الحمدلله رب الأرباب .. مسبب الأسباب ، ينعم بفضله و كرمه و جوده على عباده
الصالحين والعصاة ومن تاب ، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة للأكوان حتى
الدواب .. اللهم أكرمني بنور الفهم ، وأخرجني من ظلمات الوهم ، وحسن أخلاقي بالحلم
، وافتح علي من بركات العلم ، يا عليم .
نمر في هذه الدنيا بمراحلة عدة .. ليس لها علاقة بعدد السنين وعدّاد
الأعمار ، بل هنا أعني مرحلة الشباب فقط ( وعن شبابه .. فيما أبلاه؟! ) ، تتجزأ فيها المراحل كما سترون
.. فمن يزكي نفسه ، ويعمل بشغف ، ستتحدث انجازاته عنه .. و إن لم يعطه أهل الدنيا
حقه .. سيأتي له يوم يقف أمام محكمة العدل الإلهية ، حيث لا هروب ولا مناص من الحق
.. و أما من ران على قلبه غلاف أسود ، يشتد سواداً فترة بعد فترة .. سيتعرض إلى
مراحل عدة ، فالحياة لها نغزات .. و قرصات .. وهزات ما تلبث أن تتحول إلى صفعات ،
تلك سنة الله سبحانه في الكون .. فلا يأخذك بغتة بالعقاب .. ولا يرميك في دائرة
النسيان إلا بعد أن ينزل عليك التحذيرات و الإشارات ..
" ما يطفح إلا اللوح " .. ذلك الجماد الذي يطفو على سطح الماء
بسبب التجويف الذي بداخله ، يعبر آباؤنا بتلك الصورة العميقة بالشخص الذي تتاح له
الفرصة الدنيوية فيتصدر الناس في مجال
معين و يبرز عليهم وهو لا يستحق ذلك .. قد تتاح الفرصة لبعض الشباب أن يتصدروا
مجتمعاتهم لعوامل لا دخل لهم فيها ، أو ربما كانت فرصة قدمت لهم على طبق من ذهب
دون سابق إنذار .. إنها من الإنذارات
الإلهية ، إن لم تكن قيمت نفسك تقييما مجرداً من هوى النفس ، وأحطت نفسك بالذين
يهزونك إن أخطأت ، وينبهونك إن انحرفت ، ولم تزرع أنت التواضع في نفسك لتسمع تنبيه
غيرك ، ولم ترغب في مواصلة مشوار الإستزادة من رصيد العلم ، بل اعجبتك شهوة
البهرجة وأردت أن تعيش في غمارها .. فاعلم أنك قد وقعت في شراك هوى نفسك ، وظننت
بأنك " أيها اللوح " قد ظهرت على غيرك .. ونسيت بأن الدرر و الجواهر
مكنونة في قاع البحار وليس على اسطحها .
قد لا يلتفت الشاب إلى ما يحيط به .. ويغرر به ، فتنتهي مرحلة " اللوح
" ، وتأتي مرحلة أخرى وهي مرحلة " الطبل " ، قد نستخدم في حياتنا
الدارجة اسم " الطبل " ونعني به الإنسان الذي لا يشغل آليات عقله
بالطريقة السليمة .. ولكن هنا أطلق اسم " الطبل " على شباب .. غررت بهم
مرحلة " اللوح " ، أصبح لديهم الوقت الكافي لإصدار النصائح و توجيه
المجتمع و قيادته .. صاروا يصدرون أصواتا .. وهم من الداخل فارغون ، يمضون في
الحياة بلا وعي بما أنعم الله عليهم من مهارات و قدرات .. و بلا تركيز على نواقصهم
وعيوبهم ، فيصرفون أوقاتهم فقط في توجيه المجتمع ، ولو أن الإنسان كان نظره حاداً
على عيوبه لكفاه ذلك النظر من أن يصدر أصواتا لا تتناسب مع مكنوناته الفارغة كونه
" طبل " ، أصبح البعض الآخر وبشكل وقح مريض يستغل ورقة " اللوح
" البارزة أمام المجتمع .. فيغرر به ليصدر أصواتا لخدمة غيره ، في هذه المرحلة .. يحتاج الإنسان إلى علاج عاجل
.. فالصفعة قد اقترب موعدها ، ولا ندري هل ستتبعها صفعة أخرى أم ضربة قاضية ؟!
وجدت في كتاب " صيد الخاطر " لإبن الجوزي، وشروح الحكم العطائية
لمشايخ كثر علاجاً مداوياً لمرض هوى النفس .. تلك الكتب ستفي بالغرض ، ولكن..هل
نتجرد نحن من هوى النفس ، ونقف وقفة مع أنفسنا ونتأمل موقعنا من خارطة المجتمع ؟!
تلك الخارطة التي نضعها نحن لأنفسنا بما نملك من مهارات و آليات .. وبما ينصحنا به
أهل الخبرة و الفضل في المجتمع ، فالإنسان مهما بلغ من مراتب العلم لا يمكنه
اقتحام الحياة لوحده في كل شيء .. فذلك سيودي به في عزلة نفسية .. او أنه سيكون
هدفاً سهلا لكي يستغله البعض ، كونه " طبل " .
هنا .. وفي مرحلة متأخرة من مرض سرطان هوى النفس ، يظن المريض بأنه قد وصل
إلى مرحلة تمام البنيان .. ولكن ، أي بنيان ؟! قد يعتقد بأنه حقق ذاته .. هل تم
تحقيق ذاته فعلاً ، أم أنه نفذ ما تمليه عليه شهواته ؟! شهوة البروز والرفعة بدون
منفعة .. شهوة القيادة بدون انتاجية فعالة ، بنيانٌ مؤسس ٌ على مرض هوى النفس
القاتل .. هنا ، أقول للشاب : لو أنك كتبت الأشياء التي فعلتها في حياتك .. التي
تظن بأنك سدت المجتمع بها ، وسلبتها من المجتمع الذي ظننت أنك قائده .. مالذي
سيبقى من تلك الأشياء ؟! " الحياة ماشية ..
بك أو بدونك " ، فاختر لنفسك البنيان الذي تريد أن تشيده .. هل هو
مؤسسٌ على مبادئ تزكية النفس ومعرفة عيوبها ، واستغلال المهارات والامكانيات
استغلالاً في محله .. مع التقييم الدقيق المتجرد ، أم أنه بنيان شيدته " على
شفا جرفٍ هارٍ " ؟!
محمد حسن
عجيب
ردحذف