّر حياتنا؟"، وطُلب مني أن اتكلم بما لا يقل عن دقيقة.. ولا يزيد عن دقيقتين حسب ما أذكر، أيقنت أن في نفسي شيئًا سيجعلني أقوم بما يجب.. وهو أنني أحب الكلام المختصر، ولا أحب أن آتي بشيء مكرر، فوقفت وقلت هذه الكلمات بعد أن استفتحت بالعنوان:" العديد من البشر يربط التغيير بالوقت، فيقول أحدهم لنفسه بأنه سيتغير بعد أن يحُج، أو بعد أن يتزوج .. الخ، ولكن الذي يربط الوقت بالتغيير يقع في ثلاثة محاذير: الأول .. هو أن الإنسان قد يحتاج لتعديل الخصلة السيئة الكثير من الوقت، الثاني .. هو أن الوقت إذا مضى فإنه لا يعود، والثالث.. هو أن الإنسان لا يعلم متى ينتهي وقته، اسألوا البنت إذا نظرت إلى أمها تحت أجهزة الإنعاش ماذا تتمنى؟ اسألوا الكافر عند الحساب ماذا يتمنى؟ أنها أمنيات تتعلق بالوقت.. والرغبة في تغيير الأمور، ابدأوا من الآن. ا .ه". تم ترشيحي من قِبل الحضور كأفضل متحدث.
لا تكن عرضة للمجهول من الخواطر والأفكار لوحدك، هناك العديد بإمكانهم مساعدتك، وأي إنسان على هذه البسيطة يتكبر على طلب المساعدة في أي موضوع؟ لا تحتفظ بالفكرة في رأسك فتكبر ويعظم شأنها حتى تظن بأنها حقيقة، والحقيقة خلاف ذلك، اسأل وناقش وإن اغضبت الآخرين، فذلك أفضل من العيش في الوهم.. أن تكون غبيًا لبعض الوقت خيرٌ من أن تكون مخطئًا أبد الدهر، عالمك الخاص.. بيدك أن تجعله صافيًا نقيًا يترجم سلوكك الزكي، فإن ظننت بأنك وحدك عصفت بك الريح، وصُعب إدراكك، لأن ازالة الأوساخ من الطريق اسهل بكثير من ازالة أوساخ العقل.
 
محمد حسن يوسف

الأحد، 30 سبتمبر 2018

مات همًا

يبذل الإنسان في حياته بشكل عام الجهد الكبير والمضني في سبيل تحقيق أهدافه، سواءً كان ذلك بمفرده أم بمساعدة وتوجيه مِن مَن لهم رأيٌ عليه، فالطفل في صغره عندما ينشأ في حضن والديه على أفكار طيبة تنموية يحرص والداه على توفير البيئة السليمة خارج البيت، فيوجهانه للابتعاد عن رفاق السوء، وتجنب الأماكن المعيبة، فإذا تبلورت رؤيته لذاته وأهدافه سعى بكل إقدامٍ ورغبة في تحقيق ما تصبو إليه نفسه، مقاومًا كل الصراعات الناشئة من ذاته.. فيتعلم ويكتسب ويتثقف ويطّلع... يخالط الناس فيستفيد من هذا وذاك بما يعود عليه بالخير وبما ينصب في تحقيق رؤيته.
إن السعي في تحقيق أهداف الذات، وتحقيق صالح المجتمع بشكل عام عملٌ يأخذ كل وقت الإنسان، والاستقامة على الطريق المرسوم من أصعب المهمات التي سيقوم بها في حياته .. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "شيبتني هود". قالوا: "وما الذي شبيك فيها؟" قال صلى الله عليه وسلم: "فاستقم كما أُمرت" .  بالاستمرار في هذا النهج تسير خلاف ما تمليه عليك  نفسك، خلاف ما تمليه عليك خواطرك وشهواتك، خلاف ما يسير عليه الغالب من الناس الذين تجرفهم أمور الحياة لتصرفهم عن الهدف الحقيقي من وجودهم لعبادة الله وتعمير هذه الأرض.
لا ضير في ذلك، فمن يرغب في النجاح ويسعى له عليه أن يكتسب ما يفيده، وينقي نفسه من العيوب، ويذلل العقبات، ويستشير أهل العلم والدراية، ويقدم ولا يتردد.. لكننا في هذا الزمن قد بُلينا بأناس .. عيونهم مسلطة على غيرهم، وكأن الرأس قد فرغ من هم الذات ليتحول إلى الرقابة على خصوصيات الناس، فاعلم يا من فرغ همك وعقلك الا من مراقبة الناس .. بأنك تقع في محاذير متعددة وجسيمة، وعدم الوعي بها خسرانٌ مبين، وارتكاب هذا الخطأ حمق، وتكراره مرض.
أقسم الله سبحانه بالوقت في كتابه العزيز في عدة مواضع، فهناك الفجر.. والضحى .. والعصر.. والليل، والله جل جلاله لا يُقسم الا بعظيم، فللوقت أهمية كبيرة في حياة كل الإنسان، وما يذهب منه فإنه لا يعود، ولا يدري أحدٌ منا متى يأتي وقته فينتقل من دنيانا إلى حياة البرزخ تحت التراب، إن للوقت ثمن غالٍ يجعلنا نلتفت إلى أنفسنا بدون تضييع له أو تفريط، فإن جهلت ثمن وقتك فاذهب إلى المستشفى.. لترى ذلك الرجل كيف ينظر إلى أمه وهي تحت رحمة الله تعالى.. حياتها مرهونة بأجهزة مركبة، واسأله ماذا يتمنى.. فسيقول: "أتمنى أن يرجع الوقت، فأفعل غير الفعل، وأعبّر لها غير التعبير عن حبي لها. ابحث في كتاب الله تعالى عن حال الكافر يوم القيامة وما يتمنى حدوثه، فمن جملة ما يمتنى ستجده يقول : " ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدق وأكن من الصالحين". تأمل معي كل ذلك واسأل نفسك.. هل لي أن أضيّع الوقت فيما يفعل الآخرون ويُحدِثون؟ أين يجلسون وأين يرتحلون؟ ماذا يقتنون وما يشترون؟ أجزم بكل الحروف العربية أن من يفعل ذلك فهو مفلسٌ في ذاته.. غير مقدرٍ لوقته، واقع في غفلته وسهوه، فمتى يستفيق؟!
في رمي العين على الغير تزكية للنفس، والنظر للذات على أنها كاملة الخالية من أي عيب، فلو تيقن الإنسان وجود العيب في ذاته للهى به عن عيوب الناس، ولو تأمل الساعي إلى أهدافه الدرب الطويل نحو هدفه وما يلزمه من زاد (مهارات، خبرة، تنقية من العيوب الشخصية) لحُجِب عن ناظريه ما يفعله الناس من أمور خاصة سطحية لا تقدم ولا تؤخر، ذلك والله ابتلاء من الله على الكسولين الفاشلين .. ليزدادوا تخلُّفًا عن ركب المتقدمين، وفتنةً للعاملين العابدين ليجزيهم أيهم أحسن عملًا.
لمراقبة الغير شرور عظيمة، فالسطحية في التفكير.. وزرع بذور الحسد بتمني زوال النعمة وقدومها إليك.. والعائد من ذلك كمرض الحقد والكراهية المتأججة خطرة على ذاتك وعلى مجتمعك، قد تحرق النار بحجمها فقط.. ولكن إن تعدت على الغير فإنها تكبر، فاحرص على ما ينفعك، واصرف عن ناظريك ما يفعله الناس من أمورٍ تجعل منك إنسانًا غير حيادي.. غير موضوعي.. سطحي في طرحك.. غير سويِّ في تفكيرك.. يستقبحك الناس وإن جاملوك وإن قاربوك، منبوذًا مبعدًا.. لأن الناس قد جُبلوا على خوفهم وحرصهم على سلامتهم، وبعض الأمراض معديةٌ لا شفاءَ منها، فإن أبيت .. فأسأل السلامة منك مِن نفسك.
محمد حسن يوسف

الأحد، 1 يوليو 2018

انجازات الشباب .. والتسويق للذات


بينما يعمل الكثير من الناس على إظهار رقابهم من أجل اثبات الوجود، والبعض الآخر يرغب في إخفاء نفسه وأعماله.. بين هذا وذاك فوائد ومخاطر، ففي عصر تنوع وسائل الإتصال (الظهور) أصبح على صاحب الأعمال والمبادرات أن يسوّق لنفسه سعيًا لأن يصل بذاته إلى مستوىً من القبول لدى الناس يجعلونه نموذجًا وقدوة، لا أتكلم عن الشركات والمؤسسات التي تروّج لمنتجاتها، فاستخدام وسائل الإتصال الاجتماعي في بدايتها تعطيك المجال لطرح أفكارك، ولكننا في عصر مختلف  يجعل من الأشخاص يسوقون لأنفسهم وكأنهم قدوة صحيحة، وأن الآخرين إذا ما سلكوا طريقهم فإنهم سيصلون إلى نهاية نفق الحياة المظلم، إلى النور الذي يفتقدونه... فما الذي يحدث؟

هناك العديد من الأسباب وراء هذا الأمر، فالشاب منّا وعلى صعيد بداية حصاد الإنجازات البسيطة والخبرات سيُصنف الناس من حوله أصنافًا ثلاث:
الصنف الأول: مجامل نافخ، يقوم بالتهويل والتضخيم وكأن هذا الإنجاز غير مسبوقٍ في هذه الدنيا، بالنسبة لذات الشخص فإن تخطي حدود الراحة والقيام بالجديد واكتساب الخبرة يضيف شعورًا بالسعادة والرضا مع النفس، ولكن مع وجود مجموعة من المادحين فإن الشعور بالعجب بالذات ينمو ويكبر، وأعظم بلاءٍ على الإنسان أن يغتر بعمله، ويفكر في الاستمرار في ذلك العمل من اجل بقاء هذه الفئة المجاملة، وبالتالي ستتبادر في ذهنه عدة أفكارٍ وأسئلةٍ غيرِ صحيحة من حيث المبدأ وهي.. كيف أبدو وأنا اقوم بالإنجاز (بغض النظر عن العمل)؟ أنا إنسان مؤثرٌ.. بدلالة الإنتشار الواسع الذي وصلت إليه، الأرقام تتحدث عن ذلك. ومن هذا القبيل من الأفكار التي تجعل الإنسان يُعجب بنفسه دون بحث عن قياسٍ صحيح للأثر.

الصنف الثاني: ناقد جاحد، ونظرًا لوجود فئة من المجاملين والمطبلين يقوم هذا الناقد بالمهاجمة والانتقاد والتصيّد في بعض الأحيان، يدفعه ذلك السعي في توصيل فكرة ما من الإنتقاد مع  وجود الغيظ الذي يشقق صدره نتيجة رؤية المجاملين وما يفعلونه، فيبتعد عن الموضوعية والتوازن في الطرح وقد نهانا ديننا عن ذلك (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)، فيلجأ إلى لفت النظر بالصراخ والعويل واستخدام ألفاظٍ رنانة، فيقوم الشاب بتجاهل ذلك الصوت، فإن كانت فطرته قد شوهت ببعض السلوكيات المشينة  قد يجيّش المتابعين (المجاملين) ليتصدوا له بكل ما أوتوا من قوة، .. فيبقى هو الحمل الوديع الخالي من العيوب.

الصنف الثالث: بعيدٌ عن هذا وذاك وليس بينهم، لا يريد التأثر بالمجاملين.. فلا يمدح الإنجاز خشية أن يعتبره المجتمع كذلك، ولا يريد أن ينتقد انتقادًا موضوعيًا على الملأ فيصنفه المجاملون في الخانة السلبية فيفضّل الابتعاد ويقول لنفسه: " ما لي ولهذا الأمر ؟!" وحيث أن الإنتقاد الموضوعي صار مُجهدًا في زمننا هذا، حيث أنك إذا أردت ان تنتقد أحدًا بشكل سليم أسرفت في سرد الكلمات كمقدمة لتُثبت حسن نيتك، وأنك لست بالناقد الجارح الذي يصطاد النقطة العتماء في الثوب الأبيض الناصع، مما يعرض نصيحتك للإبتذال.

ومن هنا أقول، بأن الشهرة بين الناس على وسائل التواصل الإجتماعي نعمة.. إذا ما استطاع الشاب أن يحقق أثرًا حقيقيًا لينقل مجتمعه إلى حالة فكرية وسلوكية أفضل، وإذا ما استشعر ذلك الشاب من من متابعينه الصغير والكبير، الشاب والشابة، وذلك يضيف إلى شخصيته شعورًا بالمسؤولية من أجل الرقي بالمجتمع. أما الجانب المظلم من الشهرة فهو العجب والاعتداد بالذات، وعدم الرضا بنقدها والانتقاص منها، والرغبة في تقزيم الآخرين وتحقير آرائهم، فيكون المجامل استدراجًا له، ويكون الناقد الجارح بلاءً عليه.

على الشاب منّا أن يتعود على استماع النقد، بل ويتوجه إليه ويطلبه، لازال يعلق في ذهني عندما أرافق الشيخ أيوب بن عيسى رشدان إلى صلاة الجمعة في درة البحرين، وبعد سماع الخطبة يطلب من مَن كان معه من الشباب أن ينتقد الخطبة ويعطي رأيه فيها، ومن ذلك يتعود الشاب أن يتكلم ويعطي رأيه بموضوعية وطلاقة.. وأنك أيها الشاب إذا ما كبرت فيجب عليك أن لا تنتظر النقد، بل اللازم عليك أن تتوجه إلى النخب وتسمع آراءهم فيما تقدم، فالنخبة العاقلة لن تأتيك مادمت قد أحطت نفسك بالمجاملين.. كما أن للنخب عملٌ آخر يركزون عليه ويريدون انجازه، فإن كنت معرِضًا عنهم فلن يجودوا عليك بنصيحة لم تبدي لها استعدادًا للإصغاء.

 ختامًا، انتقد هذه المقالة إن اردت.. وادعو لي بظهر الغيب فأنا في حاجة لذلك،  فاللهم اجعلنا ممن رفعت قدره، ممن سترت أو نشرت ذكره.

محمد حسن يوسف

الأحد، 22 أبريل 2018

الرجولة.. المصطلح المظلوم


إن الخوض في غمار هذه الحياة وسط الكثير من المعلومات والحوادث والأشخاص ينبغي أن يكون وفق مفاهيم ومبادئ أوضح من الشمس، فمن دون ذلك نجد بأن الشخص يتخبط يمنة ويسرة، فيصبح أعداء الأمس أحباب اليوم، وللغد شأن آخر .. يجامل ويداهن ويتساهل على حساب نفسه ومبادئه، وذلك ما لا ينبغي للإنسان أن يقوم به، ومن هنا يأتي خطابي للشباب الجامح القوي، الذي يعتقد بأن صك "الرجولة" مضمون وفق ما تتطلبه ذكوريته، أقول بأن "مقام" الرجولة يقتضي منك أشياء كثيرة، فإذا سألت نفسك سؤالًا بقولك:" إنني ابحث عن المرأة الحقيقية لأكمل معها حياتي المستقبلية" ..  هنا لابد أن نسألك: هل أنت "رجل" بالقدر الكافي؟


اعلم أول الأمر.. أن الله سبحانه وتعالى إذا فضّل شيئًا على آخر فهو بمقتضى المسؤولية الأكبر، فإذا قال الله تعالى: " الرجال قوامون على النساء" فهو يريد منك فعلًا يتناسب مع هذا التفضيل من الجانب الذي تقتضيه الآية، فلا ترفع أنفك على امرأة، ولا تحتقر مجتمع النساء وان بدت لك أفعال البعض منهم غير ما تحب وتعتاد، فللناس طبعٌ مجمل يصعب تغييره، وتذكر بأن الله سبحانه فضّل النساء على الرجال في موقع آخر حيث قال نبيه صلى الله عليه وسلم بثلاث مرات للتأكيد:" أمك، أمك، امك، ثم أبوك"، فهل تستطيع "كرجل" أن تبلغ ذلك المقام؟ لن تبلغه، لأن الله أعلم بخلقه.. وصنفهم كما شاء سبحانه، ووزع المسؤوليات والقدرات بما في استطاعتهم أن يفعلوه ويقوموا به.


وللخوض في غمار مسؤولية "الرجل"، لتبدأ أولًا بالتخلص من أوقات فراغك التي لا فائدة منها، إن الرجل قوّام على نفسه أولًا قبل أن يقوم على الآخرين، فلتبدأ ذلك بالاستغناء التدريجي عن الأوقات المضيعة، واجعل ساعات فراغك راحة بين جهد وجهد، واستعداداً لجهد آخر، الوقت من اعظم النعم بعد الإسلام.. ففيه تقوم بطاعة ربك، وفي تقوم ببر والديك، وفيه تقوم ببناء نفسك ومخزونك الفكري والعلمي والعملي، فلا ينبغي أن يضيع منك، فسّر السابقون وجود الفراغ بذاته بأنه مشكلة، ووفقًا للفظ الإمام الشافعي في ديوان شعره حيث وصفه بلفظ "المفسدة"، واعلم بأن الوقت لا يساوي الذهب .. بل هو أغلى، فإنه إذا ذهب لا يعود، أرأيت لو أن احد والديك كان بصحة وعافية، ثم انتكس بقدر الله وبات تحت رحمته والأجهزة، كنت ستفتديه بوقتك ليعيش وتبلغه رسالة خاصة من قلبك بأنك تحبه، فأنت "كرجل" لديه كامل الوقت في خدمة أهله وتولّي شؤون نفسه ليخفف الحمل عن من كان عليه الحمل.. لا ليزيده بعد أن خطّت لحيته، واستقوى عوده.


إن كان اتهام الرجل للمرأة بأنها عاطفية في المقام الأول، فإن الله سبحانه قد خلق الخلق مختلفين متكاملين، ليستقيم هذا بذاك، لذلك فينبغي للرجل أن يكون واقعيًا بالدرجة الأكبر، لا يسلم نفسه لغضبه وغروره، يفعل الأمر الصحيح .. لا الذي يريد أن يفعله ليرضي كبريائه، فإن كان الموقف يستدعي الاعتذار فاعتذر، وإن الموقف يستدعي الغضب فلا يجرنك التمادي فيه لأن تقوم بأشياء ستندم عليها لاحقًا، إن التحكم بالسلوك الخارجي للإنسان من اصعب الأمور التي لا يقدر على القيام بها الكثير من الذكور، لذلك يتصف خير الرجال بالحلم والحكمة والرزانة مع الحياء، ويُستبعد من مقام الرجال إلى آخر الصفوف المتهور منهم والغضوب، من الطبيعي أن يكون التحلي بالصفات الحميدة من أصعب الأشياء.. فضلًا عن اصلاح عيوب النفس التي قد تأخذ وقتًا ليس بالقصير، ولكن من الحمق التغافل عن ذلك، فإن العيب إذا غفل صاحبه عنه أوجد عيبًا آخر.. قد يكون اصلاحه اكثر صعوبة وتعقيدًا.


إن ما يخيف البعض من فكرة الاقتران والزواج هو موضوع "المسؤولية"، التي هي من صميم خلق الإنسان، وهذا ما استغربه فعلًا، فخلق الإنسان لم يقترن إلا مع امانةٍ ومسؤوليةٍ كلفه الله عز وجل بها، فإن لم يكن لنا مهمة نؤديها على هذه الأرض فنحن نستحق الاستبدال (وإن تتولّوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)، ثم مالنا نركز على مسؤوليات صغيرة كدفع فواتير الهاتف وخدمة الإنترنت وغيرها من الكماليات.. ونغفل عن أعظم المسؤوليات وهي تعمير هذه الأرض بما يرضي خالقنا؟! إن عدم التحلي بروح تحمل المسؤولية يسلب "الرجل" المبادرة والعمل وحب الرقي، ويحوله إلى "إنسان" يمارس وظائف عضوية واجتماعية محدودة، فإذا مات كان قليل الذكر أو بالكاد يقولون "رحمه الله"، أما عمر الرجل الحقيقي يمتد لما بعد وفاته، فذكر الناس لك بعد وفاتك عمرٌ آخر، وها هي نماذج الرجال تتوالى بين الفينة والأخرى، وما بين صفات الحلم والشجاعة والكرم تتبادر في أذهاننا أسماء وأشكال تحلّت بتلك الصفات، فلا تكن عاديًا.


على "الرجل" أن يفكّر بشكل دائم عن طرق تحسين الوضع الذي يعيش فيه، ولا اقتصر الجملة السابقة على الوضع المادي، بل ليوسع الدائرة من بيته إلى مجتمعه وأمته، وهذا درس تعلمته من "عباس بن فرناس" .. ذلك الأندلسي صاحب الاختراعات الكثيرة في الفيزياء والكيمياء وغيرها من التخصصات، حتى وإن كانت فكرة الطيران مجنونةً من حيث المبدأ، ولكن لرغبته في تحسين الوضع العلمي خاصةً وسط ذلك المجتمع المشجع للعلم والعلماء، فكان لزامًا على أهل العلم أن يبادروا للتحسين أكثر فأكثر، لقد غلّف "عباس" فكرته بالكثير من الواقعية، ودرس جوانب تطبيقها.. وخرج لنا بنتيجتين مهمتين من محاولته الطيران التي انتقل بها من الاستحالة البعيدة للطيران إلى الامكانية بعد الحاجة للدراسة المستوفية لسبب السقوط، النتيجة الأولى أن الإنسان بإمكانه أن يطير بطريقة ما.. والنتيجة الثانية بأن الإنسان لا يمكنه أن يطير بدون "ذيل".


 قد نجتهد لتحقيق جزءٍ من فكرتنا، ويأتي من خلفنا أُناس يطبقون فكرتنا كما نريد وأفضل، فلا يحزننا ذلك .. فصاحب رؤيا الأذان عندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها أجابه بقوله: " قم ولقنها بلالًا، فإنها أندى منك صوتًا". فلا يعينا عدم الوصول إلى نتيجة، بل يعينا غياب شرف المحاولة، فانفض غبار الكسل عن نفسك، ولا تحزن على ما فات.. إلا لتجتهد فيما هو آت، تلك هي بعض صفات الرجولة.. اذكركم ونفسي أولًا، لعل الله ينفعني بكم .

محمد حسن يوسف


الاثنين، 29 يناير 2018

النجاة من طريق التخلف


كنّا في ورشة تدريبية حول أخلاقيات المهنة قبل سنوات، وجرنا الحديث  مع المتحدث إلى مسألة ربط حزام الأمان في السيارة، فرفع أحدهم ييده قائلًا: " لم اربط حزام الأمان قط". فرد عليه المدرب بأسلوب لا أعرف كيف اقيمه.. لكن الغرض من رد المدرب كان زجر هذا الشخص وتوجيهه لربط حزام الأمان بقوله: "إذًا، فأنت متخلف عن الركب الحضاري". فما كان من "بوأحمد" إلا أنه استمر في عدم ربط الحزام.


التخلف (أي البقاء في الخلف) ليس بالأمر الذي يطلبه الإنسان بفطرته، بل العكس تمامًا.. فالإنسان مع مراحل الحياة المختلفة تجده يحاول أن يحسن من طرق عيشه ويترك الأثر، وأن يكتشف هذا الكون  ومن خلقه وإلى أين المصير، وبالنظر إلى حال المجتمعات السالفة والأمم الغابرة نجد بأن قوم عادٍ في الأحقاف تركوا من الأثر ما يصنف بأنه  حضارة عريقة (إرم ذات العماد)، ولكنهم لما أعرضوا عن السبب الحقيقي خلف وجودهم وهو الوصول إلى الخالق وعبادته ورضاه انتهت تلك الحضارة المادية، وتحولت أجسادهم القوية بفعل الريح إلى أعجاز نخلٍ خاوية، وكذلك العرب قديما.. فكم من معلقات شعرية خطتها أيديهم لازالت خالدةً إلى اليوم، مع ازدهار الحركة التجارية بين مكة المكرمة والشام، وفي ظل الإنتعاشات الاقتصادية بوجود  الحرم، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق على ذلك الزمن لفظ "الجاهلية".


التخلف العقائدي:

هاهي قريشٌ قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم تركع وتسجد لأصنام صنعتها، تعتقد بأنها تنفع وتضر من تلقاء نفسها، تذبح "الجزور" على اعتاب "العزّى" طلبًا لرضاها، يصنع أحدهم الصنم من التمر يعبده ويبجله، حتى إذا جاع أكل ربه، يخيّرون أصنامهم في امورهم الحياتية، وكأن الأصنام تنطق أو تعقل.

كأن غشاوةً غطت عقول القوم آنذاك فلا يبصرون ولا يهتدون سبيلًا فرمى بهم ربهم الأعلى إلى ذيل الأمم، وتقدم الأحباش والفرس والروم، وذلك من سنن الله في كونه، فإن لم تؤدي حق الله سبحانه وترجو الوصول إليه  فإن الله سيوكلك إلى نفسك.


فكن لنا ولا تكن علينا .. ولا تكلنا طرفةً إلينا

فما اطلقنا قوة للدفع .. وما استطعنا حيلة للنفع


بعضهم يرفض فكرة الإله الخالق البارئ من الأساس، والبعض الآخر يؤمن به.. فإذا جاءت التشريعات والأوامر الإلهية عكس ما يرغب ويريد نكص على عقبه، واختار من شرع الله ما يلائم رغباته ونزواته، وكأن شرع الله ثوبٌ نفصله على مقاسنا (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ).

تَعْصِي الإِله وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ, هذا محالٌ في القياس بديعُ

لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ, إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ


تلك العلاقة بين الرب والعبد، الرب يأمر فيُطاع.. والعبد ما بيده غير التسليم والإذعان، والتبرير وإعطاء الحكم أسلوب لا يستخدمه المولى في كل موضع ( لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون).. ولكنه تعالى يبرر أحيانًا .. ويضرب لنا المثل المادي لنستوعب ونفهم، وذلك من رحمته بنا سبحانه، ويُعرض أحيانًا فيأمرنا بدون ذكر سبب أو تلميح لحكمة، لأنه هو العظيم القهار الجبار.. فهل كانت علاقتنا مع مولانا علاقة حب لمن أنعم علينا وهدانا سبيل الوصول إليه؟ أم كانت مجرد فعل أشياءٍ تعودنا على فعلها.. أو لجوءٍ في الشدائد ونسيانٍ في الرخاء (فلما نجّاهم إلى البر إذا هم مشركون)؟



التخلف الأخلاقي:

يسير الرجل بابنته إلى صحراء قاحلة، يحفر حفرة فتتوسخ ثيابه من غبار التربة، تأتي البنت المسكينة لتمسح الغبار عن كتف أبيها ولم تعلم أن الحفرة التي أعدها والدها كانت لها، ليتم وأد المسكينة ودفنها خشية العار والشنار، فقط لأنها أنثى.


قويهم يأكل ضعيفهم، أشتاتٌ متناحرون، حروب تندلع ولا تخمد بسبب حصانٍ سبق آخر، خصومات وثارات، تفرق الشمل وضُعفت الكلمة، فساد التخلف الديار، ولم يحسب لهم عند الأعداءالحساب، وكأن التاريخ لا يمل من أن يعيد نفسه. فواقعنا مليء بالتجاوزات الأخلاقية انطلاقًا من البيت والتعامل مع الوالدين والزوجة، صلة الأرحام، المجتمع وما يحتويه من مخالفات كالغيبة والنميمة والفساد والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل، كل ذلك مما يجعل المجتمع طبقاتٍ وفئاتٍ يتربص بعضها ببعض، حتى إذا أشرفت الفتنة كانوا لها وقودًا وشعلة على بعضهم، وإذا قدم عدوهم كانوا كالأرانب في حضرة الأسود.


ذلك كان حال قريشٍ والعرب بكل عام، حتى إذا بشّر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته بقهر الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية سخر المشركون منه عليه الصلاة والسلام، فمن تفرق شتات العرب أصبح شأن الأعاجم والروم عظيمًا في صدورهم، فاستصغروا ذواتهم في جنب عظماء وجبابرة الأرض، فلما اصبحوا بحبل وثيق مع خالقهم... وأسسوا مجتمعهم على الأخلاق بين جميع فئات المجتمع وأطيافه  بزرع الترابط والحب (لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بين قلوبهم) كان سقوط الروم في الشام ومصر، وسقوط المدائن في بلاد فارس بيد المسلمين، فتقدم المسلمون في مجالات الحرب والفلك، الكيمياء والفيزياء، الطب والرياضيات، علم الاجتماع والجغرافيا، وانفتحنا على الحضارات من حولنا واستفدنا من علومهم.


ذلك التقدم الحضاري المزدهر كان مستندًا على عقيدة مرتبطة بالله عز وجل في كل مناحي الحياة وليس في المسجد فقط، فالمسجد مركزٌ نتلقى فيه التعليمات لنطبقها في المجتمع لا لنفتح افواهنا وأعيننا متأثرين.. فإذا خرجنا من المسجد تبخّر ما سمعناه، لو سألت أعرابيًا في نجدٍ قائلًا:" هل تتصور بأن المسلمين سيدخلون القسطنطينية.. معقل الحكم البيزنطي؟ لرمى بعقلك إلى الجنون وأحلام اليقظة، ولكن المسلمين فعلوها ودكّوا حصون قسطنطين بسلطانٍ مسلم لم يتجاوز عمره اثنان وعشرون سنة، مستندًا على بشارات معلميه ومرشديه وملهميه، وبما أنعم الله سبحانه عليه من علوم الحرب والفلك والرياضيات، وبما يمتلكه رحمه الله من حبٍ لله قد ملأ فؤاده، الأحلام كبيرة.. وليس على الله سبحانه شيءٌ ببعيد، ولكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.



محمد  حسن يوسف


الأحد، 14 يناير 2018

الزواج والشاب.. منظومة القيم


الاهتمام بتكوين الأسرة تكوينًا صحيحًا لا ينبغي أن يغيب عن ذهن كل عاقل، فكل أسرةٍ هي نواةٌ لمجتمعٍ زاهر، غير أن اندفاع الشاب للزواج يجب أن يكون مؤطرًا في منظومة من القيم الرفيعة، كثيرًا ما يردد الشاب عند وضعه العراقيل في طريق الزواج بقوله :"انا مو جاهز" ويعني بها الجاهزية المادية، فهل الشاب منّا يتجهز للزواج فكريًا؟!

أروقة المحاكم والنسب التي تخرج منها بحالات طلاق "مفزعة" تثبت غير ذلك، والأسباب المؤدية إلى ذلك الطلاق تصب في خانة عدم التهيئة الصحيحة.. علمًا بأن منظومة القيم لا يتجلى ظهورها وقت الراحة والأنس، بل يتجلي ظهورها وقت القلاقل والمشاكل، نوه بذلك الله عز وجل في سرده لأحكام الطلاق والانفصال في نهاية المطاف عندما قال تعالى:"ولا تنسوا الفضل بينكم". عندما تئن نفسك من الداخل وتحثك على أعمالٍ شيطانية تجد أنك مرتبطٌ بحبل وثيق يجرك ولا يطاوع ما بنفسك من شرورٍ وجهل، لذا وجب ضبط النفس بمنظومة من القيم تجعل من حياتك الزوجية حياةً مباركةً رغيدة.

الخوف من الله تعالى:

من أمِن العقوبة أساء الأدب، وهل تكون بمأمنٍ من الله سبحانه ومن عقوبته؟ إذًا فلا تظلم الطرف الآخر في ميثاقكما فإنه غليظ، ومن ورائه حسابٌ عسير، ولا تلتبس بظلمٍ أو قهر، وتذكر قدرة الله سبحانه عليك، وأنه مطّلع على ما يظهر من فعلك.. وما يخفى في قلبك، ستقف يومًا أمام المولى ليسألك عن صاحبتك، فإن ظلمتها أو قهرتها بدون وجه حق فماذا سيكون جوابك؟ اجعل خوفك من الله رادعًا يعيدك إلى حضن العمل الصحيح ، ولا يسلمك إلى هوى نفسك وتقلبات قلبك.

الحياء:

الحياء إيمان، فهو من الأخلاق الرفيعة التي تمنعك من الوقوع في المعيب من الأمور.. فهل سمعت الناس يقولون لأحدهم:" ماتستحي؟" لأنه قام بخطءٍ علني ظاهر فلم يردعه حياؤه، وهو يختلف بالكلية عن الخجل.. ذلك الشعور باستنقاص الذات وكأنك تظن بأنك أقل من أن تحقق انجازًا معينًا، أو نقصًا لا يمكّنك من القيام بمهمة معينة، لا تفضيل بذلك لجنس على آخر، فلا يكون الحياء جمالًا في المرأة ودون ذلك للرجل، يعجبني الرجل إذ يستحي، صحيحٌ أن حياة الرجل تقتضي في العديد من الأمور الشدة والشجاعة ، وذلك لا يتنافى كونه وقّافًا على حدود المعيب من الأقوال والأفعال.

معرفة الحقوق والواجبات:

يا من عزمت على الارتباط بعقدٍ ما، فهل جلست لتقرأ حقوقك وواجباتك؟ إن لم تكن كذلك فسيُقال عنك بأنك أحمق، وتكون بذلك عرضةً للسرقة والاحتيال، هذا من شأن الدنيا.. وشأن الارتباط بعقد الزواج يدفعك أولاً لتقرأ في فقهيات الزواج، الشروط والأحكام، ما يقتضيه هذا العقد من واجباتٍ تقع على كاهلك، ومن حقوقٍ كفلها لك الشرع، فهل تعتقد بأن حقوقك "الشرعية" هي ما تقوم به والدتك لوالدك بالكليّة أمام عينيك في المنزل؟ لا.. إذًا لماذا يقوم والداك بكل ذلك؟ لأنهما وصلا من التفاهم إلى درجةٍ اصبح احدهما يقوم بخدمات إضافية فوق الحقوق الشرعية تعبيرًا عن المحبة، فيقوم الطرق الآخر برد الجميل بالقيام بالمثل، فترى أنت أيها الإبن ذلك.. فتحدث الفجوة بين الماضي والحاضر.. وذلك من جهلك وضعف بصرك.

الأقفال والمفاتيح:

اعلم أن القلوب لها مفاتيح كما الأقفال، فإن استشعر الطرف الآخر بأنك تملك المفتاح أراح واستراح، والمفاتيح اعني بها بأن تعلم ما يريح الطرف الآخر فتفعله، وتعلم ما يضره فتتجنبه، وتجتهد في سبيل رضاه لتنعم بحياتك، ليس بالإجبار والقهر.. بل بالمحبة والذكاء والفطنة، ومعرفة أنماط الشخصيات المختلفة، والتقلبات "الفسيولوجية" المحتملة والمعروفة، كل ذلك في سبيل خلق حالة من التوافق التام بينك وبين الطرف الآخر.

الحب:

يتشكّل مما سبق من الأمور المذكورة تناسبٌ بين فطرتين وارتياح كبير، شيءٌ ما يُشعرك بالسلام الداخلي الذي لا يستطيع أن يعكّر صفوه ضجيج الخارج، فإن إلى محبوبك في اطمئنان وسلامٍ ينجلي عنك ما كانت الدنيا تضيق عليك به، ينجلي عنك هم عملٍ قد تقوم به في عكس رغبتك، ينجلي عنك هم أُناس تعاشرهم ولست ترغب في تحمّل  ذلك.. في مجتمع لا يخلو من أهل الكذب والنفاق والفتن، تجد نفسك صلبًا جلدًا في وجه ذلك، ولكنك لا تستطيع تحمل مشكلة بسيطة في البيت، لأن ذلك يعكر في الصميم صفو السلام في داخلك، ويدخلك في حالة اللاتوازن فيُربك حياتك.

تذكر حينها المروءة ومحاسن الأخلاق لتقوم بالسلوك الحسن.. وليس السلوك الحسن بالضرورة هو ما تشتهيه نفسك، بل منضبطًا بالمنظومة، بدون اخلال أو تفريط او انجرارٍ إلى هوى النفس.

محمد حسن يوسف