الأحد، 1 يوليو 2018

انجازات الشباب .. والتسويق للذات


بينما يعمل الكثير من الناس على إظهار رقابهم من أجل اثبات الوجود، والبعض الآخر يرغب في إخفاء نفسه وأعماله.. بين هذا وذاك فوائد ومخاطر، ففي عصر تنوع وسائل الإتصال (الظهور) أصبح على صاحب الأعمال والمبادرات أن يسوّق لنفسه سعيًا لأن يصل بذاته إلى مستوىً من القبول لدى الناس يجعلونه نموذجًا وقدوة، لا أتكلم عن الشركات والمؤسسات التي تروّج لمنتجاتها، فاستخدام وسائل الإتصال الاجتماعي في بدايتها تعطيك المجال لطرح أفكارك، ولكننا في عصر مختلف  يجعل من الأشخاص يسوقون لأنفسهم وكأنهم قدوة صحيحة، وأن الآخرين إذا ما سلكوا طريقهم فإنهم سيصلون إلى نهاية نفق الحياة المظلم، إلى النور الذي يفتقدونه... فما الذي يحدث؟

هناك العديد من الأسباب وراء هذا الأمر، فالشاب منّا وعلى صعيد بداية حصاد الإنجازات البسيطة والخبرات سيُصنف الناس من حوله أصنافًا ثلاث:
الصنف الأول: مجامل نافخ، يقوم بالتهويل والتضخيم وكأن هذا الإنجاز غير مسبوقٍ في هذه الدنيا، بالنسبة لذات الشخص فإن تخطي حدود الراحة والقيام بالجديد واكتساب الخبرة يضيف شعورًا بالسعادة والرضا مع النفس، ولكن مع وجود مجموعة من المادحين فإن الشعور بالعجب بالذات ينمو ويكبر، وأعظم بلاءٍ على الإنسان أن يغتر بعمله، ويفكر في الاستمرار في ذلك العمل من اجل بقاء هذه الفئة المجاملة، وبالتالي ستتبادر في ذهنه عدة أفكارٍ وأسئلةٍ غيرِ صحيحة من حيث المبدأ وهي.. كيف أبدو وأنا اقوم بالإنجاز (بغض النظر عن العمل)؟ أنا إنسان مؤثرٌ.. بدلالة الإنتشار الواسع الذي وصلت إليه، الأرقام تتحدث عن ذلك. ومن هذا القبيل من الأفكار التي تجعل الإنسان يُعجب بنفسه دون بحث عن قياسٍ صحيح للأثر.

الصنف الثاني: ناقد جاحد، ونظرًا لوجود فئة من المجاملين والمطبلين يقوم هذا الناقد بالمهاجمة والانتقاد والتصيّد في بعض الأحيان، يدفعه ذلك السعي في توصيل فكرة ما من الإنتقاد مع  وجود الغيظ الذي يشقق صدره نتيجة رؤية المجاملين وما يفعلونه، فيبتعد عن الموضوعية والتوازن في الطرح وقد نهانا ديننا عن ذلك (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)، فيلجأ إلى لفت النظر بالصراخ والعويل واستخدام ألفاظٍ رنانة، فيقوم الشاب بتجاهل ذلك الصوت، فإن كانت فطرته قد شوهت ببعض السلوكيات المشينة  قد يجيّش المتابعين (المجاملين) ليتصدوا له بكل ما أوتوا من قوة، .. فيبقى هو الحمل الوديع الخالي من العيوب.

الصنف الثالث: بعيدٌ عن هذا وذاك وليس بينهم، لا يريد التأثر بالمجاملين.. فلا يمدح الإنجاز خشية أن يعتبره المجتمع كذلك، ولا يريد أن ينتقد انتقادًا موضوعيًا على الملأ فيصنفه المجاملون في الخانة السلبية فيفضّل الابتعاد ويقول لنفسه: " ما لي ولهذا الأمر ؟!" وحيث أن الإنتقاد الموضوعي صار مُجهدًا في زمننا هذا، حيث أنك إذا أردت ان تنتقد أحدًا بشكل سليم أسرفت في سرد الكلمات كمقدمة لتُثبت حسن نيتك، وأنك لست بالناقد الجارح الذي يصطاد النقطة العتماء في الثوب الأبيض الناصع، مما يعرض نصيحتك للإبتذال.

ومن هنا أقول، بأن الشهرة بين الناس على وسائل التواصل الإجتماعي نعمة.. إذا ما استطاع الشاب أن يحقق أثرًا حقيقيًا لينقل مجتمعه إلى حالة فكرية وسلوكية أفضل، وإذا ما استشعر ذلك الشاب من من متابعينه الصغير والكبير، الشاب والشابة، وذلك يضيف إلى شخصيته شعورًا بالمسؤولية من أجل الرقي بالمجتمع. أما الجانب المظلم من الشهرة فهو العجب والاعتداد بالذات، وعدم الرضا بنقدها والانتقاص منها، والرغبة في تقزيم الآخرين وتحقير آرائهم، فيكون المجامل استدراجًا له، ويكون الناقد الجارح بلاءً عليه.

على الشاب منّا أن يتعود على استماع النقد، بل ويتوجه إليه ويطلبه، لازال يعلق في ذهني عندما أرافق الشيخ أيوب بن عيسى رشدان إلى صلاة الجمعة في درة البحرين، وبعد سماع الخطبة يطلب من مَن كان معه من الشباب أن ينتقد الخطبة ويعطي رأيه فيها، ومن ذلك يتعود الشاب أن يتكلم ويعطي رأيه بموضوعية وطلاقة.. وأنك أيها الشاب إذا ما كبرت فيجب عليك أن لا تنتظر النقد، بل اللازم عليك أن تتوجه إلى النخب وتسمع آراءهم فيما تقدم، فالنخبة العاقلة لن تأتيك مادمت قد أحطت نفسك بالمجاملين.. كما أن للنخب عملٌ آخر يركزون عليه ويريدون انجازه، فإن كنت معرِضًا عنهم فلن يجودوا عليك بنصيحة لم تبدي لها استعدادًا للإصغاء.

 ختامًا، انتقد هذه المقالة إن اردت.. وادعو لي بظهر الغيب فأنا في حاجة لذلك،  فاللهم اجعلنا ممن رفعت قدره، ممن سترت أو نشرت ذكره.

محمد حسن يوسف