الأحد، 6 أبريل 2014

خواطر الجمعة


الحمد لله الفرد الصمد .. الذي لم يلد ولم يولد،والصلاة والسلام على النبي المجمد ،وعلى الآل والأصحاب ومن على نهجهم سار وتقصد .. اللهم قيدنا بسلاسل اللطف إليك، واجعل بلاءنا سبيلا للوصول الى ما يرضيك،وادخلنا الجنة من غير سابقة عذاب ولا عقاب ،امين ..


الجمعة،لماذا لا ننظر الى هذا اليوم اكثر بعدا الى ما نحن عليه الان ؟! هل يوم الجمعة هو مقرون بنسبة كاملة بالصلاة فقط...ام ان الجمعة هو يوم مقرون بالمتعة والفرح مع الأهل والأصدقاء ... وهناك من يقرن يوم الجمعة بشكل سطحي اكثر ممن سبقه فيقول : هو يوم للنوم.. وللنوم فقط!! فدعونا نتعمق شيئا في هذا اليوم وأسراره ومكنوناته .. ثم نمر سريعا على حال بلادنا لنضع أنفسنا على الميزان ... لن يكون تقييمنا لتصرفاتنا كاملا كما نظن،لكنه على أية حال أفضل من ان نعيش بحال واحدة ونفعل الأشياء بشكل متكرر ونفكر بالطريقة نفسها، ثم نتوقع الحصول على نتائج مختلفة .. لا ادعي انني أنا من سيصنع الطريقة المختلفة في التفكير..فانا ومن يقرا ما اكتبه نكمل بعضنا بعضا..وخاصة من يناقش ما اكتبه ويريد ان يعرف ما اقصده بين السطور .. اسأل الله التوفيق.


الجمعة،ذلك اليوم الذي بدأت فيه علاقة البشرية بهذا الكون...فبعد ان خلق الله سبحانه وتعالى الكائنات وبث في الارض من الدواب حان وقت انشاء المخلوق الذي يستمر هذه الارض،نعم...فآدم لم يخلق الا في يوم الجمعة (وخلق الله آدم عصر يوم الجمعة) ، ومنه عليه السلام تعلمنا دروساً عظيمة في تعامله مع ربه ومع خصمه اللعين ابليس ، آدم عليه السلام .. يمكن ان تستخلص من اسمه أمرين هامين،هو انه خلقه ربه من أديم الارض (منها خلقناكم ومنها نعيدكم تارة اخرى) ، والأمر الاخر هو انه - عليه السلام - كان شديد السمرة ، اذكر هذه المعلومة في مجتمع تفشت فيه اطباع العنصرية في عصر الاسلام...في تكبر البعض لمجرد ان لونه ابيض ، فيقوم الأسود فيتباهى بلونه غيضاً لا اكثر ... ابونا آدم كان شديد السمرة فليس للون ان يفضل صنفا من البشر على حساب الاخر ، أخطا ابو ذر الغفاري رضي الله عنه يوما في حق بلال بن رابح رضي الله عنه بقوله :يابن السوداء.فلما عاتبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(انك امرؤ فيك جاهلية) وضع خده على الارض وقال:لا ابرح الارض حتى  يطأ بلال بقدمه على وجهي.قيام ابوذر بذلك كان نوع من الاعتذار لصاحبه ولنتعلم نحن قيمة هذا التصرف الراقي ولنتجب هذا الطبع الدنيء الذي بدأ يأخذ حيزا في حياتنا ومجتمعنا من جديد .. اقول في مجتمعنا لأن هذا الشيء قد نفر منه الشارع الحكيم سبحانه وتعالى..بل ولم يجعل للون مقياسا للتفاضل بين الناس ،لكن هذا الامر لا يزال منتشرا حتى في المجتمعات التي تدعي التحرر ضد العنصرية البغيضة..مجتمعات تدعي التقدم لكنها لا تزال تعيش في عصور الظلام الدامس...


من بعد يوم الجمعة .. تعرفنا على بعض العقلاء الذين صدرت منهم افعال الحمقى فأردتهم الى اسفل السافلين،اولهم ابليس اللعين .. تكبر وفسق فكان من الملعونين،وكيف كان دوره في اخراج ابينا آدم من الجنة .. لم يدر هذا الاحمق بأنه سيخرج من دائرة الرحمة الالهية،و أن آدم عليه السلام سيعلمه ربه كيف يستغفره ويسأله العفو من ذنبه الذي اقترفه...هكذا نحن البشر،ابليس وجد مادة الخلق مبررا لكي يتكبر على واحد من المخلوقات دون غيرها،اما نحن البشر...فنكاد لا نفتأ نتكبر على بعضنا من اجل خصوصيات وهبنا الله اياها ولم نكن سببا في ايجادها...فالله خلقنا وخلق شخصياتنا وافعالنا وتصرفاتنا والظروف المحيطة بنا،ولم نفكر يوما بأننا سنحاسب على هذه الامكانيات ( ولتسألن يومئذ عن النعيم)،(وعن شبابه فيما ابلاه) .. لم يكن ابليس وحده احد هؤلاء الحمقى،بل دخل على الخط ذاك النمرود الذي قال له ابراهيم عليه السلام:(ربي الذي يحيي ويميت) .. فأجاب قائلا :( انا احيي واميت ) .. وبنى لنفسه صرحا ضخما لكي يرتقيه ويقتل اله السماء ويكون هو الاله الاوحد على زعم قوله ..ارتقى الصرح ورماه فنزل عليه دم من السماء،انزله الله لكي يفتنه ليزيد في طغيانه اكثر...فهذا دأب الاحمق النمرود الذي قتلته حشرة دخلت انفه وبذل كل ما يقدر لكي يخرجها حتى انه ضرب نفسه بالمطارق حتى مات...ناهيك عن الاحمق الآخر فرعون الذي دعى الناس ان يعبدوه بقوله : ( ما اريكم الا ما ارى وما اهديكم الا سبيل الرشاد) .. وقال:( وهذه الانهار تجري من تحتي) ، فجعلها الله تجري من فوقه .. وحفظ جسده عبرة وعظة ، بهذا غلب النمرود وفرعون ابليس في حماقتهم وكبرهم... فهل لك ايها الانسان ان تتوقف عن الكبر والتعالي،وان توقن بأن ما تملك كان له بداية وسينتهي الى غيرك ولن تأخذه معك الا ان عملت عملا صالحا به مخلصا به وجه الله تعالى ..


في يوم الجمعة .. ينتهي كل شيء،تقوم الساعة على اشقى الخلق يومئذ .. ( ولا تقوم الساعة الا يوم جمعة ) ، فعندها سنعرض على ميزان الحق ،فمنهم من يمر بدون حساب ..ومنهم من يدخل ليقابل رب العزة،فيسأله ولكن هل من جواب؟! .. ومنهم من لا ينظر اليهم ربهم يوم القيامة فتعسا لهم من خلق ...  حتى في ذلك اليوم يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم :( اذا قامت الساعة على احدكم وفي يده فسيلة فليغرسها ) .. دلالة على ضرورة العمل وتواصله منذ اول انسان خلقه الله يوم الجمعة الى الجمعة الأخيرة من الدنيا ، لا اريد ان اغوص في ميدان المثاليات لأن الواقع لا يدع مجالا لتلك الشعارات .. لكنني مؤمن بالقاعدة النبوية التي تقول : ( كما تكونوا يولى عليكم ) .. وبالقاعدة الربانية التي تقول : ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .. كم من حاكم افسده شعبه وواقعنا مليئ بالامثلة ، اذا دخلت عزيزي الشاب الى سوق العمل او دخلت فعلا ستجد العجب والعجاب حينما يستغل الموظف ولو كان بسيطا القوانين لتكون لصالحه حتما،حتى افتقدنا البركة من الله على اعمالنا وان كانت جيدة ..ولكن روح الاخلاص غابت عنها ، ماذا عن ذاك الموظف – وغيره – الذي يستغل وقت الصلاة ليرتاح ساعتين ونصف بدلا من الساعة .. ويتناول فطوره الصباحي لساعة ، ويوزع الابتسامات والكلمات هنا وهناك .. وعند وقت الخروج تسمعه يقول بكل جدية وبجاحة : ( والله تعبت اليوم )  ماذا عن تلك السيدة التي تستغل بندا في ديوان الخدمة المدنية اسمه "اجازة الحج" فتأخذ به لتسافر الى الولايات المتحدة الامريكية للنزهة ..!!. ماذا عن ذاك الطالب الجامعي الذي كنت اراه في جامعة البحرين "مبنى 15-مدينة عيسى" .. يقود مسيرات طلابية بعنوان "حقوقنا اولا" ، ثم يعود الى "قاعة 32 " لكي يمارس لعبة "البلياردو" ولعبة "الريشة الطائرة" بدلا من حضور المحاضرات والدراسة والحرص على نتيجته الدراسية الغير مضمونة النتائج حسب الطريقة التي تعطى بها الدرجات في جامعة البحرين .. ماذا عن ذاك المواطن المسكين الذي وضع نصبا كبيرا على سيارته ال "القرمبع" محتفلا بالعيد الوطني في البحرين مرهقا كاهله بمبلغ كبير،من كلفه بذلك؟! ماذا عن ذاك المسؤول الذي لا يدري عن ماهو مسؤول عنه،هو يدري فقط عن القيمة المادية التي يتحصل عليها آخر الشهر ...  كان شريفا قبل ذلك ولكن الدنيا اذا فتحت على احدهم اصبح على الاعين مثل ال "ران" ،يغطي قلوبهم وعقولهم قبل اعينهم ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) .. واشكال الفساد وارقامه كثيرة،ولكننا مطالبون بالتغيير في اماكننا اولا : ( يا ايها الذين آمنوا عليكم انفسكم،لا يضركم من ضل اذا اهتديتم ) .. هذا ما يعلمنا  اياه يوم الجمعة ، ( فليغرسها) تعلمنا بضرورة العمل مهما كانت الظروف ومهما كانت المعطيات .. نحن شعوب مجهلة،مغيبة،ولكننا في نفس الوقت فاسدة بشكل او بآخر ولهذا سلط الله علينا شرار الخلق ..فينا الخير وهو كثير ،ولكن قيل :( انهلك وفينا الصالحون؟ ) ..فجاء الجواب من معلم البشرية الخير صلى الله عليه وسلم :( نعم .. اذا كثر الخبث ) .. في زمننا هذا ينطبق عليه المثل الشعبي القائل : " ما يطفح الا اللوح" ، فبالرغم من  قيمة " اللوح " الجزئية لكنه يبقى مجوفا من الداخل،فارغا...يخرج على سطح الماء متمايلا مختالا مستعرضا .. فتكون الانجازات العريضة هباءا منثورا ، بالرغم من ذلك ..علينا ان لا نعمل في المجال الذي تخصصنا فيه فحسب،بل يجب علينا ان نبرع فيه ( المؤمن لا يعدم الحيلة) .. ولا بد من وسيلة ما ، فالمهندس يبرع في مجاله،والاعلامي يبرع في ان يخرج الصوت والصورة بشكل مبتكر وجديد..والمتخصص في الامور المالية يقوم بعمله بتفان واخلاص ، والمتخصص في الامور التقنية يبحث عن الجديد ويطور من نفسه ومن عمله وهكذا في جميع التخصصات .. نفرغ جميع طاقاتنا في الكلام والشكوى على الوضع دون حراك ، فلا خير فينا ان لم نعمل ونعمل ونغير قدر استطاعتنا..مع عدم نسيان التذكير بتزكية النفس والرقي بها عن الامراض القلبية التي تدعو الانسان الى العجب والكبر والغرور،معذرة لنا امام الله الذي قال لنا نبيه صلى الله عليه وسلم عن القيامة وهي اشد ظرف يمر به ابن آدم ( وفي يد احدكم فسيلة فليغرسها ) ..


للعلم :

# كلما اناقش شبابا على ما اكتب كلما تحسنت اكثر..(رحم الله امرئ اهدى الي عيوبي) .

# كان مقررا ان اكتب عن برنامج "بليف" فهو من اجمل الظواهر في حياتي،ولكن الاخ "محمد الوزان" فضل ان اكتب عنه في وقت معلوم لاحقا .

# حكمة : من علامة النجاح في النهايات .. الرجوع الى الله في البدايات .


دمتم بود .. بقلم : محمد حسن يوسف

حرب المسميات


الحمدلله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ،الذي لم يلد ولم يولد .. والصلاة والسلام على نبيه الممجد ،صاحب لواء الحمد الأوحد ، الهي .. علمني من علمك المخزون ، وصني بسر اسمك المصون .. اللهم اغنني بتدبيرك عن تدبيري .. وباختيارك عن اختياري .. و اوقفني على مراكز اضطراري .

هي حرب ضروس نمر بها في عصرنا الحديث ، حرب اشبه ما تكون بالحرب الباردة .. لكنها لا تستمر كذلك الى امد طويل كما كان الحال بين الأمريكان والسوفييت .. بل تبنى على آثارها حرب ضروس ، نعم .. حروب ضروس تنتهك فيها كل القوانين ، نعيش على اثرها في زمن السنوات الخداعات ( يخون فيها الامين ، و يؤتمن فيها الخائن ) .. اسميتها "حرب المسميات" ، لأنها تعتمد ابتداءا على تصنيف من هو مخالف لك .. تمهيدا للأنقضاض عليه ، وهو سلوك يهودي قديم ( فبدل الذي ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) ... واستمر هذا السلوك في دمائهم حتى خلفهم المعاصرين ، فبدلوا اسم "التطبيع" الى "اتفاقية سلام" .. و "خارطة التقسيم" الى "خارطة الطريق" .

 لست هنا اناقش الفكر اليهودي في هذه المسألة بالذات .. بل ولأنني ارى ان مرض تغيير المسميات قد اجتاح عقول الكثير من عوام الناس قبل خاصتهم فوجب علي التنويه عنه ، لعلي اغير ما عساني ان اغيره ... ان وضع الناس في تصانيف معينة او بما اطلق عليه "مسميات" خاصة تمهيدا لاستباحة الاعراض والدماء لهو مرض فتاك اصبنا به ، فالشخص المسلم يطلق عليه "مبتدع،كافر،ضال،فاسق" تمهيدا لاطلاق كافة الالفاظ بل وحتى المخلة بالآداب العامة على هذا الشخص المسلم ، وكأن صاحبنا الذي يطلق التسميات على الغير قد اخذ عند الله عهدا بأن يموت على شهادة ان لا اله الا الله .

 يقوم مسؤول حكومي ما بعدة تخبطات ادارية واجتهادات شخصية .. فاذا وقع في الخطأ اطلق عليه اسم "متخبط اداريا" من اجل المواراة والحفاظ عليه ، لأنه يحمل الكثير من الاسرار .. ولو بحثنا عن اصل الاسم ستجد ان اسم "متخبط اداريا" هو نتيجة لشيء ما ونحن نحاول الهروب من هذا الشيء .. الذي من الممكن ان يكون "الكذب،السرقة،الاستغلال،المحسوبية" .

 عندما تنظر الى اثنين متخاصمين يروون نفس الحكاية ، يأتيك شعور بأن احدهما يكذب ... مع ان القصة هي ذاتها المروية من الطرفين ، انه فقط تغيير المسمى الذي يجعلك تميل لأحدهما دون الآخر ، يجد ويجتهد احدهم ويظهر للناس تعبه ولكنه يطلق على نفسه "مبادر" ، والاسم الحقيقي هو "حب الظهور" وما اكثرهم ...

 نحن كثيرا ما ننسى امرا خطيرا وبالغ الاهمية .. وانذارا شديد اللهجة من رب العالمين : ( الا يظن اولئك انهم مبعوثون،ليوم عظيم،يوم يقوم الناس لرب العالمين ) .. كلنا نعلم تلك الحقيقة قطعا ، لكننا ننسى .. ( الناس نيام ، فاذا ماتوا انتبهوا )  ، في ذلك اليوم .. سنعرض على محكمة الحق سبحانه ، وسننظر الى من استخدم المسميات لصالحه في فترة معينة من حياته وما هو بصانع اما محكمة العدل ، سننظر الى العالم يدخل النار ... لأنه استخدم المسمى في الحياة الدنيا فجزاه الله سبحانه في الدنيا ايضا بقوله ( وقد قيل ) .. اردت المسمى وقد نلته ،فليس لك جزاء اكثر من ذلك .. وسنرى بأن العالم المزيف سيلحق به قارئ القرآن .. ونتفاجأ بلحاق المجاهد بهم في النار، ذلك بأنهم لعبوا في المسميات واهدافها وجوهرها .. فاستحقوها في الدنيا حتما ، ولكن امام محكمة الاله العادل ليس ثمة لعب .. ليس ثمة مسميات مزيفة ، مسميات يقتل بعضنا بعضا من اجلها ... فقط كن صريحا مع نفسك ، وتكلم معها وقيم ذاتك ، احط نفسك بالاخيار من البشر .. تمسك بهم ، لا تصب بالغرور فليس هناك ادنى سبب لذلك .. من انت وماذا تمثل في هذا الكون الشاسع ؟! كم من حاكم على هذا الارض شرقا وغربا قتلته ذبابة ، وانت تبحث عن "مسميات" تزين بها نفسك ؟! تذكر .. بأنك ستتجرد من كل تلك الالقاب والمسميات فور مغادرة روحك الى باريها ، ودخولك في حفرة شبرين في مترين مقبورا وحيدا ، فاستعد لذلك اليوم الموعود ولا تعلق قلبك بما هو مآله الى الفناء.

محمد حسن يوسف

الخميس، 3 أبريل 2014

الفراغ


الحمدلله العزيز الحميد ... والصلاة والسلام على الداعي الى الطريق السديد ، اللهم اشمل الصلاة على نبينا الآل والأصحاب والاتباع من قريب وبعيد .. اللهم أكرمني بنور الفهم  ، وأخرجني من ظلمات الوهم ، وحسن أخلاقي بالحلم .. وافتح علي أبواب رحمتك .

عندما انتقلت مع عائلتي الى العيش في منطقة عراد،كنت في الثانية عشر من عمري..كنت وقتها في عزلة اجتماعية،فليس لدي أصدقاء في ذلك الحي الجديد .. وكنت حديث عهد بال"بلايستيشن 1" ،وكنت وقتها اتقاسم وقت اللعب مع اخي الكبير يوسف ... لكن الفراغ القاتل كان يشعرني بأن القسمة بيني وبينه لم تكن عادلة، فقررت ان استثمر الوقت بعد صلاة الفجر بعد عودة ابي من المسجد و خلوده الى النوم ..انسل بعدها من سريري  واحصل على سويعات انفرد بها للعب بدون الشعور بتسلط الأخ الأكبر ... انه أسلوب واحد، تختلف الأساليب باختلاف الأفراد والعوامل ، الفراغ .. ذلك العامل الذي يتشكل بصور متعددة امام الشباب ، فيعلقهم بشهوة ما ... بدون هدف واضح ،فيقع الشاب في فخ ضياع الأوقات ، وهو ابرز جدال وأعظم درس يحاول الوالدان إيصاله الى الأبناء وهم صغار ... اسمع في خطب الجمعة ان الفراغ سلاح ذو حدين ، فإذا وضعته في الخير كان خيرا وإلا فالعكس هو الصحيح !! هذا الكلام لم يكن محددا ، فكل الأمور في الحياة غالبا ما تكون سلاحا ذو حدين ... فالعلم بالرغم من أهميته تجد انه يستخدم في كثير من أمور الشر وما السيد"الفريد نوبل " منا ببعيد ، ذلك الذي اخترع الديناميت واستشعر الذنب الذي اقترفه متأخراً ..

تأثرت ببعض أبيات سمعتها وعرفت بعد ذلك انها للإمام الشافعي رحمه الله يقول فيها يناجي الله عز وجل:

الست الذي ربيتني وهديتني ... ولا زلت منانا علي ومنعما
عسى من له الإحسان يغفر زلتي ...ويستر أوزاري وما قد تقدما
فان تعف عني تعف عن متمرد...ظلوم غشوم لا يزاول مأثما
وان تنتقم مني فلست بآيس ...ولو ادخلوا نفسي بجرم جهنما

تأثرت بتلك الأبيات وجلست ابحث عن نفسي وسط هذا الفراغ وأقول :كيف للفراغ ان يكون سلاحا ذو حدين ؟ كيف أضعه في الخير ؟هل هناك من نماذج تساعدني؟...لا ، فالفراغ اذا تمكن من احدهم فانه يدخله في غيابة الجب .. لا يسعى وراء هدف وليست لحياته معنى ، يرضى بأقل طموح .. الم تسمع بالشاب يسعى وراء كل ملذاته واذا تعلق الامر بالدراسة او العلم رضي بأقل الدرجات...الم تسمع بتلك الشابة التي هدفها من الحياة ان تجلس في البيت وتنتظر نصيبها المحتوم الزواج او الموت ، كيف يكون الفراغ سلاحا ذو حدين وسط كل تلك النماذج ... عندها توقفت عند  بيت للشافعي رحمه الله يقول فيه:

أن الشباب والفراغ والجدة ...مفسدة للمرأ اي مفسدة

يقصد الشافعي في هذا البيت ، ان الشباب اذا اقترن بالفراغ تحول الى مفسدة .. سانده في ذلك الشيخ الغزالي في كتابه "جدد حياتك" حيث قال : ان استثمار وقت الفراغ يكمن في التخلص منه لا باستغلاله بعد ان يوجد ..توقفت أيضاً عند مقولة هي ان "ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات"..ومتى لا تكثر الخلوات الا اذا طغى الفراغ وزاد؟!  عند ذلك ، اصبح الخط واضحا أمامي .. ان أبدأ حياتي بحلم ،وان اعيشه بهمة عالية لا تلين ... وان اقضي على أوقات الفراغ ،وان تكون ساعات الراحة بالنسبة لي هي للتفكير بما هو قادم كما يفعل المحاربون ، بالرغم من التعب الذي سيصيبني ... لكنني استشعرت بأنني قد تغلبت على احدى احتمالات الفساد وهي وجود الفراغ ، أصبحت اهتم بالتفاصيل الدقيقة في وقتي بشكل كبير .. وصرت استثمرها  بشكل ربما لا يطيقه الكثير ، هل تعلم عزيزي القارئ بان كاتب هذه السطور كان يتدرب على سياقة السيارة بعد صلاة الفجر؟! وهو ذلك التوقيت الذي لم أكن أنتفع به مرارا  قبل ذلك .. وكان المدرب بعدها يوصلني الى مدرسة الهداية الثانوية مباشرة ، تفاصيل صغيرة كهذه مهمة في حياتنا،فكم من أوقاتنا تضيع ونظنها بسيطة هينة .. وكل ذلك من أعمارنا اذا مضى لن يعود منه شيء ،زادت أحلامي ... فزاد همي..فقلت أوقات فراغي ، كم وكم من الليالي في حياتي دخلت المنزل خلالها وانا أرتدي الثياب التي لبستها فجرا ، أعطي كل ذي حق حقه من علم دنيوي+اخروي+عمل تطوعي+الوظيفة+لقاء الأصحاب ... أستطيع عمل ذلك في يوم واحد،ليس الهدف منه تنسيق الأوقات بالضرورة .. بل الهدف من ذلك كان القضاء على أوقات الفراغ البسيطة ...لأنك ان تعودت على الفراغ فهو يحب الامتداد والتوسع ،بعدها لن يكون لك مجال في محاربته لأنك قد تشبعت منه ...

مشكلتنا الرئيسية اننا نعيش ونمضي في هذه الحياة "سبهللة " بدون هدف .. على مستوى الشعوب التي نقلت العدوى الى حكوماتها ،كل حياتنا تسير بشكل عادي .. نرضى بأقل شيء وهذا من اثر الفراغ ،فأي شيء يتعلق بالشهوة يقوم الفراغ بزيادة وقودها لتمتلئ الحياة سريعاً ،وأما الهدف الحقيقي من هذه الحياة فيجعلك الفراغ ترضى بالقليل من اجل ان تخدع به ضميرك ليغط في سبات عميق وتغط انت في ملذاتك وشهواتك الخفية منها والظاهرة ، فمتى سنحاسب أنفسنا على أوقاتنا الضائعة .. فنحن مسؤولون عنها،هل نستشعر ذلك ام لا ؟! تذكر عزيزي الشاب (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن اربع..احداها"وعن شبابه فيما أبلاه ") .

# كن ذا حلم ، كن ذا هم ... ولا تمت هكذا ليكتب عند قبرك "إنسان عادي".

# حكمة: شعورك بالتقصير ،ان لم يصحبه تشمير (عمل) ... فاعلم انه تخدير (خداع للضمير).

# حكمة : إحالتك الاعمال على وجود الفراغ ، من رعونات النفس

محمد حسن يوسف