الأربعاء، 24 فبراير 2016

الشاب المسؤول


الحمدلله العظيم المنعم، والصلاة والسلام على خير خلقه النبي الخاتم... وعلى الآل والأصحاب أولي الأخلاق والمكارم... اللهم أخرجني من ظلمات الوهم، وأكرمني بنور الفهم، وحسن أخلاقي بالحلم، وزدني من بركات العلم، واجعلني من أهل العزائم.

المتمعن في إعادة ظهور "الشاب المسؤول" على سطح حياتنا من جديد بهذا الشكل المثير للإهتمام يجعل من الأمر مثار حديث واسع وأخاذ، ففي الحديث عن الأجهزة الحكومية المترهلة بحكم ارتفاع معدلات السن العاملة فيها فقد أصبحت ظاهرة تولي الشباب للمسؤوليات كالنور الذي تغلغل في حصون الظلام الحالكة.

إن للشباب مع المسؤوليات حكايات وحكايات مع تولي المراكز والمسؤوليات، فها هو " أسامة بن زيد" رضي الله عنه يقود جيوش المسلمين في مقابلة الروم بوجود كبار الصحابة رضوان الله عليهم في ركبه، وها هو "معاوية بن يزيد بن معاوية بن ابي سفيان" يتنازل عن حكم بني أمية بعد وفاة أبيه وعمره لم يبلغ العشرين ربيعاً بعد، بعيداً عن ذلك وعلى سبيل المثال.. فأعلى منصب بشري على الإطلاق هو تشريف الرب سبحانه وتعالى للعبد بأن يكون نبياً، وهذا الشرف يكون للعقل الذي بلغ مستوى النضج.. فيكون ذلك في سن الثلاثين والأربعين غالباً، أما نبي الله "إبراهيم عليه السلام" فقد كسر القواعد، تقول الروايات بأن سيدنا إبراهيم عليه السلام قد ألقي في النار وعمره لم يتجاوز السادسة عشر.. وقد علم القاصي والداني الحجج التي ألقاها ذلك الفتى على قومه "" سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم"".

مما سبق.. نبحث في عمق مسؤوليات شباب زمننا الحاضر، لنعلم ما يلزم من كون "الشاب المسؤول" مسؤولاً ناجحاً، أتحدث بشكل مبسط عن العقلية التي يجب ان تتوفر في الشاب لربما ساقه الزمن لمركز ما، والمسؤوليات كثيرة وتكاد تكون في كل مكان.. في البيت، العمل، الدراسة.. المركز لا أعني به بالضرورة منصباً دنيوياً، فهذه المراكز الدنيوية تجئ وتروح.. وقد يهبها الله لعباده لحكم نجهلها "لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون".

عزيزي الشاب.. إن الخير والشر ظاهرين بينين، والله سبحانه وهبنا العقل للتمييز بينهما وزرع فينا تلك النفس البشرية الأمارة بالسوء، وبين لنا كما حدث مع أبينا آدم عليه السلام دورنا تجاه هذه الأرض.. ودور الشيطان اللعين في غواية البشر، كل ما علينا هو أن نستمر في إدارة ذواتنا نحو القيم والأخلاق.. بعيداً عن همزات الشياطين، تلك هي مهمتنا الرئيسية.. أصعب مسؤولية على عاتق كل إنسان في أي مركز كان " قل آمنت بالله ثم استقم "... الالتزام بالمنظومة القيمة مع الأهل، الجامعة، العمل.. أي بيئة سيكون فيها هذا الشاب لهو قمة الإحساس بالمسؤولية.

تبدو "المسؤولية" ظاهرة في حياة الشاب عندما يسعى بأن يكون رقم {1} بالنسبة لوالديه، فهو كالخادم بين أيديهم، يفهم احتياجاتهم قبل أن يبوحا بها، من المعلوم أن الوالدين يعبران بمحبتهما للأولاد بشكل متساو قدر الإمكان.. لكن التقسيم الحقيقي للمحبة يكمن في مدى بر الأولاد بوالديهم، فلا يستوي الابن البار بالابن المهمل، فبالرغم من وجود غرفة للإثنين من غرفات قلب الأم والأب.. إلا أن الغرفة الكبيرة والنصيب الأوفر سيكون من نصيب الابن البار بلا شك، فيا سعد من سخره الله لقضاء حوائج والديه، عزيزي الشاب.. مسؤولياتك في الحياة تبدأ من تحت قدمي والديك، أتمنى أن تعي ذلك.

عزيزي الطالب الجامعي، تكمن المسؤولية على عاتقك في فترة الدراسة كونها ستصقل شخصيتك بشكل كبير إن أعطيتها حقها، ما يشعرني بالغثيان على سبيل المثال ما يقوم به بعض الشباب من انتقاد كل شيء يخص الجامعة.. ويرغب في تغيير كل شيء فيها سوى عاداته المرتكزة على الإهمال واللاوعي، ينتقد دكتور المادة.. ولا يفكر في طريقة دراسته لكي يحسن من وضعه، الجامعة هي اللبنة الأولى لإخراج شاب قادر على مواجهة الحياة مهنياً ومعرفياً، والوعي بذلك يجعل من الشاب متنوعاً في مصادر معارفه.. ثابتاً راسخاً رافعاً رأسه راغباً في التطور باستمرار، قد يرى البعض أنني أتكلم بشكل مثالي عما ينبغي أن يكون عليه الوضع.. المشكلة بأننا لا نركز على ما يتوجب علينا كشباب أن نقوم به، ننسى مسؤولياتنا ونلقي باللوم على أي جهة أخرى.. ومن ذلك تبرز لنا الشخصية الساخطة على المجتمع.. المثبطة للهمم.. المبرزة لكل نقطة سوداء، وما أكثر من يقوم بهذا الدور الرخيص.

بعد تأسيس الشخصية من الناحية العلمية والمعرفية والمهنية... يأتي التفكير في مسؤولية الشاب تجاه مجتمعه، قد يكون طرح هذا الجانب تقليدياً... لكن انتبه أيها الشاب، فخير الناس انفعهم للناس، والسعي وراء حاجة أخيك أفضل من الاعتكاف في المسجد، من هنا ينبغي على الشاب نشر ما يملكه من خبرات واكتساب المزيد منها من أجل النهضة باتجاهات شباب اليوم.. وبالتالي النهضة بالوطن والأمة بشكل عام، ما أحوجنا لتقديم نماذج شبابية للعالم كما كان أسلافنا يقدمون في مجال العلم والتنمية.. موضوع كهذا يجب أن يكون كالهم لجميع أطياف المجتمع، ولكن هموم الدنيا المادية طاغية على كل هم.

هذه نظرتي للمسؤولية.. فهي ليست متعلقة بمنصب أو مركز تحصل عليه، فذلك المركز قد يهبه الله لمن ليس أهلاً له، ويبعد عنه من يستحق ... كما أن الدنيا لا تبرز الا ما هو مبرزٌ لوصفي الدني، نظرتي للمسؤولية ترتكز على ما ذكرت من حرص على الالتزام بمنظومة قيمة يستمر فيها الإنسان دون ضعف... ترسيخ لمسؤولية الفرد تجاه والديه واسرته، توضيح لمسؤولية الشاب في تأسيس ذاته معرفياً ومن ناحية الزيادة في الخبرات قدر المستطاع في سبيل نهضة المجتمع والوطن والأمة، أما تلك المراكز الدنيوية.. فهي صورة للمسؤولية، وليست روحها.

 
محمد حسن يوسف