الاثنين، 1 يوليو 2019

مرة أخرى..فلسطين


تستجد العديد من الأمور الخاصة بقضية فلسطين، فنكتشف معها ثغرات وثغراتٍ في أمتنا الإسلامية كفيلةً بأن تمنعنا من تقريب الفجوة لعودة القدس، في حقيقة الأمر إننا نبتعد بشكل غريب عن الهدف المنشود، بل إنني لأتحسر على الطريقة التي تُغيّب بها عقولنا، ويُمسح بها تاريخنا، حتى جاء الدنس إلى بلادنا.. فأرى أفواهًا كانت ملعلعةً فصمتت، ومنابر الجمعة التي كانت تجمعنا فنسمع منها ما يعزز توجهاتنا نحو المستقبل.. أمست لا تعرف سوى تلميح المشايخ خوفًا من مقصلة الإيقاف عن الخطابة، نسوا أن الحظ العظيم من الجهاد في سبيل الله يقع تحت "كلمة حق".. وأن ما عند الله تعالى خير وأبقى، وأن الكفن ثوبٌ أبيض دون جيوب.

أن معطيات الدفاع عن قضية فلسطين في وقتنا الحاضر قد اختلفت بشكل كبير، كنا مع طلبة الإعلام نتناقش حول القضية فخرج أحدهم برأي يقول فيه: "فلسطين وحدة من علامات الساعة، مححد ييعرف حلها الا الله بس". قلت في نفسي: " الحمدلله الذي هدى صلاح الدين الأيوبي ولم يفكر مثلك". إذا أردنا أن نقلص الفجوة بيننا وبين التحرير يجب علينا تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة (بقصد أو بغير قصد).. فهيا بنا لنمر على سلسلة من المراحل.

1- من أنت؟ وإلى من تنتمي؟:

أنا بحريني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحرينيين: "هم خير أهل المشرق"، جبلنا ربنا عزل وجل على الحلم والأناة، ونال من بأسنا وجلدنا الغزاة.. أنتمي إلى أمة إسلامية بدأت برجلٍ يتيم، كان يقول لأتباعه المحاصرين الجوعى في الشعب المقفر:" سنبلغ قصور كسرى وقيصر، ولكنكم قومٌ تستعجلون." بنى القاعدة الصلبة، ونقّى المجتمع من الفساد العقائدي والخُلقي الذي كانوا يعيشونه، فنهاهم عن عبادة الأصنام، وعزز مكارم الأخلاق،  وتركنا على المحجة البيضاء.. فجاء أصحابها الكرام فأكملوا المسيرة من بعده، ودخلوا القصر الأبيض في مدائن الفرس، وكُسر على أيديهم عتاد الروم.. زهدوا بالدنيا ففتحها الله على أيديهم، فهذا أميرهم ابن الخطاب يتسلم مفاتيح القدس الشريف بثوبٍ مرقع.. يأتيه رسول الروم وهو نائمٌ تحت ظل شجرة.. دون حشم ولا خدم ولا قصور، فقال له:" حكمت فعدلت فأمنت فنمت".

بشرعتنا تقدمنا،تصحيح للعقائد.. نظام اقتصادي عادل.. ازدهار في العلوم المختلفة والانفتاح على الحضارات الأخرى والنيل من إيجابياتها.. النظر لما عند الله تعالى فقط، فإنما الدنيا معاش، وما عند الله خير من هذه الدنيا الفانية، فلما تخلفنا عن الالتزام بالنظام صار بئسنا بيننا شديد، و تكالب علينا اعداؤنا، وصرنا على حد قولهم "عالمٌ نامي" ( نايم ) .

قضية فلسطين:
لو سألت شابًا مقبًلا على الجامعة في عالمنا: "ما هي قضية فلسطين؟" ربما لا يجيبك.. ولو نظرت إلى رياض الأطفال اليهودية ستجدهم يلقنون الصغار بقولهم :"دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات". بهذه المفارقة العجيبة نشأ لدينا جيل يعيش حالة من التوهان حول قضية هي قضيته المركزية، فلا يمكننا نصرة قضية لا نعرف عنها شيء، فيجب على النخب من المفكرين وشيوخ الدين والإعلامين تبنّي مشروع يعرض القضية الفلسطينية للجيل الحالي والقادم، ولهذا عدة وسائل أيضًا:

1- الأسبوع الفلسطيني:
فعالية تجري لمدة أسبوع في مكان مغلق، يُجمع فيها (بمساعدة الجاليات) كل ما يختص بالشأن الفلسطيني من تراث وكتب وحتى المأكولات، تُقسّم أجنحة الفعاليات على أسماء تجعل الزائر يرتبط ويتعرف على القضية الفلسطينية مثل القدس، بيت لحم، المنبر المحمودي، غزة، الخليل، نابلس.. الخ، وبيان (ولو بلمحة) عن هذا المكان وماذا يعني ليعرف الزائر مركزية فلسطين بالنسبة للمسلمين والعرب.

2- الرأي العام:
يجب علينا إزالة العوالق في ذهن الرأي العام نتيجة الجهل بالقضية.. فلما دنى الدنس من بلادنا اجد بأن الأفواه قد اقتصر على حروفٍ في عالمٍ افتراضي، فلو أننا أنشأنا فعالية الغرض منها نفض الغبار عن أعين الرأي العام، تُجمع فيها كل النخب من شيوخ، صحفيين ومفكرين، فنانين ومثقفين، قادة الإعلام الاجتماعي في لقاء تلفزيوني مباشر طويل عبر ال "يوتيوب"، وليكن من يقدم اللقاء مذيعًا متمكنًا عارفًا بأمور القضية مقدمًا لهذا اللقاء ويتم تناول القضية الفلسطينية كلٌ بما يناسب محوره، وانا على استعداد للمساهمة في الاعداد لهكذا فعالية من شأنها تصحيح المفاهيم.

إن الدنس حينما حل في بلادنا قد شعر الناس من حولنا بأننا نيام، وأنه لا كلمة للرأي العام البحريني حول ما يحدث، وما هي الا تغريدات وتغريدات،  ولكن لنعد إلى حراكٍ مجتمعي يعكس قيمتنا كرأي عامٍّ بحريني، إلى متى هذا السبات؟ فلا نقعد من نومنا حتى يفوت الوقت؟ أعلم بأنني "مسعر حرب لو كان معي رجال".. ولا أقول قوموا لتحرروا فلسطين ممن أيدي اليهود فذلك بعيد علينا في علومنا العسكرية.. وكثرة المنافقين والعملاء.. وحب الدنيا وكراهية الموت، ولكنه الوعي ثم الوعي.

3- الجناح الفلسطيني:
جناحٌ في مكان عام، يتم من خلاله تناول القضية الفلسطينية منذ عام 1909م سردًا حتى عامنا الحاضر.. مرورًا بوعد بلفور، واتفاقية سايكس- بيكو وتقسيم القدس، وبسقوط الدولة العثمانية، وحروب النكبات والنكسات والخيبات، والمجازر في فلسطين ولبنان منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، ودور البحرين في نصرة القضية الفلسطينية على مدى تلك العقود الطويلة والثقيلة على النفس.

المجتمع المفكك:
لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن ندافع عن قضية ونحن مفككون، حيث أنه لا يمكنك السماع من شخص حتى تجد الإجابة عن السؤال الشيطاني :" هذي تبع من؟" .. ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول :" دعوها فإنها منتنة." هذا السؤال "هذي تبع من" دلالة على التقسيم في مجتمعنا.. التقسيم الذي يؤدي إلى التحزب الفكري والترصد للآخر.. فما يلبث الأمر إلّا أن تحول إلى نزاع وصراع، فماذا سيؤول إليه الأمر سوى الفناء؟

اعلم أن الفرق والأحزاب أصحاب "آيديولوجيات" وأجندات مختلفة، ولكنني أقول للرأي العام بأن غزة ليست الإخوان المسلمين.. وأننا إذا لزمنا كلام "القومجية" لن ننال إلا التوهان في صحراء سيناء كما حدث في 1967م، وإذا آمنّا مطلقًا بسياسة "ميكيافيلي" فإن دماءنا ستبقى على الأرض كما حدث في 1973م، ومن ركن إلى غير الله تعالى أوكله الله إلى نفسه.

 كنّا أمة قبل الإسلام يقاتل بعضنا بعضًا من أجل خيل سبق أخرى.. فتُثار فينا نزعة الجاهلية التي قضى عليها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فلما دخل إلى المدينة المنورة آخى بين المهاجرين والأنصار، ووحّد بين الأوس والخزرج.. فأصبحت الجبهة الداخلية قوية وموحدة، أمّا إذا أردنا الفرقة.. فنحن في استحقاق للصفعات، وما تزيدننا تلك الفرقة غير تخسير.

لمحة بسيطة عن قضية فلسطين:

سنة 637م: تم فتح القدس في السنة ال16 للهجرة، وتم تسليم مفاتيح القدس بشرط  حضور الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنفسه، وتم ذلك.. وبقيت في عهد المسلمين 400 سنة بسبب الحروب الصليبية.

سنة 1187م: وقعت معركة حطين.. والتي مهدت الطريق لوقوع العديد من القلاع الصليبية في قبضة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، والذي سرعان ما جعل راية المسلمين خفاقة على اسوار القدس.

سنة 1259م: ضم القدس للمماليك بعد سحقهم للمغول في "عين جالوت".

سنة 1517م: بعد معركة "مرج دابق" أصبحت القدس ضمن الدولة العثمانية.

سنة 1909م: تم عزل السلطان "عبدالحميد الثاني" من منصب الخلافة، ويرى المؤرخون بأن السبب الحقيقي وراء ذلك هو رفضه إعطاء وطن لليهود في فلسطين، وقد عرض عليه "ثيودور هرتزل" مالًا كثيرًا، فأبى رحمه الله.

سنة 1414م: دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى، وخسارتها للقدس سنة 1917م والذي تلاه مباشرة وعد بلفور المشؤوم بإعطاء وطن لليهود في فلسطين.

سنة 1923م: معاهدة لوزان، والتي تقضي بتنازل الدولة العثمانية عن كل أراضيها سوى الأناضول، وتم إلغاء الخلافة الإسلامية كنظام حاكم سنة 1924م.

سنة 1947: تقسيم القدس، ومع نهاية الانتداب البريطاني أصبح الفراغ السياسي جاهزًا للعصابات اليهودية ليتم الإعلان عن دولتهم السرطانية سنة 1948م (النكبة).

سنة 1956م: العدوان الثلاثي (اليهود، فرنسا، بريطانيا) على مصر.

سنة 1967م (النكسة):  احتلال اليهود لسيناء والجولان والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وتفوقها على مصر وسوريا والأردن والعراق في ستة أيام.

سنة 1973م: حرب أكتوبر بين مصر وسوريا ضد اليهود، فكّرت مصر بالنصر السياسي فقط.. ولكنني اظن بأن السياسة اليهودي قد انتصرت باعتراف مصر بدولة اليهود المحتلة نتيجة اتفاقية "كامب ديفيد" 1978م، والتي أدّت إلى عزل مصر عن محيطها العربي، واغتيال انور السادات رئيس جمهورية مصر فيما بعد.

أحداث مختصرة جدًا لكي تعرض للجيل الشاب، فمن أراد الاستزادة فهناك الكثير، وفقكم الله ما يحبه ويرضاه.

محمد حسن يوسف



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق