الأحد، 24 مايو 2015

رتب رمضانك

الحمدلله الكريم الغفور الودود ، والصلاة والسلام على اكرم الخلق من بالخير يعطي ويجود .. اللهم أخرجني من ظلمات الوهم .. وأكرمني بنور الفهم .. وحسن أخلاقي بالحلم .. وأكثر عليٍّ من بركات العلم ، و هوّن علينا حين تضيق اللحود ، واستر علينا حينما إليك نُحشر ونعود .

رمضان على الأبواب .. تترقبه القلوب قبل كل شيء، وتتلهف له قلوب الصالحين الغانمين للخيرات ، المستوعبين لعظيم الجوائز والهبات ، فهل لنا من التحضير له من نصيب ؟! تحضيراً نقوي به قلوبنا .. وتهيئةَ تغنينا عن خداع ضمائرنا .. وتحجب عنا التقصير او الوقوع في الزلل ، وتُذهب عنا الكلل والملل ، الكثير ممن ينتظر هذا الشهر الفضيل بفارغ الصبر .. فيندفع في بدايته في العبادة ، ويقصر كلما اقترب رمضان من نهايته ، إنه أمر يحتاج منا إلى تفسير وتشخيص دقيق .

هناك مصطلح يعرف ب " إدارة الذات " .. وهو يأتي دوره بعد وضوح الهدف والبداية في السعي للوصول إليه ، بمعنى أن الإنسان يعرف ما يملكه من امكانيات و موارد .. ويريد أن يصل إلى هدف ما ، ولكن الاستمرار في السعي إلى هدفه يخونه دائما بسبب خلل في إدارة الذات وتغذيتها بما يلزم .. قد يكون هذا الكلام فلسفيا إلى حد ما ، لكن بالنظر إليه نستطيع تفسير تقصيرنا في فترات الشهر مروراً بنهايته التي تعتبر أعظم الأوقات فيه .. ففيها العشر الأواخر ، التي فيها ليلة القدر ، فكيف لنا أن نصل إلى نهاية الشهر الفضيل بجاهزية ذهنية وإيمانية تجعلنا نستغل أوقاتنا بالشكل المثالي ؟

يقول ابن عطاء الله السكندري : " لما علم الله منك الملل ، لون لك الطاعات ". ففي الشهر الفضيل ينبغي على المسلم المتعقل أن يوزع طاقاته وجهده بين الطاعات ولا يحصر في انواع محدد كصيام وصلاة فقط ، فالصدقة بشتى اصنافها لها شأن ، والذكر مهما تعدد له منزلة قد لا يصلها صاحب العبادات الأخرى سواها ، فتقسيم الوقت بين هذا وذاك مع "إدارة الذات" بشكل لا يجعل الوقت يتفلت منك بدون شعور لهو أمر مهم ، تيقن بأنك في الحساب وحدك..ولا تعلق أعذارك على الآخرين فذلك لن يكون مقبولاً .
قراءة القرآن ، وهذا الجدل الذي يدور في كل شهر .. ما هو الأولى ، القراءة أم التدبر ؟! وهنا أقول : ماذا فهم السلف الصالح عن مدى أهمية القرآن الكريم وقراءته في رمضان .. فنجد بأن الصحابة رضوان الله عليهم يختلفون في اجتهادهم ، فمنهم من يختم القرآن الكريم كل عشر ليالٍ، ومنهم من يختم في خمس..ومنهم من يختم في يوم وليلة..فماذا نفسر هذا الإجتهاد ؟ أني اجده دلالة على ضرورة كثرة القرآن الكريم بجانب التدبر ، لكننا في زمن قلت فيه امكانية التدبر .. نحن بعيدون عن القرآن طوال العام بل نكاد لا نقرؤه الا في رمضان .. تكثر في غرفنا المصاحف ..ويكثر عليها الغبار المتكدس دلالة على هجرانه ، فيأتي أحدهم للعامي البسيط ويطلب منه أن يتدبر بقوله :"اهم شي التدبر،قراية بدون تدبر مامنها فايدة". لهو كلام استنكره ، ومن شأنه أن ينفر العامي البسيط الذي بالكاد قلبه متعلق بالقرآن الكريم ويرغب في كسب حسنات يصل بها إلى الرحمات الإلهية.

إن وضع كلمات ك "ضرورة التدبر" كعامل مهم في العبادة لهو أمر ضروري ، لكن الأمر في رمضان يختلف شيئاً ما ، فكثرة أداء العبادات تصبح ذات أهمية فائقة فيصبح اللاعب على وتر التدبر يعبث بمشاعر العوام من البشر ، اقول بالعامية " على اساس احنا مشلخين التدبر طول السنة !! " . لذا ، فلنشجع بعضنا لأداء الختمات.. واغتنام الخيرات بدلاً من حرمانهم من الوصول إلى نيل الرحمات ، ولا نخدع ضمائرنا بضرورة التركيز على التدبر قبل كل شيء .

" خيركم خيركم لأهله" .. خيار الناس أكثرهم خدمة لأهل بيته ، فلا تلهيك العبادة عنهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لئن أمشي في حاجة أخي خير لي من ان اعتكف شهرا في مسجدي هذا ، ومن مشى مع اخيه المسلم في حاجة حتى يقضيها ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام " . فما بالك اخي المسلم أن يكون من تقضي حوائجهم في رمضان هم أهلك ؟ اعتبرها عبادة ، ولا تنظر إليها من باب لزوم اوامر الأهل التي يجب عليك أن تقضيها .. بل افعلها تعبداً ورغبة في الأجر .

محمد حسن