الثلاثاء، 25 يوليو 2017

علم المتكبرين


اصبح الوصول إلى المعرفة من اسهل الأشياء زمننا الحاضر، بل إن التسابق للوصول إل المعلومة صار ضرورةً قصوى وسبباً في سيطرة الدول على بعضها البعض، فكما هو معلومٌ فإن العلم سلاحٌ ذو حدين، فإما أن يكون لك وسيلة لخدمة المجتمع .. وإما أن يكون طوقاً حول رقبتك في يوم الحساب، لذلك فالعبرة هنا هي "فيمَ نفعت بعلمك" وليس "كيف حصلت على هذا العلم".

من هنا وقفت اتأمل حال الشباب الباحث عن الحقيقة باكتساب العلم والمعرفة  (في بعض الأحيان لا تقوم على أساس سليم، وبشكل فرعي مجتزأ عن الأصل) وأقول في نفسي: لماذا تحول ذلك الرجل في قريش من "أبوالحكم" بسبب رجاحة عقله إلى "أبوجهل"؟ فوجدت أن العناد والكِبر والسفاهة قد يقودون صاحب المعلومة إلى غير بر الأمان، هيا بنا إلى سامريّ يوم موسى عليه السلام عندما سُئل عن العجل  ذو الخوار، فقال تعالى على لسانه: "بصُرت بما لم يبصروا به". إنه ذلك الكبر والاعتداد بالنفس الذي يجعل صاحب المعلومة، فبدلاً من أن يكون باحثاً عن الحقيقة متدبراً بعقله تراه  ضالّاً مضلاً، لأنه يظن أنه قد وصل إلى الحقيقة المطلقة.

إن الباحث عن الحقيقة لا ينبغي أن يملأ صدره بالكِبر والاعتداد بالنفس، وكأنه فكّ اسرار الكون كلها بحفنة معلومات بسيطة، بدون سلوك درب التزكية والتنقية من عيوب النفس البشرية، ودون تحصين النفس من الوساوس الشيطانية، والتعلق بالمناهج العلمية الوضعية والابتعاد عن المناهج الربانية.. بطبيعة الحال فإن المناهج التجريبية والتاريخية والوصفية لها دور في الوصول إلى الحقيقة، لكنها ستقف أمام علامة استفهام في نهاية المطاف (والعجز عن درك الإدراك إدراك)، فلا تتسرع في الحكم على وصولك للحقيقة من اكتسابٍ لمعلومات بسيطة.

هنا لحل هذه الإشكالية قد لا يكون كافياً التحلّي بالتواضع لشعورٍ بالجهل، فهذا الشعور وحده لن يفك الشفرات ولن يجيب على علامات الاستفهام التي يضعها الإنسان لنفسه، بل هناك طرق المختصين والعلماء الذين أفنوا حياتهم خلف فك شفرات العلم كلٌ في مجال تخصصه، بشكل أو بآخر فقد فقدت الأمل بظهور أناس موسوعيين علماء في عدة مجالات، ولكنني مؤمنٌ بأن الإنسان يجب عليه أن يتخصص في أمرٍ ما ويبدع فيه، فإذا فعل وكان فذاً في مجاله كان بمقدوره أن يسبح في البحار الأخرى بعد أن يضيق البحر الذي هو فيه، وينطلق بعدها إلى محيط أكبر.

اعلم ذلك.. قد تسعى للمعلومة ولا يسوقها الله لك، وقد يسوقها اختباراً وامتحاناً فينظر كيف تصنع، فلا تتوقف على المعلومة وتتسرع وتبني عليها آرائك، بل تمتع بالتواضع وكسر النفس كي تصل للغاية الحقيقية من اكتسابك لهذا العلم.. ولا تتحول إلى "أبو جهل" ، و "السامري"، و "قارون"، وشبابٌ كُثُرٌ في زمننا ينتفخ سحرهم بأقل علم (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً).



في أمَسّ الحاجة لدعواتكم

محمد حسن يوسف

الاثنين، 24 يوليو 2017

الاحترام زينة العلاقات


سعت المجموعات الإنسانية إلى صفاتٍ حميدةٍ يقوم عليها أساس الترابط والتلاحم بين المجتمع الإنساني، فالإنسان كائنٌ لا يمكنه العيش بمفرده، لذلك شكّل المجموعات لضمان بقاء الجنس البشري، أبرز ما تترابط به المجتمعات هي تلك الهبة الربانية .. الحب والأُلفة ( لو أنفقت مافي الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم)، ولكن .. هل هناك قيم مساعدة للترابط المجتمع؟ هل يتفرد الحب بالأهمية العظمى في ترابط المجتمع .. أم أن هناك معانٍ أخرى تربط الحب بالمجتمع وتقويه؟ أقول نعم، فقد يبدّل الله سبحانه أحوال المحبين فينقلبوا على أعقابهم.. فالأصدقاء بعد لقاءٍ ووصالٍ ينقطعون، والإخوان من أمٍّ وأبٍ يتخاصمون وعن بعضهم يعرضون، والأزواج بعد عشرةٍ يفترقون.. وقد تراهم في الخصومة يفجُرون.

"الاحترام" ظهير الحب، وما إن لازمه في مجتمع ودبّت فيه الخلافات الا تسبب في اجتماع الشمل مرة أخرى، ذلك لما يزرعه الاحترام من مهابة ومراعاة للشخص الآخر، فالله سبحانه كما قال عن المحبة (ولكن الله أّلف بينهم) قال في موضعٍ آخر (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا صواتكم فوق صوت النبي) دلالةً على مراعاة الأشخاص بما يحفظ كرامتهم وحرمتهم وخصوصيتهم، ولا يعني اقتراب الشخص منزلة مني مبرراً يجعلني انتهك تلك الخصوصية أو الحُرمة، وكلما علِم ذلك الشخص أنني توقفت عند حدود حرمته سيزداد نصيبي من قلبه، واذا انتهكت حرمته بقولٍ أو فعلٍ فعلى الاعتذار أن يكون بمستوى الخطأ.. بدون تبرير أو خداع للضمير.

مراعاة الغير في اللفظ  والتعبير لمِن اجمل الصفات، فهذه الأم المسكينة تعطي من وقتها وجهدها في تربية أبنائها.. ولن تشك لحظة بأن أبناءها لا يحبونها، وذلك الأب الذي يضحي بكل وقته وما اوتي من قوة يسخرها لحياة عائلته، لكن "لفظة" في غير محلها قد تجرح، و"أُفٍّ" قد تخرج من فمك في لحظة تذمر وقلة فهم تدل على قلة احترامك لوالديك، وملامح غاضبة، قد يبعدك كل ذلك عن منزلة كنت تصبو إليها اعتماداً على حبك فقط، الاحترام هو ضبط للسلوك (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) رغم ما يحمله قلبك.. ولكن عليك أن تتحكم بخواطر السوء وتنطق بالأحسن مراعاةً للآخرين.

بين الأصدقاء، يظن المرء بأنه سيد زمانه.. يقول ما يشاء متى ما شاء، أقول: هل تضمن أن يسمعوا منك لفظاً أو يروا منك فعلاً لا يحبونه؟ هل تضمن أن لا يتكرر ذلك في ظل غياب الوعي عن ذهنك؟ فاعلم أن طبقةً سوداء تتشكل شيئاً فشيئاً على قلوب من حولك تجاهك وإن كان صديقك، فالصديق يريد أن يقضي وقته في سعادة وراحة.. ولهذا اختارك، أما أنك اخترت أن لا تغير من طبعك وأن تُسمعه ما يكره.. فجهّز نفسك لأنه سيُسمعك ما تكره، فاحذر أن تمُد حبال الوصل تجاه أصدقائك متذيلةً سكاكينَ تجرحهم بها بقلة احترامك ومراعاتك لهم.

محمد حسن يوسف