الأحد، 23 أبريل 2017

"الإيجابية" بين التطبيق الفعلي والثرثرة


ربما قد تطرقت لهذا الموضوع من قبل من خلال هذه المدونة بعنوان "تمللنا من خللك إيجابي":


ولكنني ربما لم اضع معياراً كافياً لاستعمال هذه الكلمة "إيجابي" بين أوساط الشباب، فمازال البعض يُسرف في استخدام الكلمة ويستهلكها في غير موضعها، حتى وصل الأمر إلى حد "الغثيان" لعلمي أن الشخص المستخدم لهذه الكلمة ما هو الا مثرثر كما يظهر لي، او مسوّق لشخصه لا لفكرته.. وهذا النوع الأخير خطر على مستوى تقديم الدورات في مجال تنمية الذات، فدور مقدم الدورات يتعدى مسألة طرح الشرائح على شاشة العرض، هو مقام للتوجيه والإرشاد والإلهام (كاد المعلم أن يكون رسولاً)، ولذلك وجب من وجهة نظري بيان شعرة معاوية الفاصلة بين كلمة "خللك إيجابي" بين التطبيق الفعلي الصحيح وبين الثرثرة التي تستهلك طاقات الشباب وأوقاتهم، وتُسطّح من فكرهم وتلعب بأحلامهم.

الهدف:

ما اصعب الأمر حينما تُدرك أنك تعيش بلا غاية، بلا حلم، بلا قيمة ترتجيها.. وتبقى مقدراتك، أفكارك، وقتك، وكأنك Alice  في بلاد العجائب عندما احتارت بين الطرق فقال لها الأرنب:"إن لم تعلمي أين تريدين الوصول، فاسلكي أي طريق." إن لم يكن لديك هدف فأنت من ضمن الهوامش في المجتمع، وان لم يكن لديك هدف فاعلم ان مقدراتك وطاقاتك ستكون من ضمن اهدافِ أُناسٍ آخرين.

تنوعت الطرق للتحضير لهذا الهدف، ففي بعض الدول يتم تحضير اهداف البشر في سنٍّ صغيرة، وفي دول العالم الثالث يعتقد البعض بأنه فاشل في تحديد الهدف حتى يصل إلى سن الثلاثين، فيتحسر على ذلك الوقت الطويل، أقول بأن الهدف كالثمرة.. في حاجة إلى النضوج (الكافي)، كل ما عليك فعله هو أن تسير وراء حلمك وما تحب.. وأن تزداد معرفةً وتعلّقاً بحلمك، وأن لا تربط حلمك بعمر معين.. فكم من العباقرة اعمارهم صغيرة، وهنا علي أن أعيب مجتمعنا في هذه النقطة، فمن اصحاب الأعمار الصغيرة من أهدافهم متبلورة.. وحدود شخصياتهم مرسومة وواضحة، وعقولهم راجحة وواعية، لكنهم لازالوا صغاراً في رقم العمر.

خلاصة الهدف: كل مجهوداتك وأفكارك، ضعها ضمن اطار الهدف، والا.. سيتناثر جهدك كما يتناثر الدخان، يطير في السماء.. ولا أثر بعد ذلك.

 

الإرادة:

إنه جدال بينك وبين ذاتك، تترجمه أفعالك.. يبدأ ذلك الجدال في داخل نفسك بتلك الأسئلة: هل أنا فعلاً أريد ان اسير في هذا الطريق؟ هل أنا من أردت السير في هذا الطريق.. أم هو المجتمع الذي أملى علي رغباتي وآمالي؟ هل هذا الطريق سيوصلني إلى الغاية الصحيحة والرسالة الربانية بمضمونها "إني جاعلٌ في الأرض خليفة"، أم أن نهاية الطريق راتبٌ مرموق و"برستيج" محدد أرغب ان أُحدد نفسي فيه؟ قد تكون هذه الأسئلة صعبة من حيث الظاهر.. قد تجعلك الاجابات المبدأية على تلك الأسئلة تغلي من داخلك ربما نتيجةً لبعض التحديات المجتمعية، فاعلم ان تحقيق الذات وترك البصمة طريقٌ وعرٌ نحو الوصول إلى القمة، فإذا وصلت إلى القمة ستجد أنك إنسانٌ متفرد مميز.. فالقليل من يصل إليها، أما القاع فهو مزدحم بالمتخبطين، التائهين، الماديين، من يحققون رغبات مجتمعاتهم لا رغبات ذواتهم.. ولا موجه لهم ولا معين.

 

الصبر:

بعد أن تتأكد من ارادتك وتتيقن من طريقك، فاعلم أن الطريق فيه صعودٌ ونزول، فيه جدٌ وقهرٌ وتعب، كل المشاريع الكبير في الحياة تأخذ وقتاً، وكذلك مشروع بناء اهداف الإنسان، الصبر مفتاح المغاليق، ومن يقنعك بأنك ستصل إلى أهدافك بدون تعب أو سهر أو ربما دموع فهو يلعب بك ويتاجر بعقلك، ويستهلك وقتك.. (لا تحسبن المجد تمرٌ انت آكله، لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرَ)، لذلك فجهّز عدتك الذهنية لطريق يلزمك فيه الصبر والتحمل.. إنه طريقك وحلمك، وأول ما يستحقه منك ذلك الطريق أن تصبر وتقاتل من أجله.

 

سؤال أهل العلم والخبرة:

لا تجتهد بدون علم، وألزم نفسك التواضع عند السؤال.. ولا تمل من اكتساب المعرفة، معرفة القواعد العلمية لطريقك أمرٌ مهم، والأهم هو ربط العلم والمعرفة بالله (وما اوتيتم من العلم الا قليلاً)، واعلم أن التقيد بالعلم والمعرفة لن يكون حاجزاً أمام جنون الابداع والإبتكار بل محفّزاً له، واقرأ عن "محمد الفاتح" الذي جعل السفن تجري على اليابسة ليُحاصر القسطنطينية ويفتحها، تأسيسٌ علمي.. ومن بعد ذلك فكرةٌ مجنونةٌ من حيث الظاهر، لكنها قلبت وجه التاريخ.

اقرأ، ولا تتكبر على القراءة.. واختر كتبك بعناية، شبه عقلك بإناء، وكل إناءٍ ينضح بما فيه، فإن وضعت العلم والمعرفة، والتواضع وحسن الخلق، واهتمامك بتغذية عقلك كما تهتم بتغذية بطنك على الأقل، فتكون قد هذبت عقلك.. والحرقة في قلبك على هدفك ستدفعك إلى الابداع والاقدام والجنون بعقلٍ مهذّب.

 

احرص على وجود الأربع لتكون إيجابياً حقيقياً، لا ضحية دورات برّاقة تجعلك تفتح فمك إعجاباً بما تسمع، بدون منهجية حقيقية توصلك إلى طريق الإيجابية بشكل مؤثر.. لا تقبل برحيلك عن عالمك بدون أثر.

 

محمد حسن يوسف