الاثنين، 25 مايو 2020

المبادرة والخطأ

عندما أشاهد مباراةً في لعبة التنس الأرضي ألحظ بأن مهارات الاعبين قد تكون متقاربة إلى حد كبير، الاختلاف يكون في الشخصية الممسكة بالمضرب من جهة.. ونوعية القرارات وتوقيتها من جهة أخرى، هنا تتباين عندي التصنيفات للاعبين، فأعشق لاعبًا معينًا.. ولا أميل إلى آخر، الخوف من المكسب قد يطيح بلاعب من بطولة كبرى بعد أن كان قد قاب قوسين أو ادنى من الفوز.

راجعت قرارتي في الرياضة بشكل عام في الرياضة والفِرق التي أشجعها فوجدتها متلائمة مع بعضها البعض.. فأنا عاشق للأسلوب الهجومي بشكل عام، قد يعجبني ذلك لأنني افتقد الإقدام الهجومي المطلوب كمبادر شبابي.. ولا أرى أنه ينقصني شيء عن الشباب المبادر في الساحة.. غير أني لا أتمنى ما فضّل الله سبحانه به غيري علي.. بل انهض لمساعدته اذا استدعى الأمر، اما مع لعبة التنس، فأنا متابع للسويسري "روجير فيدرر" منذ عام 2005م، في هذه المرحلة أريد أن اغوص إلى منطقة أكثر عمقًا.. من أجل خيرٍ لي ولقارئ هذه السطور، "روجير" لاعب يفضل الأسلوب الهجومي.. يساعده في ذلك قوة ضرباته الأمامية وسرعة حركة قدميه وتمركزه بقرب الخط الخلفي لفرض هذا الأسلوب، عندما يخرج عن التركيز ويغضب فإنه لا يتحرك بشكل جيد ويرتكب العديد من الأخطاء.

الدرس: دائمًا الشخص الذي يقرر المبادرة دائمًا ولا ينتظر هو عرضة لارتكاب الأخطاء، لا سيما في بداية مشواره.. بل قد تكون تلك الأخطاء لا يمكن تصور وقوعها ابتداءً، "روجير" بالرغم من أسلوبه الهجومي إلا أنه كان يخسر بعض المباريات لأنه كان "يخطئ" في كثير من الأحيان، "روجير" في عمر الثامنة والثلاثين إلا أنه لا يغير من طريقته في اللعب، فالهجوم والصعود إلى الشبكة والارسال الجيد، كل تلك الأمور ما زالت على طبيعتها، لقد عوّد نفسه على خلق الحدث والتحكم بوقوعه ولا يمكنه التراجع أو التقاعس عنه، هذا الرتم يخلق منه شخصًا مبادرًا لا ينتظر.. وما أحوجنا لهذا الأمر اليوم (أنا تحديدًا).. نحتاج للتقديم ونفع المجتمع وخلق الفرص.

  عزيزي الشاب .. في أول مراحل مبادرتك لن تصل إلى مرحلة النضج التي مر بها شخص مارس المبادرات الشبابية طويلاً، ما يعيبنا في بداية مشوار حياتنا هو عدم تقبلنا للوقوع في الأخطاء وارادتنا لأن تكون تجاربنا التطوعية متكاملة منذ البداية، كما أن المجتمع لا يساعد (في كثير من الأحيان) الشاب في النهوض بتجربته ويسرع في اطلاق الأحكام، الانفعالات العاطفية والتي تتسبب في خروج "روجير" عن التركيز الذهني المطلوب قلت بشكل كبير، فنجده عندما يفوز بنقاط مهمة وخيالية بأنه لا يتفاعل ولا يعبر بأي شعور، لقد تعلّم "روجير" من حصيلة الخبرة المكتسبة بان الخروج عن التركيز قد يقلب الأمور رأسًا على عقب، عليك أن تمسك بالحاضر وتنطلق إلى القادم بسرعة، لأن القادم هو الأهم.. احتفل بإنجازاتك الصغيرة كما ينبغي (وليس كما تشاء)، واحرص على أن ترى الهدف "جيدًا" ولا تصرف ذهنك عنه، قد يرى البعض بأن كثرة النصائح في موضوع "الهدف" ومدى وضوحه وأهمية ذلك عبثًا لكثرة تكرار ذلك، ولكن الواقع يقول بأن الإنسان قد ينسى ويحيد عن السكة المخطط لها لأنه لا يركز على هدف محدد، بل إن البعض قد لا يستطيع صياغة هدفه بوضوح.

يقول "روجير" : "بعد هذا العمر الطويل انا مضطر لتغيير بعض الأمور لأستمر" فأصبح ينوع بذكاء ضرباته من حيث القوة.. فنجده يدافع أحيانًا بضربات منخفضة لا تعطي المهاجمين الوتيرة اللازمة، ولا يعني ذلك بأنه غير من أسلوبه الهجومي الذي تكوّن عليه.. ولكنه شعر بضرورة ذلك مما أعطاه روحًا جديدة للعب، وكذلك انت عزيزي الشاب،  جميلٌ أن ترى شابًّا متنوع المهارات والهوايات.. متنوع المعارف والخبرات، فالتنقل بين الهوايات يعطيك دافعًا للمضي قدمًا نحو هدفك، ويساعدك لتفريغ الشحنات السلبية في ذهنك، ومصدرًا والهامًا للتجارب القادمة .. والأهم أن تتشارك بتجاربك العملية والمعرفية مع مجتمعك، فالنبات يصنع غذاء بالتعرض لأشعة الشمس.. وليس بالحبس في الظلام، كذلك الأفكار.. لا تنضج وهي بداخل رؤوس أصحابها، فشاركنا وعلّمنا وألهمنا بتجاربك، لتكون سراجًا لغيرك.

محمد حسن يوسف