الجمعة، 8 سبتمبر 2017

زوايا الأفكار المظلمة


يتحيّر الشاب منا حيال قضية معينة (دينية، اجتماعية، ثقافية) وذلك نتيجة تضارب الأفكار، أفكارٌ تدور في الرأس بلا ترتيب ولا نظام ولا تنقيح، يسعى للوصول إلى عين الحقيقة التي يبتغيها الجميع، في ظل وجود فئة كبيرة تعارض رأيه من حيث المبدأ فإن ذلك الشاب يقرر التزام الصمت تجاه تعبيره عن فكرته، وربما كان ذلك الصمت مؤقتاً.. فإذا انفجر الشاب وهو يعبر عن قناعاته وكأنها حقيقة قطعية يكون من الصعب إقناعه بعكس ذلك.

توارد الخواطر والأفكار في نفس الشاب يجعله عرضةً لأسئلة كثيرة يجب أن يجد حل اللغز فيها، الخطورة في الأمر تكمن في الوصول إلى إجاباتٍ خاطئة، عندها سيرسم الشاب لنفسه جسراً من الوهم ليعبر من خلاله إلى الحقيقة (التي في رأسه)، وسيبدأ في جمع الكتب والمراجع التي يستسقي منها المعلومات المساندة لوجهة نظره، فيصبح وقد تغير حاله إلى أسيرٍ للمعلومة لا باحثاً عن الحقيقة، وشتّان بين الإثنين.. فالأول تتكون لديه غريزة البحث عن المعلومة المناسبة التي بمقدوره أن يسكبها في القالب الصلب الذي وضع نفسه فيه، أما الآخر فهو متجدد منفتح.. إذا أشكل عليه أمرٌ ما لا يتركه حتى يستفحل، بل يرده إلى أهله حتى يحيط بالموضوع بجميع جوانبه من غير تحيّز أو تمايز، وبدون تعصبٍ أو عُجب.

لكي نصل إلى تلك المرحلة النهائية يجب علينا أن نقتحم زاويا الأفكار المظلمة بنور البحث المنفتح، والذي لا يتأتّى بالقراءة فقط.. بل بمناقشة الأفكار مع الأقران والخبراء والمختصين، وعدم الخوف بسبب وجهة نظر الأغلبية الذين قد يعارضونك إذا ما عبّرت عن رأيك، فلا ضير إن صححت انت مسارهم نحو الحقيقة فذلك ما تبغون، وإما أن يقنعوك هم بفكرتهم فيعتدل مسارك.. وذلك أيضاً ما تبغون، فلا تحبس رأيك الخاص إن كنت في مجلسٍ أو على مواقع التواصل الاجتماعي، اجعل ذلك جزءًا من تقييمك لذاتك.

هناك جانب آخر لا يجب أن تغفل عنه وهو جانب "الحرية المسؤولة"، فإن تمتعت بحريتك في طرح ما تريد وما لا يجرؤ الآخرون على طرحه، فلا يضيق صدرك أبداً إذا عارضك أحدهم، كونك قد استطعت حل الألغاز في رأسك لا يعني بأن الإجابات صحيحة بالضرورة، فلا تُصعِّر خدك للناس وتعتقد بأنك إنسانٌ خارج منطقة النقد، إن افكارنا مهما اختلفت اعمارنا قابلة للتنقيح والتصويب والتقييم، ونتيجةً لتدافع الأفكار من شخصٍ إلى آخر تتبلور الفكرة، وقد يساعدك أحدهم بفكرته لينضج عقلك وتأتي بفكرة أخرى.. وهذا هو جوهر الحرية المسؤولة، لا الحرية "الغبية" التي تخرج من ظلمة الأفكار إلى ظلمة الإجابة الخاطئة، تخيّل معي إن حدث ذلك بسبب غرور نفسك ما الذي سيحدث بعدها.. هو أنك ستُسيّر حياتك بشكل خاطئ، وستصنع لذاتك ذاتاً مشوهةً، فإذا ناقضت نفسك تكبرت، وإن تكشّفت أمامك الحقيقة تمردت، وظننت بأنك تحسن صنعاً !!

محمد حسن

هناك تعليق واحد: