الجمعة، 14 يونيو 2019

الصراع الزائف بين الرجل والمرأة


تحفظت قبل الخوض في غمار هذا الموضوع، لا لصعوبته بل لقناعتي بأن وسط النخب الاجتماعية والصحفية، بل ومن يقلدونهم ويقتفون اثرهم محبين لعقد المقارنات بين الرجل والمرأة بالعموم.. وبالتحديد تلك المقارنات بينهما فكريًا وجسديًا واجتماعيًا، لا لغاية تنهض بالمجتمع وتحسن من سلوك ما، بل هو لعرض أفضلية جنس على آخر، وكأن حظوظ النفس اللئيمة أخذت تسلك طريقها، فدخلنا في نفق مظلم لا تُرجى له نهاية قريبة، ولكن لنتناول الموضوع من جهة أخرى علّنا نقدم طرحًا يفيد قارئه، ويبعده عن نزاعات الجاهلية المفرقة والمحزّبة.

الضلع الأعوج:

لنعد لبداية الخليقة، ذلك الكائن الطيني الذي خُلق وحيدًا.. عُّلم الأسماء كلها وأسجد ربه تعالى له الملائكة لعظمة خلقه، لم يكتفِ ربه جل في علاه بذلك الأمر فحسب.. بل خلق له زوجًا من أضلُعه وهو نائمٌ لكي لا ينفر منها، فكانت اجمل النساء، فكان لها زوجًا وأنسًا.. وكانت له صاحبةً وسكنًا، فما السر في ذلك الضلع؟ إنه ضلع أعوج في آخره، يحمي صدر آدم عند قلبه تحديدًا، فما على آدم إلا أن يتعامل معه بحذر.. فإن أراد تقويم ذلك الضلع بشدة انكسر بين يديه، فصفته بأنه أعوج ليس عيبًا، بل ميزة .. ولكن الرجال سرعان ما يلقون الألواح.

تقسيم المهام:

اعلم يا من تقرأ هذه الحروف بأن حرص الله سبحانه وتعالى على خلقه ليعيشوا في ارضه بالشكل الصحيح اكثر من حرص الإنسان نفسه، ألم ترَ ذلك الإنسان عند صنعه لشيء ما فإنه يترك أثرًا للتعليمات بداخله؟ كذلك الرب تعالى.. لم يترك آدم وزوجه في هذه الأرض بلا تعليمات وبلا مهام.. تجلّى ذلك واضحًا بتحديد المصير النهائي "الجنة"، ومكان الامتحان الوقتي وهو " الأرض"، وأوضح لهما العدو اللدود المترصد لهما ولذريتهما "إبليس"، وقصّ للبشرية جمعاء قصة التفاحة وأثرها على آدم وحواء.. وتحميل آدم للمسؤولية بشأن ما حدث "وعصى آدمُ ربَّه فغوى" باعتباره رجلًا، والرجل لا يتملص من مسؤولياته.

التفضيل:

تناول الله سبحانه وتعالى قضية تفضيل الرجل على المرأة بعدة اشكال، وليس للتفضيل هنا معنىً إلا المعنى الذي يقترن بالمسؤولية، فلست أيها الرجل أفضل من المرأة بمجرد أنك رجلٌ أو أنها امرأة، فتجد أن الله تعالى قال عن الرجال لقوامتهم ولإنفاقهم: " وللرجال عليهن درجة". فبمسؤولية القوامة يصبح للرجل الأفضلية، ففي مقام القوامة يفعل الرجل ما لا يطيقه ليعيل عياله، وقد يصبر على أمرار الدهر نفسيًا حتى يكاد يحترق قلبه، ويفنجر رأسه، فإن عاد إلى البيت بهموم عمله قالت زوجته:" لا ترجع بهموم العمل إلى البيت". وإن ذهب إلى عمله مطرقًا رأسه بسبب هموم البيت قال له رب العمل:" لا تدخل مشاكل البيت الخاصة في العمل." فماذا يصنع؟!

من الناحية النظرية فإدخال الشأنين معًا ليس بأمرٍ رشيد، ولكن قلة من الرجال من يستطيع فعل ذلك.. ولست منهم. إذ يعسر فعلًا على الرجل أن ينافح ويكافح ليعيش ويعيل غيره، وأن يبقى ذهنه صافيًا من أي كدر، بل إن الرجل عند تعرضه للضيق الذي لا يمكنه أن يردّه بسبب مرتبة عمله.. فإن النار تستعر في قلبه، والصداع يأخذه يمنة ويسرة، ولكن وإن تكالبت عليه الهموم خارج المنزل كالجبل.. وكاد الجبل أن يسقط عليه لأوقفه، نعم.. بإمكان الرجل إيقاف جبل من الهموم القادمة من خارج المنزل، ولكنه يهتز ولا يتماسك عندما يكون الهم من داخل بيته.

 وفي مقام الأمومة يجيب النبي صلى الله عليه سلم الرجل الذي سأله: " من أحق الناس بحسن صحبتي؟" فقال صلى الله عليه وسلم: " أمك .. ثم أمك .. ثم أمك ". ولقد نعلم مقام الأمومة وما يحتويه من نصب وتعب على الأم مدى حياتها، فمسؤوليتها لا تنتهي بالحمل والولادة والرضاعة، بل بالتربية والمتابعة، بل ولا يمكنني وصف القلق الذي تشعر به الأم حين احساسها بالخطر يحدق حول أبنائها، ذلك القلق الذي يكاد يفتك بها هي الأخرى إذا زاد عن حده، ولكن لم يكلّف الله سبحانه وتعالى البشر الا ورزقهم الاستطاعة على التحمل، فجزاء والدينا الجنة يارب على ما بذلوه لنا، ما علمناه وما جهلناه.

بذلك قد علّم ربنا جل جلاله الإنسان مبدأً غايةً في الأهمية، وهو أنه " ليس لديك أسبقية لا لجنسك، أو عرقك، أو بلدك.. بل بما تحتويه نفسك من مسؤوليات تجاه مجتمعك". ولا ينزاعك في ذلك أحدٌ إلا نفسك الأمّارة بالسوء، فليست المرأة خصم للرجل والعكس صحيح، كم من أمٍّ فشلت في تربيتها لأبنائها، وانحازت إلى نفسها وحياتها الخاصة حتى قيل عنها: " إنها والله لبئس الأم". هل ذلك يعني أن نقتصر مقام الأمومة في حمل وولادة ونقول بأن الرجل يهتم بأبناءه أكثر من المرأة على وجه العموم؟! هناك من الرجال من يعود إلى بيته صارخًا: "أين الغداء؟".. يأكل كما تأكل الأنعام ويذهب ليغط في قيلولته – غيبوبته إن صح التعبير – فهل نعمم حالته على كل الرجال؟ للقواعد شواذ.

المرأة والجاهلية:

على الرغم من الزخم اللغوي التي كانت تمر به الفترة ما قبل الإسلام متجليًا في المعلقات الضخمة، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى تلك الفترة "بالجاهلية" لسببين، الأول: بسبب الفساد العقائدي، فالناس يعبدون صنمًا لا حول له ولا قوة، قد يصنع أحدهم ربه بيده من تمرٍ.. حتى إذا جاع أكله، ولا يغيّر عقيدة عجفاء ورثها من آباءه، الثاني: هو الفساد الأخلاقي، والمرأة كانت من ضمن ذلك الفساد، ففي الجاهلية تدفن الرضيعة وهي حية لجنسها، فإذا كبُرت قد تكون سلعةً بيد الرجال – كما هو في زماننا-، فجاء الإسلام ووضع الأُطر الأخلاقية التي كانت موجود قبل ذلك، ألم تسمع بهند بنت عتبة؟ نعم إنها تلك السيدة التي مثّلت بحمزة بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه بالرضاعة.. ولاكت كبده، عندما مثلت أمام النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة تبايعه على الإسلام.. توقفت عند كلمة "ولا تزنين" فقالت مستنكرة هذا التجاوز الأخلاقي والمجتمعي :" أوَ تزني الحرة؟!"  أكّد عليها ووضعها كمعيار نتحاكم به مع الجنس الآخر، ليس من هوى النفس ولا من منطلق الجنسية.. من منطلق المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية، لا بشكلٍ متساوٍ.. فإن تساوى الناس استغنى احدهم عن الآخر، ونشأ مجتمع مفكك وإن بان تحضره وتمدنه،  بل بشكل فيه مساواة ومراعاة للجميع.

إن الحالة التي يريد أن يصورها لنا البعض بأن الرجل والمرأة سيكونون في صراعٍ مادامت السماوات والأرض، وأن المرأة ستظل في رحلتها للدفاع عن حقوقها حتى تنال حريتها هو كلامٌ ليس فيه شيء من الرشد والتعقّل، هل توجد اليوم حالات تُظلم فيها المرأة لأنها امرأة؟ نعم ولا يمكن لأحد أن يُنكر ذلك.. فلا يخلو زمان من رجال ظُلّام طغوا واستكبروا ونسوا قدرة الله عليهم، ولكن لا يتم تعميم ذلك على كل الرجال كقاعدة، وإلا قوبلت بالمثل من قِبل الرجل، ولن ننتهي من هذا النقاش "البيزنطي" الذي لا فائدة منه، فلا احد يشكك في قدرات المرأة إلا قاصر نظر لتقوم هي بإثباتها، ولا تبخس حق الرجل منهن إلا جاحدة، فاحفظوا لكل ذي حقٍ حقه، وانصفوا بعضكم من بعض.. لعلنا نصل إلى طريق الرشاد والفلاح.

محمد حسن يوسف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق