الجمعة، 20 ديسمبر 2019

الحياة والضغط النفسي


في خضم ما نمر به في فترة الامتحانات في كل المستويات الدراسية، نجد بأن " الضغط النفسي "  هو أكثر ما يُعبر عنه من قِبل أولياء الأمور والطلبة، لقد أصبح ذلك الوحش – الضغط – عدوًا صعبَ المراس، يتخطّف الأفكار والإحساس، فوجب على العاقل تحييده .. تمزيقه وتفكيكه، ولكن العديد من الأسئلة تطفو على سطح العقل .. طالبةً إجابةً ناشدةً الحل،  فتعالوا معي نفكر بصوتٍ مرتفعٍ ونسأل: " هل الضغط جزءٌ متأصلٍ في حياة الإنسان؟ هل التعرض للضغوط النفسية (مع عدم البحث عنها) يُعتبر ظاهرة صحية؟

الضغط:

لكل إنسان قيمه الخاصة، مبادئ ومرتكزات لا تتزحزح ولا تتبدل.. وسنة ربنا جل في علاه ساريةٌ إلى يوم القيامة.. تلك السنة التي عبّر عنها بقوله سبحانه: " أحسِب الناس أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون؟!"، القيم والمبادئ التي تتشدق بها أيها الإنسان وتعتبرها حدودك المصونة .. لابد أنك ستٌؤتى وستُمتحن من خلالها.. إنها حالة النزاع بين الخواطر السيئة (التي لا مفر من التعرض لها) وبين قيمك، تلك الحالة المسماة "بالضغط" تعرض لها خير البشر صلى الله عليه وسلم، عاش اليتم صغيرًا.. والرسالة ومسؤولياتها وما يترتب عليها.. فموت العم والزوجة الحنونة .. التعرض للسحر والطعن في عرضه الشريف، يقول عن نفسه صلى الله عليه وسلم: "شيّبتني هود". فمن أنت عزيزي لكي تلقي المسؤولية على غيرك ولا تريد أن تتعرض لهذا الضغط؟!

"الضغط" صاحبك كلما ارتفعت إلى الغيوم .. ذلك حال من أراد النجوم، استحضر هنا قول مدرب منتخب البحرين لكرة القدم "هيليو سوزا" في المؤتمر الصحفي عندما سألوه: "ما هو مقدار الضغط على لاعبيكم، خاصة وأنك لم تحرزوا البطولة من قبل؟ فرد عليهم: "نحن هنا من أجل هذا، هذا هو الضغط الذي نريده، أن تقارع الكبار لتكون منهم". هنا أتذكر نوعًا آخر من الضغط على الإنسان.. لاعب تنس المضرب الذي يكون قد قارب القوسين أو ادنى من حسم المباراة، ولم يبق له سوى شوط ذي اربع نقاط .. إذ بيده ترتعش، والكرات تطير خارج الملعب، والأخطاء تتوالى والنتيجة تنقلب.. فلا يقال عنه بأنه أخفق كلاعب، بل يُقال عنه بأنه "جبان" القلب، ألست هنا من أجل هذا؟ ألست تعي بأن الاختبارات قد حان موعدها وقد اقترب وقت حصادك؟ ذلك – فعلًا – الضغط الذي تريده، الضغط الذي يدفع إلى الإنتاج وإلى التفكير بإيجابية عملية فعالية .. ليست إيجابية قائمة على الوهم والتمني والتغني، بل الإيجابية التي تدفعني لتشخيص الضغط.. نحن نحب الشعور بالضغط وكأنه يستهوينا، ولكننا لا نأخذ خطواتٍ عمليةٍ استراتيجية لتجاوزه لأننا نريد أن نتخلص منه وإن لم نكن منتصرين عليه، تأتي اللحظات لتظهر فيها قدرتك ورابطة جأشك .. فتؤثر الاستسلام بحجة الضغط!! اعلم أن الضغط لا يواجه بالعاطفة المترددة .. بل بالمواجهة الشجاعة، والتشخيص الدقيق البعيد عن العاطفة، والخطة المحكمة التي سيجعلنا العمل بها خارج نطاق المألوف، فقط لنعرف أن حدودنا التي رسمناها لشخصيتنا فوق ما كنّا نتصور.

النفس:

مصطلحٌ صعبٌ جدًا، أعرف بأنني لن أصل إلى ماهيتها .. ولكنّي اراها وعاءً، اضع فيه خواطر الشيطان وخواطر الملاك، فأكون بين هذا وذاك، من الخاطرة تأتي الفكرة.. فإما أن ألقيها بعيدًا عن وعائي، وإما أنني استسلم لضعفي، يقول سبحانه : "ونفسٍ وما سواها فألهمها فجورها وتقواها". وقال جل جلاله: " يا أيتها النفس المطمئنة". وأخبرنا ربنا عن نماذج طاوعت أفكارها الشيطانية فاستلتها كالسيوف من وعاء النفس .. يقول ربنا متحدثًا عن قابيل: " فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقلته". وعن السامري قوله تعالى بعد أن نصب العجل لبني إسرائيل: "وكذلك سولت لي نفسي". وقال جل جلاله في موضعٍ آخر: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى".

كل ذلك يرشدنا إلى أن الإنسان مهما كان ضعيفًا وسيستمر بضعفه.. قادرٌ على التحكم بأفكاره الشيطانية وعدم الاستسلام لها، قادرٌ على تزكيتها (تنقيتها) من عيوبها بشكل متجرد، إن نهاية الطريق ستكون التصرف بما يليق بالإنسان أن يفعله سواءً كان طالبًا أم موظفًا، وليس الانصياع وراء مشاعر الغضب والضغط السلبية.. فانتصر وارتق بنفسك، ولا تجعل للسلبية مسلكًا نحوك، ابحث عن الحل.. ولا تتعمق في المشكلة، ابحث عن المخرج لا من أين دخلت، واطلب المساعدة.. فسنة الله في كونه أن يتكامل الناس في صفاتهم وتفكيرهم ليظل احتياجهم لبعضهم.
محمد حسن يوسف

الخميس، 17 أكتوبر 2019

يوميات مدرس خصوصي



السلام عليكم، أدري إني مدرس لغة عربية.. بس هالمقال باكتبه باللغة العامية محاولةً مني بتوصيل الرسالة بأبسط لغة ممكنة.. أول شي حاب اشكر تطبيق Telp  والمشرفة عليه صاحبة المشروع الاستاذة "امينة بوجيري" لأنهم عطوني هالفرصة ووثقوا فيني مع إني اصلًا ما ازاول التدريس كمهنة ووظيفة، بل رغبة مني في مساعدة من يحتاج المساعدة .. اندش في الموضوع.

ما يعرفون عربي:
كنت ادرس مادة الترجمة في الجامعة الأهلية من الانجليزية إلى العربية، وكنّا كطلبة نقره اخبار الصحف الدولية وانترجمها.. دكتور المادة قال لي حقيقة صريحة جدًا: "احنا مو مشكلتنا أن الطالب ما يعرف انجلينزي.. مشكلتنا ان الطالب ما يعرف عربي". معناته ان الطالب عارف معناة الي قاعد يترجمه، بس ما يعرف ينسق جملته.. اصلًا ما يعرف الفرق بين الفاعل والمفعول به والمضاف إليه. هذي الشي الي الدكتور يبي يوصله لي، ومع ظهور فكرة الموقع Telp  صارت عندي رغبة في إني اساعد الطلبة خاصةً الصغار منهم، بالنسبة عن نفسي (مو من باب مدح الذات) انا مشرف على انشطة طلابية من سنة ألفين وواحد، واعرف اتعامل مع مختلف الاعمار .. ودخولي مدينة الشباب واشرافي على فئات عمرية أكبر خلاني اعرف طرق التفكير، واعدل من اسلوبي في التدريس بما يتناسب مع الشخص الي مجابلني.

عمر بوجيري:
أول طالب درسته اسمه "عمر بوجيري"، الصبي ذكي ويروح مدارس تحفيظ القرآن، مشكلته وايد يستخدم اللغة الانجلينزية، اهي مو مشكلة عمر بس.. مشكلة وايد طلبة صغار ما يعرفون يعبرون عن الي في داخلهم الا باستخدام لغة ثانية، عمر يحب يلعب كرة حاله حال الي في عمره، اضطريت اسوي الحصة ثلاث مرات في حوش بيتهم.. ونلعب كرة، وكل مرة اشوت عليه اطلب منه شي مثل : "قول لي جملة اسمية" .. ويقول، عقب يرجع علي الكرة واقول له "الحين اتقول لي جملة فعلية".. بهالطريقة شوي شوي بتصير عنده حصيلة من الكلمات الي يقدر يتكلم بها، ويقدر يكتب تعبير بعد .. كبداية كان الموضوع وايد فيه تحديات، وحسيت ان الطالب بهالطريقة يحتاج وقت اطول اقضيه معاه، اكتسبت من عمر شي وايد مهم، اني لازم اثق في نفسي لأن قادر على تحسين مستوى اي طالب يصير جدامي إذا عرفت طريقة تفكيره، ومعرفة طريقة تفكير الناس كنت اتوصل لها بطريقتين:1- اسئلة مالها دخل في الموضوع، 2- والمراقبة مع الوصف وتذكر ردات الفعل.
ملاحظة : اعزائي طلاب "بليف"، كنت اتلذذ وانا اراقبكم من بعيد



سيف :
ما يتكلم عربي الا في ما ندر، عايلته عربية (قح) .. على حد كلام ابوه: "وايد مدرسين قالوا ما نقدر انسوي شي". رديت عليه:" في أمل.. عطني فرصة". ما كنت ادري شباسوي بالضبط، اهم شي إني ما اخاف من الفشل.. وابذل كل شي اقدر اسويه علشان اساعد الصبي، حسيت إن الأم اتراقبني وانا اشرح.. والصبي كان يطالع امه وينتبه لها اكثر منّي ، رحت قلت حق الأم : "لازم تختفون، مابي يجوف احد منكم، حتى الخدامة اذا بتييب شي تكرموني فيه اتييب ماي بس". لأن اعرف اذا الخدامة يابت شي ثاني فالياهل (كوفي او بستوق) بيتشتت تفكيره.. إذا تبون الصج أنا ابي امه وابوه يختفون علشان آخذ راحتي .. باقول لكم شيء عن الياهال وهالشي انا بعد اقوله حق اولياء الامور في اول حصة.. الياهل اول حصة يكون مؤدب ويحاول يكتشفني، فإذا فهمني وتوقع انا شنو باسوي يبتدي يتشيطن ويمتحن صبري، فلازم ادخل على مرحلة "الزقرة" والا الصبي بيضيع، فلازم يا ولي الامر تعطيني ضوء اخضر علشان ازقره من احين.. مو عقب اتقول ما قلت لك وينكسر خاطرك على ولدك اذا سمعتني اصارخ.
غياب ولية الامرتحديدًا يعطيني حرية اكبر.. احتاج اسوي هيلة، احتاج اركض واناقز والعب كرة مع الطالب علشان يلعب معاي و يتعلم مني، احتاج احبب الطالب في حصتي، مابي احبسه واجابل السبورة، عقب ثلاث شهور امه بلغتني ان تفوق في الصف... عصبت، لأن سيف ما كان يقول لي شي من هالقبيل .. ياااخي ارفع معنوياتي ياااااخي .. حطيته  في زاوية في الحجرة وزفيته زف، بس طلعت من بيتهم وانا مستانس .

فشلت :
كان عندي طالب عنده صعوبة في القراءة، حاولت اساعده قد ماقدر.. المشكلة أن ولية الامر مو مقتنعة بالمجهود الي كنت اسوي .. وكنت اسجل مقاطع الطلبة الي يعانون من هالموضوع علشان يتحمسون ويطورون من روحهم ويعرفون اخطاءهم، فدار بيني وبين الأم هالحوار:
انا: الولد قره هالمطقع، والحمدلله مافي اخطاء.
الأم: جننه نفس قراءته وهو في البيت.
انا: الولد اول ما قره المقطع الي سمعتيه قراه في دقيقتين وعشر ثواني، والحين قراه في دقيقة ونص. وبدون اخطاء، ماقدر اسرع وايد من قراءته إذا كان فيها اخطاء.
الأم: خير ان شالله .


ومن ذاك اليوم.. ما جفته .

لا اعرفج ولا اتعرفيني:
قبل الحصة بشوي، الطالب راقد لأن ما يبي الحصة، ويوم حضرت الحصة.. تأخر علي، ونقعني، يوم بيدش الميلس قال حق امه: "انا بادش الحصة.. بس عقبها لا اعرفج ولا اتعرفيني". مع العلم ان الطالب يتيم .. والام مشلخه عمرها. فتح الباب ودخل، قلت حق الام تعالي قعدي.. وقعدت يمه، وغسلت شراعه غسااااااال جدام امه، الام هدتنا عقب فترة وخلتنا ابروحنا.. وانا اكمل غسال على عافيته.. عقبها كتبت له تمارين، وقلت له :"مابي ادرسك، اكو التمارين حلهم ابروحك، لين تعدلت اخلاقك باييك". خمس دقايق اتصل فيني ويعتذر.. وطلب مني ارجع ادرسه، قلت له مب ياي.. بس حل التمارين وطرش لي اياهم واتساب. بصراحة عقب الزف ياني صداع (اوردي انا عندي صداع نصفي) وماقدرت ادرس اصًلا.

طلبة جامعات:
الي ساعدني في تديس طلبة الجامعة ان منهجهم فيه وايد من المدارس، والطلبة واعيين اكثر.. وهالمرحلة تتطلب مني تحضير اكثر علشان ادور اقصر طريج اشرح فيه المعلومة واوصلها، بصراحة ماذكر تجربة فاشلة ما حققت فيها اهدافي بالنسبة لمرحلة الجامعة.

احمدي:
تعرفت على هالطالب وكنت ادرسه في "البسيتين" في بيت يده تحديدًا.. من المواقف الطريفة الي صادتني مع الحجي يده يقول لي: " شنو لقبكم؟!" قلت له:" ماعندي لقب". قال لي :" احسن" ( مع ضحكة غريبة) بس استانست على الحجي الله يحفظه.. المراد، الولد فوق ان يحاول يطور من نفسه.. مؤدب وخلوق ومتواضع  جدًا، وهالشي كان وايد يساعدني في توصيل معلومتي حق الصبي واتمنى لو ان الصبيان الي في عمره يصيرون مثله، اتمنى عيالي يصيرون جذي ..



هذي التجارب الي وقفت عندها .. نقاط عامة :
1-  اهتموا في العربي مثل ما تهتمون بأي شي ثاني واكثر، اللغة العربية مو على الهامش، وتذكروا ان الولد اذا مو زين في العربي ما بيصير زين لا في الدين ولا الاجتماعيات ولا العلوم ..
2-  تعديل نظام البيت بالنسبة للعيال الي ما يعرفون يتكلمون عربي اهم من وجود المدرس، اذا تأخر حل هالمشكلة بتصعب.
3-  كوني ماشتغل مدرس.. مو معناته ماقدر اساعدك، تقدر تتحاور معاي وتكتشفني قبل لا تحكم علي، خاصةً اذا الي بادرسه صغير.. وخاصةً ان ادارة Telp عطتني الثقة.
4-  عندي طموح عود في هالمجال، وفي خاطري اسوي مركز لتعليم اللغة العربية لمختلف الاعمار.. وأن يكون تابع حق Telp  لأنهم اصحاب الفضل علي.
5-  كل حصة انا متعود اعطي ولي الامر تقرير عن الي صار، ولي الامر على اطلاع بأي شي اسويه.
6- احاول اركز على جوانب تربوية اتساعد الطالب ان يتغير، حتى لو ما كان له علاقة بدرسه.. اتكلم عن الصغار طبعًا.. انا مؤمن برسالتي قبل مهمتي.

ختامًا : اشكر كل ولي/ة امر وثق فيني وعطاني فرصة لتعليم اعياله، وتأكدوا إني ما ببخل بأي جهد، وادور اجرب طريج علشان اطور من مستوى عيالكم، تحية لكم جميعًا.. واتمنى النجاح لعيالكم

محمد حسن يوسف


الاثنين، 1 يوليو 2019

مرة أخرى..فلسطين


تستجد العديد من الأمور الخاصة بقضية فلسطين، فنكتشف معها ثغرات وثغراتٍ في أمتنا الإسلامية كفيلةً بأن تمنعنا من تقريب الفجوة لعودة القدس، في حقيقة الأمر إننا نبتعد بشكل غريب عن الهدف المنشود، بل إنني لأتحسر على الطريقة التي تُغيّب بها عقولنا، ويُمسح بها تاريخنا، حتى جاء الدنس إلى بلادنا.. فأرى أفواهًا كانت ملعلعةً فصمتت، ومنابر الجمعة التي كانت تجمعنا فنسمع منها ما يعزز توجهاتنا نحو المستقبل.. أمست لا تعرف سوى تلميح المشايخ خوفًا من مقصلة الإيقاف عن الخطابة، نسوا أن الحظ العظيم من الجهاد في سبيل الله يقع تحت "كلمة حق".. وأن ما عند الله تعالى خير وأبقى، وأن الكفن ثوبٌ أبيض دون جيوب.

أن معطيات الدفاع عن قضية فلسطين في وقتنا الحاضر قد اختلفت بشكل كبير، كنا مع طلبة الإعلام نتناقش حول القضية فخرج أحدهم برأي يقول فيه: "فلسطين وحدة من علامات الساعة، مححد ييعرف حلها الا الله بس". قلت في نفسي: " الحمدلله الذي هدى صلاح الدين الأيوبي ولم يفكر مثلك". إذا أردنا أن نقلص الفجوة بيننا وبين التحرير يجب علينا تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة (بقصد أو بغير قصد).. فهيا بنا لنمر على سلسلة من المراحل.

1- من أنت؟ وإلى من تنتمي؟:

أنا بحريني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحرينيين: "هم خير أهل المشرق"، جبلنا ربنا عزل وجل على الحلم والأناة، ونال من بأسنا وجلدنا الغزاة.. أنتمي إلى أمة إسلامية بدأت برجلٍ يتيم، كان يقول لأتباعه المحاصرين الجوعى في الشعب المقفر:" سنبلغ قصور كسرى وقيصر، ولكنكم قومٌ تستعجلون." بنى القاعدة الصلبة، ونقّى المجتمع من الفساد العقائدي والخُلقي الذي كانوا يعيشونه، فنهاهم عن عبادة الأصنام، وعزز مكارم الأخلاق،  وتركنا على المحجة البيضاء.. فجاء أصحابها الكرام فأكملوا المسيرة من بعده، ودخلوا القصر الأبيض في مدائن الفرس، وكُسر على أيديهم عتاد الروم.. زهدوا بالدنيا ففتحها الله على أيديهم، فهذا أميرهم ابن الخطاب يتسلم مفاتيح القدس الشريف بثوبٍ مرقع.. يأتيه رسول الروم وهو نائمٌ تحت ظل شجرة.. دون حشم ولا خدم ولا قصور، فقال له:" حكمت فعدلت فأمنت فنمت".

بشرعتنا تقدمنا،تصحيح للعقائد.. نظام اقتصادي عادل.. ازدهار في العلوم المختلفة والانفتاح على الحضارات الأخرى والنيل من إيجابياتها.. النظر لما عند الله تعالى فقط، فإنما الدنيا معاش، وما عند الله خير من هذه الدنيا الفانية، فلما تخلفنا عن الالتزام بالنظام صار بئسنا بيننا شديد، و تكالب علينا اعداؤنا، وصرنا على حد قولهم "عالمٌ نامي" ( نايم ) .

قضية فلسطين:
لو سألت شابًا مقبًلا على الجامعة في عالمنا: "ما هي قضية فلسطين؟" ربما لا يجيبك.. ولو نظرت إلى رياض الأطفال اليهودية ستجدهم يلقنون الصغار بقولهم :"دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات". بهذه المفارقة العجيبة نشأ لدينا جيل يعيش حالة من التوهان حول قضية هي قضيته المركزية، فلا يمكننا نصرة قضية لا نعرف عنها شيء، فيجب على النخب من المفكرين وشيوخ الدين والإعلامين تبنّي مشروع يعرض القضية الفلسطينية للجيل الحالي والقادم، ولهذا عدة وسائل أيضًا:

1- الأسبوع الفلسطيني:
فعالية تجري لمدة أسبوع في مكان مغلق، يُجمع فيها (بمساعدة الجاليات) كل ما يختص بالشأن الفلسطيني من تراث وكتب وحتى المأكولات، تُقسّم أجنحة الفعاليات على أسماء تجعل الزائر يرتبط ويتعرف على القضية الفلسطينية مثل القدس، بيت لحم، المنبر المحمودي، غزة، الخليل، نابلس.. الخ، وبيان (ولو بلمحة) عن هذا المكان وماذا يعني ليعرف الزائر مركزية فلسطين بالنسبة للمسلمين والعرب.

2- الرأي العام:
يجب علينا إزالة العوالق في ذهن الرأي العام نتيجة الجهل بالقضية.. فلما دنى الدنس من بلادنا اجد بأن الأفواه قد اقتصر على حروفٍ في عالمٍ افتراضي، فلو أننا أنشأنا فعالية الغرض منها نفض الغبار عن أعين الرأي العام، تُجمع فيها كل النخب من شيوخ، صحفيين ومفكرين، فنانين ومثقفين، قادة الإعلام الاجتماعي في لقاء تلفزيوني مباشر طويل عبر ال "يوتيوب"، وليكن من يقدم اللقاء مذيعًا متمكنًا عارفًا بأمور القضية مقدمًا لهذا اللقاء ويتم تناول القضية الفلسطينية كلٌ بما يناسب محوره، وانا على استعداد للمساهمة في الاعداد لهكذا فعالية من شأنها تصحيح المفاهيم.

إن الدنس حينما حل في بلادنا قد شعر الناس من حولنا بأننا نيام، وأنه لا كلمة للرأي العام البحريني حول ما يحدث، وما هي الا تغريدات وتغريدات،  ولكن لنعد إلى حراكٍ مجتمعي يعكس قيمتنا كرأي عامٍّ بحريني، إلى متى هذا السبات؟ فلا نقعد من نومنا حتى يفوت الوقت؟ أعلم بأنني "مسعر حرب لو كان معي رجال".. ولا أقول قوموا لتحرروا فلسطين ممن أيدي اليهود فذلك بعيد علينا في علومنا العسكرية.. وكثرة المنافقين والعملاء.. وحب الدنيا وكراهية الموت، ولكنه الوعي ثم الوعي.

3- الجناح الفلسطيني:
جناحٌ في مكان عام، يتم من خلاله تناول القضية الفلسطينية منذ عام 1909م سردًا حتى عامنا الحاضر.. مرورًا بوعد بلفور، واتفاقية سايكس- بيكو وتقسيم القدس، وبسقوط الدولة العثمانية، وحروب النكبات والنكسات والخيبات، والمجازر في فلسطين ولبنان منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، ودور البحرين في نصرة القضية الفلسطينية على مدى تلك العقود الطويلة والثقيلة على النفس.

المجتمع المفكك:
لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن ندافع عن قضية ونحن مفككون، حيث أنه لا يمكنك السماع من شخص حتى تجد الإجابة عن السؤال الشيطاني :" هذي تبع من؟" .. ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول :" دعوها فإنها منتنة." هذا السؤال "هذي تبع من" دلالة على التقسيم في مجتمعنا.. التقسيم الذي يؤدي إلى التحزب الفكري والترصد للآخر.. فما يلبث الأمر إلّا أن تحول إلى نزاع وصراع، فماذا سيؤول إليه الأمر سوى الفناء؟

اعلم أن الفرق والأحزاب أصحاب "آيديولوجيات" وأجندات مختلفة، ولكنني أقول للرأي العام بأن غزة ليست الإخوان المسلمين.. وأننا إذا لزمنا كلام "القومجية" لن ننال إلا التوهان في صحراء سيناء كما حدث في 1967م، وإذا آمنّا مطلقًا بسياسة "ميكيافيلي" فإن دماءنا ستبقى على الأرض كما حدث في 1973م، ومن ركن إلى غير الله تعالى أوكله الله إلى نفسه.

 كنّا أمة قبل الإسلام يقاتل بعضنا بعضًا من أجل خيل سبق أخرى.. فتُثار فينا نزعة الجاهلية التي قضى عليها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فلما دخل إلى المدينة المنورة آخى بين المهاجرين والأنصار، ووحّد بين الأوس والخزرج.. فأصبحت الجبهة الداخلية قوية وموحدة، أمّا إذا أردنا الفرقة.. فنحن في استحقاق للصفعات، وما تزيدننا تلك الفرقة غير تخسير.

لمحة بسيطة عن قضية فلسطين:

سنة 637م: تم فتح القدس في السنة ال16 للهجرة، وتم تسليم مفاتيح القدس بشرط  حضور الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنفسه، وتم ذلك.. وبقيت في عهد المسلمين 400 سنة بسبب الحروب الصليبية.

سنة 1187م: وقعت معركة حطين.. والتي مهدت الطريق لوقوع العديد من القلاع الصليبية في قبضة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، والذي سرعان ما جعل راية المسلمين خفاقة على اسوار القدس.

سنة 1259م: ضم القدس للمماليك بعد سحقهم للمغول في "عين جالوت".

سنة 1517م: بعد معركة "مرج دابق" أصبحت القدس ضمن الدولة العثمانية.

سنة 1909م: تم عزل السلطان "عبدالحميد الثاني" من منصب الخلافة، ويرى المؤرخون بأن السبب الحقيقي وراء ذلك هو رفضه إعطاء وطن لليهود في فلسطين، وقد عرض عليه "ثيودور هرتزل" مالًا كثيرًا، فأبى رحمه الله.

سنة 1414م: دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى، وخسارتها للقدس سنة 1917م والذي تلاه مباشرة وعد بلفور المشؤوم بإعطاء وطن لليهود في فلسطين.

سنة 1923م: معاهدة لوزان، والتي تقضي بتنازل الدولة العثمانية عن كل أراضيها سوى الأناضول، وتم إلغاء الخلافة الإسلامية كنظام حاكم سنة 1924م.

سنة 1947: تقسيم القدس، ومع نهاية الانتداب البريطاني أصبح الفراغ السياسي جاهزًا للعصابات اليهودية ليتم الإعلان عن دولتهم السرطانية سنة 1948م (النكبة).

سنة 1956م: العدوان الثلاثي (اليهود، فرنسا، بريطانيا) على مصر.

سنة 1967م (النكسة):  احتلال اليهود لسيناء والجولان والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وتفوقها على مصر وسوريا والأردن والعراق في ستة أيام.

سنة 1973م: حرب أكتوبر بين مصر وسوريا ضد اليهود، فكّرت مصر بالنصر السياسي فقط.. ولكنني اظن بأن السياسة اليهودي قد انتصرت باعتراف مصر بدولة اليهود المحتلة نتيجة اتفاقية "كامب ديفيد" 1978م، والتي أدّت إلى عزل مصر عن محيطها العربي، واغتيال انور السادات رئيس جمهورية مصر فيما بعد.

أحداث مختصرة جدًا لكي تعرض للجيل الشاب، فمن أراد الاستزادة فهناك الكثير، وفقكم الله ما يحبه ويرضاه.

محمد حسن يوسف



الخميس، 20 يونيو 2019

كيف تستعد البنت للزواج


الإنسان كائنٌ اجتماعيٌ بطبعه، لا يمكنه أن يعيش بمفرده إلا إذا فرضت عليه الحياة ذلك، فتجد أن الإنسان القديم سعى سعيًا حثيثًا لتكوين المجتمعات في مختلف اصقاع الأرض، فهذا دأب الفطرة البشرية.. وإلّا فلماذا نتكاثر؟، من هذه الفطرة أيضًا فطرة السعي لتكوين أسرة، وسواءٌ على البعض من الذين وضعوا رؤوسهم في التراب لكي لا يتعرضوا لهذا الموضوع أم اعترفوا بذلك.. أو تجدهم ينكرون أهميته في حياتهم، فإن الزواج كفكرة لا تنفك عن ذهن أي انسانٍ من ذكرٍ أو أنثى، فمن أنكر ذلك خالف فطرته، وقد يخفي احدهم ما الله مبديه في يومٍ ما.

ذلك الارتباط "المقدس" المتشكل في صورة الزواج لا بد من الاستعداد له الاستعداد الأمثل، في أوساط الشباب نسمع الكثير من العبارات في حق شبابٌ متزوجين نقول عنهم مستنكرين :" هذي مال زواج؟!" كناية على أننا لم نلحظ أي نوع من الاستعداد على هذا الشاب، ولكننا نغفل عن نوع مهم من الاستعداد الخاص بالزواج.. وهو استعداد "البنت"، قد يسأل بعضهم: " إذا كان الشاب هو الذي يوفر فرصة الزواج للشابة.. فكيف لها أن تستعد؟" أقول: إن التفكير في ضرورة استعداد البنت هو الطريق لخلق مجتمع قويٍ واعٍ، فالبنت اليوم هي العمود الذي ترتكز به خيمة الزواج، هي اساس تكوين الأسرة.. وهي التي تحفظ استمرارها بالدرجة الأولى، مسؤوليات جسام في انتظار البنت فور دخولها هذه العلاقة المقدسة.. فهل ينبغي اقحامها هكذا دون استعداد؟ وهل ينبغي اقتصار استعدادها على توفر "النصيب" من عدمه؟ لعلي هنا في هذه المقالة أحاول أن اوفّق بين كلام المختصين وأصحاب التجارب لأظهر الموضوع بشكل مفيد عمليٍ غير سطحيٍ ولا مبتذل.

وقت الاستعداد:

يختلف ذلك الوقت ويتنوع من فتاةٍ لأخرى كما يلي:
1- قبل الزواج: ويكون بالتربية الصالحة التي تدفع شخصية البنت فكريًا لتقبل هذا الموضوع، فمتى ما استلهمت البنت قيم الأمومة ومشاركة الطرف الآخر حياته لتأسيس أسرة سعيدة من خلال تفعيل بند "القدوة" فإنها ستكون جاهزة لهذا المشروع الضخم.

2- اثناء الزواج: قد يحدث التوافق الفكري والطبعي بين الرجل والمرأة قبل الزواج.. ولا يحدث الاستعداد الجيد له – وإن قرر الطرفان الارتباط - ، ومن هنا تبدأ عملية الاستعداد رويدًا رويدًا حتى تصل هذه الأسرة إلى مرحلة النضوج في مواجهة الطرفان لبعضهما البعض من جهة. وفي مواجهة الظروف الخارجية من جهة أخرى.

3- بعد الزواج: قد تضع المحاذير أمام الزوج و الزوجة لكي لا يقعا فيها وهما متزوجان.. فيأتي سيف القدر فينهي هذه العلاقة، وإن كتب الله عليك أن تعيش تجربة كهذه فستعيشها رغمًا عنك وإن حاولت وسعيت لغير ذلك، فإذا انتهت فهناك الاستعداد ما بعد الزواج والذي سيساعد على بدأ علاقة جديدة ولو بعد حين، فقد ينضج الإنسان تدريجيًا بمراحل عدة، أو بصدمة تجعله يعيد كل حساباته.

عوامل تساعد على استعداد "البنت":

1- جهوزية الرجل : 
قد تقلع البنت عن فكرة الزواج والاستعداد الذهني له بسبب عدم تقدم الرجل "الذي يستحقها" لخطبتها، فإذا كان الرجل غير جاهز فإن البنت بشكل تلقائي ستبحث عن مشاريع أخرى في هذه الحياة الدراسة والعمل وتكوين الذات بصورة فردية لا ترتبط بأسرة أو بطرف من أسرة.. أما إذا كان جاهزًا فإنها ستكون جاهزة إذا ما ساهمت تربيتها في ذلك، فإن لم يكن فإنها ستتفوق على نفسها لتكون جاهزة حتى أثناء الزواج.. ليس لشيء إنما لوجود رجلٍ كفؤ جاهز تستحق البنت الارتباط بمثله خُلقًا شخصيةً، وقدرةً على التواصل، وتقدير اختلاف الفكر وطريقة الوصول إلى النتيجة، وتحمّل تغير الأمزجة، والخوف من الله في هذه المسكينة التي أخرجها هذا من بيت أبيها. فإذا لمست وتوقعت البنت من الرجل ذلك، وأيقنت بأنه رجلٌ يستحقها فستكون مستعدة.

2- تحمل البنت للمسؤولية:

كثيرًا ما نكنّي بعبارات شعبية جميلة تأخذ أبعادًا مجتمعية .. من هذه العبارات ما نطلقه استنكارًا على حال البعض من الشباب عديمي المسؤولية بقولنا " ياكل ويمش يده في الطوفه"، فهل يليق بالبنت التي ستكون أساس الأسرة ولب تكوينها أن تعيش في بيت أبيها لا تحمل أي نوع من أنواع المسؤولية؟ ولكن دعونا نتوقف عند سؤال مهم جدًا، كيف تتجلى مسؤولية البنت وهي غير متزوجة؟ أقول: إن تنظيم البنت لأمور نفسها ودراستها والأنشطة التي تمارسها.. موازاةً مع خدمتها ومساعدة أمها في تدبير شؤون البيت دون اخلال باهتمامها بنفسها، سيجعل منها زوجة جاهزة متى ما أيقنت هي بأنها ستكون في ايدٍ أمينة، أما البنت المهملة المتقلبة.. فإنها ستحتاج إلى وقفة جادة مع النفس لتغيير الطباع وترتيب دماغها وحياتها الذاتية، فليس الزواجُ بالأمر السهل والفرح واللهو المؤقت.. بل هو حياةٌ ممتدةٌ طويلة، ليس قرارًا يؤخذ بعاطفة مجردة.. أو بتفرد دون مساعدة أحد، بل على البنت أن تسأل وتطلب مِن مَن حولها النظر في أمر شخصيتها معها سواءً من أبٍ أو أمٍ، أو اختٍ أو أخٍ (إلا في حالات محددة يكل هؤلاء ضغطًا سلبيًا على البنت فينبغي اعتزالهم في ذلك).

ملاحظة: قد تصل البنت المسؤولة لقرار بأنها ليست جاهزة للزواج، بينما هي جاهزة جدًا.. والعكس صحيح، ومن هنا تأتي عملية التقييم والمشاركة والعقلانية، لا للخوف واللهو والتسرع.

3- أسس الاختيار، وأساليب الخداع:

الشاب منّا بعد أن يتعرض لموضوع الزواج.. قد لا يكون متصورًا تمامًا لضخم هذا المشروع، ويظن أن بحرصه على الظهور بشكل أكمل امام البنت التي سيخطبها أمرٌ سيُنجح الزواج، فإذا جلس الشاب أمام البنت وتحدث عن نفسه.. فلا ينبغي للبنت أن تنظر إليه كما نقول بالدارجة العامية "مسبهة" بدون وعي وبدون توفر معلومات كافية لاتخاذ القرار الأصوب، هناك أمورٌ تمس استعداده الشخصي للزواج.. فإن لمستي بأنه غير مستعد فلا تخاطري بنفسك، لأن الأطباع من الصعوبة بمكان أن تتغير، بل يجب وضع أسس صحيحة للاختيار المناسب.. واسألي نفسك: " هل أطباعه مناسبة لأطباعي؟ هل سينهض بحالي أم سيحطم مستقبلي؟ هل سيقربني من ربي ام أنه أبعد ما يكون من ذلك؟ هل هو شخص مسؤول يستطيع تدبير شؤون البيت الخارجية أم أنه "ياكل ويمش يده في الطوفه"؟ هل هو راغب جاد ام "مغصوب"؟ والكثير من الأمور التي يجب استخلاصها بتمعن – بدون الاعتماد على العاطفة فقط - .

4- أهلاً بالقدوة ..  لا للمقارنات:

من الجميل أن يحصل الإنسان على نماذج يعرف من خلالها من أين ترد المشاكل الزوجية، وكيف يستطيع الطرفان حل تلك المشاكل بحكمه وخبرة، وهنا أذكر الحكمة والخبرة لغرض مهم وهو:  "رجاءً .. لا تستنسخوا تجارب غيركم" ، فقد يكون من تلك المشاكل ما هو مكرر .. ولكن الأطباع من حالة إلى حالة مختلفة بشكل كلّي.. فلا بنفع نفس الدواء لكل مريض خاصةً إذا استفحل المرض، لا تقارني نفسك بأي بنت أخرى، ليست المعيارية بأن البنت الأخرى افضل منك أم لا.. بل المعيارية بأنكِ بنتٌ مختلفة، خذي من التجارب ما يتلاءم معكما، وليس معكِ لوحدك، التجارب للاستفادة وليست للمطابقة.

5- القدرة على فهم الطرف الآخر:

الطرف الآخر.. شخصٌ مسؤول عن بيته وهو "أنتي"، يتقلب مزاجه بتقلب الضغوط النفسية التي يعانيها خارج المنزل، فليس منا من يذهب إلى عمله سعيدًا الا القليل، فإذا ما وثق الرجل بأنكِ متفهمة لما يجول في خاطره سّلم نفسه لكي، لكل انسان مفاتيح، فإذا ما كانت البنت مستعدة لاكتشاف هذه المفاتيح عاشت سعيدة.. في المقابل سيجتهد الرجل لاكتشاف مفاتيح المرأة والظروف التي تحكم تغير أمزجتها والمتغيرات التي تطرأ عليها، فإذا ما شاهدت المرأة هذا التقبل والتفهم سيقبل الطرفان على بعضهما بشكل أكثر.. الزواج علاقة ثنائية، لا يكفينا منها معرفة ما نشعر به فقط، بل علينا التفكير مليًا فيما يشعر به الطرف الآخر.. وهل بإمكاني كبنت معايشة ذلك أم لا.

هذا غيض من فيض، تذكري أيتها البنت.. أنتِ أساس نجاح أي علاقة او فشلها، فأنتِ الأصل والجذور .. تظهر قوتها في ثباتها، وتساهم في نظارة الشجرة وجمالها، وتنعكس منها خضرة أوراقها وتعدد فروعها، فاختاري لنفسك الدور الذي تريدين في هذه الحياة.

ملاحظة: من أراد تنظيم ندوة معي في هذا الشأن، لندعو الشباب والشابات والمختصين لنقاش مفتوح فليبادر ويساعدني، فالمرأ قليل بنفسه.

محمد حسن يوسف




الجمعة، 14 يونيو 2019

الصراع الزائف بين الرجل والمرأة


تحفظت قبل الخوض في غمار هذا الموضوع، لا لصعوبته بل لقناعتي بأن وسط النخب الاجتماعية والصحفية، بل ومن يقلدونهم ويقتفون اثرهم محبين لعقد المقارنات بين الرجل والمرأة بالعموم.. وبالتحديد تلك المقارنات بينهما فكريًا وجسديًا واجتماعيًا، لا لغاية تنهض بالمجتمع وتحسن من سلوك ما، بل هو لعرض أفضلية جنس على آخر، وكأن حظوظ النفس اللئيمة أخذت تسلك طريقها، فدخلنا في نفق مظلم لا تُرجى له نهاية قريبة، ولكن لنتناول الموضوع من جهة أخرى علّنا نقدم طرحًا يفيد قارئه، ويبعده عن نزاعات الجاهلية المفرقة والمحزّبة.

الضلع الأعوج:

لنعد لبداية الخليقة، ذلك الكائن الطيني الذي خُلق وحيدًا.. عُّلم الأسماء كلها وأسجد ربه تعالى له الملائكة لعظمة خلقه، لم يكتفِ ربه جل في علاه بذلك الأمر فحسب.. بل خلق له زوجًا من أضلُعه وهو نائمٌ لكي لا ينفر منها، فكانت اجمل النساء، فكان لها زوجًا وأنسًا.. وكانت له صاحبةً وسكنًا، فما السر في ذلك الضلع؟ إنه ضلع أعوج في آخره، يحمي صدر آدم عند قلبه تحديدًا، فما على آدم إلا أن يتعامل معه بحذر.. فإن أراد تقويم ذلك الضلع بشدة انكسر بين يديه، فصفته بأنه أعوج ليس عيبًا، بل ميزة .. ولكن الرجال سرعان ما يلقون الألواح.

تقسيم المهام:

اعلم يا من تقرأ هذه الحروف بأن حرص الله سبحانه وتعالى على خلقه ليعيشوا في ارضه بالشكل الصحيح اكثر من حرص الإنسان نفسه، ألم ترَ ذلك الإنسان عند صنعه لشيء ما فإنه يترك أثرًا للتعليمات بداخله؟ كذلك الرب تعالى.. لم يترك آدم وزوجه في هذه الأرض بلا تعليمات وبلا مهام.. تجلّى ذلك واضحًا بتحديد المصير النهائي "الجنة"، ومكان الامتحان الوقتي وهو " الأرض"، وأوضح لهما العدو اللدود المترصد لهما ولذريتهما "إبليس"، وقصّ للبشرية جمعاء قصة التفاحة وأثرها على آدم وحواء.. وتحميل آدم للمسؤولية بشأن ما حدث "وعصى آدمُ ربَّه فغوى" باعتباره رجلًا، والرجل لا يتملص من مسؤولياته.

التفضيل:

تناول الله سبحانه وتعالى قضية تفضيل الرجل على المرأة بعدة اشكال، وليس للتفضيل هنا معنىً إلا المعنى الذي يقترن بالمسؤولية، فلست أيها الرجل أفضل من المرأة بمجرد أنك رجلٌ أو أنها امرأة، فتجد أن الله تعالى قال عن الرجال لقوامتهم ولإنفاقهم: " وللرجال عليهن درجة". فبمسؤولية القوامة يصبح للرجل الأفضلية، ففي مقام القوامة يفعل الرجل ما لا يطيقه ليعيل عياله، وقد يصبر على أمرار الدهر نفسيًا حتى يكاد يحترق قلبه، ويفنجر رأسه، فإن عاد إلى البيت بهموم عمله قالت زوجته:" لا ترجع بهموم العمل إلى البيت". وإن ذهب إلى عمله مطرقًا رأسه بسبب هموم البيت قال له رب العمل:" لا تدخل مشاكل البيت الخاصة في العمل." فماذا يصنع؟!

من الناحية النظرية فإدخال الشأنين معًا ليس بأمرٍ رشيد، ولكن قلة من الرجال من يستطيع فعل ذلك.. ولست منهم. إذ يعسر فعلًا على الرجل أن ينافح ويكافح ليعيش ويعيل غيره، وأن يبقى ذهنه صافيًا من أي كدر، بل إن الرجل عند تعرضه للضيق الذي لا يمكنه أن يردّه بسبب مرتبة عمله.. فإن النار تستعر في قلبه، والصداع يأخذه يمنة ويسرة، ولكن وإن تكالبت عليه الهموم خارج المنزل كالجبل.. وكاد الجبل أن يسقط عليه لأوقفه، نعم.. بإمكان الرجل إيقاف جبل من الهموم القادمة من خارج المنزل، ولكنه يهتز ولا يتماسك عندما يكون الهم من داخل بيته.

 وفي مقام الأمومة يجيب النبي صلى الله عليه سلم الرجل الذي سأله: " من أحق الناس بحسن صحبتي؟" فقال صلى الله عليه وسلم: " أمك .. ثم أمك .. ثم أمك ". ولقد نعلم مقام الأمومة وما يحتويه من نصب وتعب على الأم مدى حياتها، فمسؤوليتها لا تنتهي بالحمل والولادة والرضاعة، بل بالتربية والمتابعة، بل ولا يمكنني وصف القلق الذي تشعر به الأم حين احساسها بالخطر يحدق حول أبنائها، ذلك القلق الذي يكاد يفتك بها هي الأخرى إذا زاد عن حده، ولكن لم يكلّف الله سبحانه وتعالى البشر الا ورزقهم الاستطاعة على التحمل، فجزاء والدينا الجنة يارب على ما بذلوه لنا، ما علمناه وما جهلناه.

بذلك قد علّم ربنا جل جلاله الإنسان مبدأً غايةً في الأهمية، وهو أنه " ليس لديك أسبقية لا لجنسك، أو عرقك، أو بلدك.. بل بما تحتويه نفسك من مسؤوليات تجاه مجتمعك". ولا ينزاعك في ذلك أحدٌ إلا نفسك الأمّارة بالسوء، فليست المرأة خصم للرجل والعكس صحيح، كم من أمٍّ فشلت في تربيتها لأبنائها، وانحازت إلى نفسها وحياتها الخاصة حتى قيل عنها: " إنها والله لبئس الأم". هل ذلك يعني أن نقتصر مقام الأمومة في حمل وولادة ونقول بأن الرجل يهتم بأبناءه أكثر من المرأة على وجه العموم؟! هناك من الرجال من يعود إلى بيته صارخًا: "أين الغداء؟".. يأكل كما تأكل الأنعام ويذهب ليغط في قيلولته – غيبوبته إن صح التعبير – فهل نعمم حالته على كل الرجال؟ للقواعد شواذ.

المرأة والجاهلية:

على الرغم من الزخم اللغوي التي كانت تمر به الفترة ما قبل الإسلام متجليًا في المعلقات الضخمة، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى تلك الفترة "بالجاهلية" لسببين، الأول: بسبب الفساد العقائدي، فالناس يعبدون صنمًا لا حول له ولا قوة، قد يصنع أحدهم ربه بيده من تمرٍ.. حتى إذا جاع أكله، ولا يغيّر عقيدة عجفاء ورثها من آباءه، الثاني: هو الفساد الأخلاقي، والمرأة كانت من ضمن ذلك الفساد، ففي الجاهلية تدفن الرضيعة وهي حية لجنسها، فإذا كبُرت قد تكون سلعةً بيد الرجال – كما هو في زماننا-، فجاء الإسلام ووضع الأُطر الأخلاقية التي كانت موجود قبل ذلك، ألم تسمع بهند بنت عتبة؟ نعم إنها تلك السيدة التي مثّلت بحمزة بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه بالرضاعة.. ولاكت كبده، عندما مثلت أمام النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة تبايعه على الإسلام.. توقفت عند كلمة "ولا تزنين" فقالت مستنكرة هذا التجاوز الأخلاقي والمجتمعي :" أوَ تزني الحرة؟!"  أكّد عليها ووضعها كمعيار نتحاكم به مع الجنس الآخر، ليس من هوى النفس ولا من منطلق الجنسية.. من منطلق المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية، لا بشكلٍ متساوٍ.. فإن تساوى الناس استغنى احدهم عن الآخر، ونشأ مجتمع مفكك وإن بان تحضره وتمدنه،  بل بشكل فيه مساواة ومراعاة للجميع.

إن الحالة التي يريد أن يصورها لنا البعض بأن الرجل والمرأة سيكونون في صراعٍ مادامت السماوات والأرض، وأن المرأة ستظل في رحلتها للدفاع عن حقوقها حتى تنال حريتها هو كلامٌ ليس فيه شيء من الرشد والتعقّل، هل توجد اليوم حالات تُظلم فيها المرأة لأنها امرأة؟ نعم ولا يمكن لأحد أن يُنكر ذلك.. فلا يخلو زمان من رجال ظُلّام طغوا واستكبروا ونسوا قدرة الله عليهم، ولكن لا يتم تعميم ذلك على كل الرجال كقاعدة، وإلا قوبلت بالمثل من قِبل الرجل، ولن ننتهي من هذا النقاش "البيزنطي" الذي لا فائدة منه، فلا احد يشكك في قدرات المرأة إلا قاصر نظر لتقوم هي بإثباتها، ولا تبخس حق الرجل منهن إلا جاحدة، فاحفظوا لكل ذي حقٍ حقه، وانصفوا بعضكم من بعض.. لعلنا نصل إلى طريق الرشاد والفلاح.

محمد حسن يوسف