الاثنين، 5 يناير 2015

مرضٌ شبابي .. خفي

الحمدلله رب الأرباب .. مسبب الأسباب ، ينعم بفضله و كرمه و جوده على عباده الصالحين والعصاة ومن تاب ، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة للأكوان حتى الدواب .. اللهم أكرمني بنور الفهم ، وأخرجني من ظلمات الوهم ، وحسن أخلاقي بالحلم ، وافتح علي من بركات العلم ، يا عليم .

نمر في هذه الدنيا بمراحلة عدة .. ليس لها علاقة بعدد السنين وعدّاد الأعمار ، بل هنا أعني مرحلة الشباب فقط ( وعن شبابه ..  فيما أبلاه؟! ) ، تتجزأ فيها المراحل كما سترون .. فمن يزكي نفسه ، ويعمل بشغف ، ستتحدث انجازاته عنه .. و إن لم يعطه أهل الدنيا حقه .. سيأتي له يوم يقف أمام محكمة العدل الإلهية ، حيث لا هروب ولا مناص من الحق .. و أما من ران على قلبه غلاف أسود ، يشتد سواداً فترة بعد فترة .. سيتعرض إلى مراحل عدة ، فالحياة لها نغزات .. و قرصات .. وهزات ما تلبث أن تتحول إلى صفعات ، تلك سنة الله سبحانه في الكون .. فلا يأخذك بغتة بالعقاب .. ولا يرميك في دائرة النسيان إلا بعد أن ينزل عليك التحذيرات و الإشارات ..

" ما يطفح إلا اللوح " .. ذلك الجماد الذي يطفو على سطح الماء بسبب التجويف الذي بداخله ، يعبر آباؤنا بتلك الصورة العميقة بالشخص الذي تتاح له الفرصة الدنيوية  فيتصدر الناس في مجال معين و يبرز عليهم وهو لا يستحق ذلك .. قد تتاح الفرصة لبعض الشباب أن يتصدروا مجتمعاتهم لعوامل لا دخل لهم فيها ، أو ربما كانت فرصة قدمت لهم على طبق من ذهب دون سابق إنذار ..  إنها من الإنذارات الإلهية ، إن لم تكن قيمت نفسك تقييما مجرداً من هوى النفس ، وأحطت نفسك بالذين يهزونك إن أخطأت ، وينبهونك إن انحرفت ، ولم تزرع أنت التواضع في نفسك لتسمع تنبيه غيرك ، ولم ترغب في مواصلة مشوار الإستزادة من رصيد العلم ، بل اعجبتك شهوة البهرجة وأردت أن تعيش في غمارها .. فاعلم أنك قد وقعت في شراك هوى نفسك ، وظننت بأنك " أيها اللوح " قد ظهرت على غيرك .. ونسيت بأن الدرر و الجواهر مكنونة في قاع البحار وليس على اسطحها .

قد لا يلتفت الشاب إلى ما يحيط به .. ويغرر به ، فتنتهي مرحلة " اللوح " ، وتأتي مرحلة أخرى وهي مرحلة " الطبل " ، قد نستخدم في حياتنا الدارجة اسم " الطبل " ونعني به الإنسان الذي لا يشغل آليات عقله بالطريقة السليمة .. ولكن هنا أطلق اسم " الطبل " على شباب .. غررت بهم مرحلة " اللوح " ، أصبح لديهم الوقت الكافي لإصدار النصائح و توجيه المجتمع و قيادته .. صاروا يصدرون أصواتا .. وهم من الداخل فارغون ، يمضون في الحياة بلا وعي بما أنعم الله عليهم من مهارات و قدرات .. و بلا تركيز على نواقصهم وعيوبهم ، فيصرفون أوقاتهم فقط في توجيه المجتمع ، ولو أن الإنسان كان نظره حاداً على عيوبه لكفاه ذلك النظر من أن يصدر أصواتا لا تتناسب مع مكنوناته الفارغة كونه " طبل " ، أصبح البعض الآخر وبشكل وقح مريض يستغل ورقة " اللوح " البارزة أمام المجتمع .. فيغرر به ليصدر أصواتا لخدمة غيره ،  في هذه المرحلة .. يحتاج الإنسان إلى علاج عاجل .. فالصفعة قد اقترب موعدها ، ولا ندري هل ستتبعها صفعة أخرى أم ضربة قاضية ؟!

وجدت في كتاب " صيد الخاطر " لإبن الجوزي، وشروح الحكم العطائية لمشايخ كثر علاجاً مداوياً لمرض هوى النفس .. تلك الكتب ستفي بالغرض ، ولكن..هل نتجرد نحن من هوى النفس ، ونقف وقفة مع أنفسنا ونتأمل موقعنا من خارطة المجتمع ؟! تلك الخارطة التي نضعها نحن لأنفسنا بما نملك من مهارات و آليات .. وبما ينصحنا به أهل الخبرة و الفضل في المجتمع ، فالإنسان مهما بلغ من مراتب العلم لا يمكنه اقتحام الحياة لوحده في كل شيء .. فذلك سيودي به في عزلة نفسية .. او أنه سيكون هدفاً سهلا لكي يستغله البعض ، كونه " طبل " .

هنا .. وفي مرحلة متأخرة من مرض سرطان هوى النفس ، يظن المريض بأنه قد وصل إلى مرحلة تمام البنيان .. ولكن ، أي بنيان ؟! قد يعتقد بأنه حقق ذاته .. هل تم تحقيق ذاته فعلاً ، أم أنه نفذ ما تمليه عليه شهواته ؟! شهوة البروز والرفعة بدون منفعة .. شهوة القيادة بدون انتاجية فعالة ، بنيانٌ مؤسس ٌ على مرض هوى النفس القاتل .. هنا ، أقول للشاب : لو أنك كتبت الأشياء التي فعلتها في حياتك .. التي تظن بأنك سدت المجتمع بها ، وسلبتها من المجتمع الذي ظننت أنك قائده .. مالذي سيبقى من تلك الأشياء ؟! " الحياة ماشية ..  بك أو بدونك " ، فاختر لنفسك البنيان الذي تريد أن تشيده .. هل هو مؤسسٌ على مبادئ تزكية النفس ومعرفة عيوبها ، واستغلال المهارات والامكانيات استغلالاً في محله .. مع التقييم الدقيق المتجرد ، أم أنه بنيان شيدته " على شفا جرفٍ هارٍ " ؟!

محمد حسن

هناك تعليق واحد: