الأحد، 30 سبتمبر 2018

مات همًا

يبذل الإنسان في حياته بشكل عام الجهد الكبير والمضني في سبيل تحقيق أهدافه، سواءً كان ذلك بمفرده أم بمساعدة وتوجيه مِن مَن لهم رأيٌ عليه، فالطفل في صغره عندما ينشأ في حضن والديه على أفكار طيبة تنموية يحرص والداه على توفير البيئة السليمة خارج البيت، فيوجهانه للابتعاد عن رفاق السوء، وتجنب الأماكن المعيبة، فإذا تبلورت رؤيته لذاته وأهدافه سعى بكل إقدامٍ ورغبة في تحقيق ما تصبو إليه نفسه، مقاومًا كل الصراعات الناشئة من ذاته.. فيتعلم ويكتسب ويتثقف ويطّلع... يخالط الناس فيستفيد من هذا وذاك بما يعود عليه بالخير وبما ينصب في تحقيق رؤيته.
إن السعي في تحقيق أهداف الذات، وتحقيق صالح المجتمع بشكل عام عملٌ يأخذ كل وقت الإنسان، والاستقامة على الطريق المرسوم من أصعب المهمات التي سيقوم بها في حياته .. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "شيبتني هود". قالوا: "وما الذي شبيك فيها؟" قال صلى الله عليه وسلم: "فاستقم كما أُمرت" .  بالاستمرار في هذا النهج تسير خلاف ما تمليه عليك  نفسك، خلاف ما تمليه عليك خواطرك وشهواتك، خلاف ما يسير عليه الغالب من الناس الذين تجرفهم أمور الحياة لتصرفهم عن الهدف الحقيقي من وجودهم لعبادة الله وتعمير هذه الأرض.
لا ضير في ذلك، فمن يرغب في النجاح ويسعى له عليه أن يكتسب ما يفيده، وينقي نفسه من العيوب، ويذلل العقبات، ويستشير أهل العلم والدراية، ويقدم ولا يتردد.. لكننا في هذا الزمن قد بُلينا بأناس .. عيونهم مسلطة على غيرهم، وكأن الرأس قد فرغ من هم الذات ليتحول إلى الرقابة على خصوصيات الناس، فاعلم يا من فرغ همك وعقلك الا من مراقبة الناس .. بأنك تقع في محاذير متعددة وجسيمة، وعدم الوعي بها خسرانٌ مبين، وارتكاب هذا الخطأ حمق، وتكراره مرض.
أقسم الله سبحانه بالوقت في كتابه العزيز في عدة مواضع، فهناك الفجر.. والضحى .. والعصر.. والليل، والله جل جلاله لا يُقسم الا بعظيم، فللوقت أهمية كبيرة في حياة كل الإنسان، وما يذهب منه فإنه لا يعود، ولا يدري أحدٌ منا متى يأتي وقته فينتقل من دنيانا إلى حياة البرزخ تحت التراب، إن للوقت ثمن غالٍ يجعلنا نلتفت إلى أنفسنا بدون تضييع له أو تفريط، فإن جهلت ثمن وقتك فاذهب إلى المستشفى.. لترى ذلك الرجل كيف ينظر إلى أمه وهي تحت رحمة الله تعالى.. حياتها مرهونة بأجهزة مركبة، واسأله ماذا يتمنى.. فسيقول: "أتمنى أن يرجع الوقت، فأفعل غير الفعل، وأعبّر لها غير التعبير عن حبي لها. ابحث في كتاب الله تعالى عن حال الكافر يوم القيامة وما يتمنى حدوثه، فمن جملة ما يمتنى ستجده يقول : " ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدق وأكن من الصالحين". تأمل معي كل ذلك واسأل نفسك.. هل لي أن أضيّع الوقت فيما يفعل الآخرون ويُحدِثون؟ أين يجلسون وأين يرتحلون؟ ماذا يقتنون وما يشترون؟ أجزم بكل الحروف العربية أن من يفعل ذلك فهو مفلسٌ في ذاته.. غير مقدرٍ لوقته، واقع في غفلته وسهوه، فمتى يستفيق؟!
في رمي العين على الغير تزكية للنفس، والنظر للذات على أنها كاملة الخالية من أي عيب، فلو تيقن الإنسان وجود العيب في ذاته للهى به عن عيوب الناس، ولو تأمل الساعي إلى أهدافه الدرب الطويل نحو هدفه وما يلزمه من زاد (مهارات، خبرة، تنقية من العيوب الشخصية) لحُجِب عن ناظريه ما يفعله الناس من أمور خاصة سطحية لا تقدم ولا تؤخر، ذلك والله ابتلاء من الله على الكسولين الفاشلين .. ليزدادوا تخلُّفًا عن ركب المتقدمين، وفتنةً للعاملين العابدين ليجزيهم أيهم أحسن عملًا.
لمراقبة الغير شرور عظيمة، فالسطحية في التفكير.. وزرع بذور الحسد بتمني زوال النعمة وقدومها إليك.. والعائد من ذلك كمرض الحقد والكراهية المتأججة خطرة على ذاتك وعلى مجتمعك، قد تحرق النار بحجمها فقط.. ولكن إن تعدت على الغير فإنها تكبر، فاحرص على ما ينفعك، واصرف عن ناظريك ما يفعله الناس من أمورٍ تجعل منك إنسانًا غير حيادي.. غير موضوعي.. سطحي في طرحك.. غير سويِّ في تفكيرك.. يستقبحك الناس وإن جاملوك وإن قاربوك، منبوذًا مبعدًا.. لأن الناس قد جُبلوا على خوفهم وحرصهم على سلامتهم، وبعض الأمراض معديةٌ لا شفاءَ منها، فإن أبيت .. فأسأل السلامة منك مِن نفسك.
محمد حسن يوسف