الأحد، 6 أبريل 2014

خواطر الجمعة


الحمد لله الفرد الصمد .. الذي لم يلد ولم يولد،والصلاة والسلام على النبي المجمد ،وعلى الآل والأصحاب ومن على نهجهم سار وتقصد .. اللهم قيدنا بسلاسل اللطف إليك، واجعل بلاءنا سبيلا للوصول الى ما يرضيك،وادخلنا الجنة من غير سابقة عذاب ولا عقاب ،امين ..


الجمعة،لماذا لا ننظر الى هذا اليوم اكثر بعدا الى ما نحن عليه الان ؟! هل يوم الجمعة هو مقرون بنسبة كاملة بالصلاة فقط...ام ان الجمعة هو يوم مقرون بالمتعة والفرح مع الأهل والأصدقاء ... وهناك من يقرن يوم الجمعة بشكل سطحي اكثر ممن سبقه فيقول : هو يوم للنوم.. وللنوم فقط!! فدعونا نتعمق شيئا في هذا اليوم وأسراره ومكنوناته .. ثم نمر سريعا على حال بلادنا لنضع أنفسنا على الميزان ... لن يكون تقييمنا لتصرفاتنا كاملا كما نظن،لكنه على أية حال أفضل من ان نعيش بحال واحدة ونفعل الأشياء بشكل متكرر ونفكر بالطريقة نفسها، ثم نتوقع الحصول على نتائج مختلفة .. لا ادعي انني أنا من سيصنع الطريقة المختلفة في التفكير..فانا ومن يقرا ما اكتبه نكمل بعضنا بعضا..وخاصة من يناقش ما اكتبه ويريد ان يعرف ما اقصده بين السطور .. اسأل الله التوفيق.


الجمعة،ذلك اليوم الذي بدأت فيه علاقة البشرية بهذا الكون...فبعد ان خلق الله سبحانه وتعالى الكائنات وبث في الارض من الدواب حان وقت انشاء المخلوق الذي يستمر هذه الارض،نعم...فآدم لم يخلق الا في يوم الجمعة (وخلق الله آدم عصر يوم الجمعة) ، ومنه عليه السلام تعلمنا دروساً عظيمة في تعامله مع ربه ومع خصمه اللعين ابليس ، آدم عليه السلام .. يمكن ان تستخلص من اسمه أمرين هامين،هو انه خلقه ربه من أديم الارض (منها خلقناكم ومنها نعيدكم تارة اخرى) ، والأمر الاخر هو انه - عليه السلام - كان شديد السمرة ، اذكر هذه المعلومة في مجتمع تفشت فيه اطباع العنصرية في عصر الاسلام...في تكبر البعض لمجرد ان لونه ابيض ، فيقوم الأسود فيتباهى بلونه غيضاً لا اكثر ... ابونا آدم كان شديد السمرة فليس للون ان يفضل صنفا من البشر على حساب الاخر ، أخطا ابو ذر الغفاري رضي الله عنه يوما في حق بلال بن رابح رضي الله عنه بقوله :يابن السوداء.فلما عاتبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(انك امرؤ فيك جاهلية) وضع خده على الارض وقال:لا ابرح الارض حتى  يطأ بلال بقدمه على وجهي.قيام ابوذر بذلك كان نوع من الاعتذار لصاحبه ولنتعلم نحن قيمة هذا التصرف الراقي ولنتجب هذا الطبع الدنيء الذي بدأ يأخذ حيزا في حياتنا ومجتمعنا من جديد .. اقول في مجتمعنا لأن هذا الشيء قد نفر منه الشارع الحكيم سبحانه وتعالى..بل ولم يجعل للون مقياسا للتفاضل بين الناس ،لكن هذا الامر لا يزال منتشرا حتى في المجتمعات التي تدعي التحرر ضد العنصرية البغيضة..مجتمعات تدعي التقدم لكنها لا تزال تعيش في عصور الظلام الدامس...


من بعد يوم الجمعة .. تعرفنا على بعض العقلاء الذين صدرت منهم افعال الحمقى فأردتهم الى اسفل السافلين،اولهم ابليس اللعين .. تكبر وفسق فكان من الملعونين،وكيف كان دوره في اخراج ابينا آدم من الجنة .. لم يدر هذا الاحمق بأنه سيخرج من دائرة الرحمة الالهية،و أن آدم عليه السلام سيعلمه ربه كيف يستغفره ويسأله العفو من ذنبه الذي اقترفه...هكذا نحن البشر،ابليس وجد مادة الخلق مبررا لكي يتكبر على واحد من المخلوقات دون غيرها،اما نحن البشر...فنكاد لا نفتأ نتكبر على بعضنا من اجل خصوصيات وهبنا الله اياها ولم نكن سببا في ايجادها...فالله خلقنا وخلق شخصياتنا وافعالنا وتصرفاتنا والظروف المحيطة بنا،ولم نفكر يوما بأننا سنحاسب على هذه الامكانيات ( ولتسألن يومئذ عن النعيم)،(وعن شبابه فيما ابلاه) .. لم يكن ابليس وحده احد هؤلاء الحمقى،بل دخل على الخط ذاك النمرود الذي قال له ابراهيم عليه السلام:(ربي الذي يحيي ويميت) .. فأجاب قائلا :( انا احيي واميت ) .. وبنى لنفسه صرحا ضخما لكي يرتقيه ويقتل اله السماء ويكون هو الاله الاوحد على زعم قوله ..ارتقى الصرح ورماه فنزل عليه دم من السماء،انزله الله لكي يفتنه ليزيد في طغيانه اكثر...فهذا دأب الاحمق النمرود الذي قتلته حشرة دخلت انفه وبذل كل ما يقدر لكي يخرجها حتى انه ضرب نفسه بالمطارق حتى مات...ناهيك عن الاحمق الآخر فرعون الذي دعى الناس ان يعبدوه بقوله : ( ما اريكم الا ما ارى وما اهديكم الا سبيل الرشاد) .. وقال:( وهذه الانهار تجري من تحتي) ، فجعلها الله تجري من فوقه .. وحفظ جسده عبرة وعظة ، بهذا غلب النمرود وفرعون ابليس في حماقتهم وكبرهم... فهل لك ايها الانسان ان تتوقف عن الكبر والتعالي،وان توقن بأن ما تملك كان له بداية وسينتهي الى غيرك ولن تأخذه معك الا ان عملت عملا صالحا به مخلصا به وجه الله تعالى ..


في يوم الجمعة .. ينتهي كل شيء،تقوم الساعة على اشقى الخلق يومئذ .. ( ولا تقوم الساعة الا يوم جمعة ) ، فعندها سنعرض على ميزان الحق ،فمنهم من يمر بدون حساب ..ومنهم من يدخل ليقابل رب العزة،فيسأله ولكن هل من جواب؟! .. ومنهم من لا ينظر اليهم ربهم يوم القيامة فتعسا لهم من خلق ...  حتى في ذلك اليوم يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم :( اذا قامت الساعة على احدكم وفي يده فسيلة فليغرسها ) .. دلالة على ضرورة العمل وتواصله منذ اول انسان خلقه الله يوم الجمعة الى الجمعة الأخيرة من الدنيا ، لا اريد ان اغوص في ميدان المثاليات لأن الواقع لا يدع مجالا لتلك الشعارات .. لكنني مؤمن بالقاعدة النبوية التي تقول : ( كما تكونوا يولى عليكم ) .. وبالقاعدة الربانية التي تقول : ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .. كم من حاكم افسده شعبه وواقعنا مليئ بالامثلة ، اذا دخلت عزيزي الشاب الى سوق العمل او دخلت فعلا ستجد العجب والعجاب حينما يستغل الموظف ولو كان بسيطا القوانين لتكون لصالحه حتما،حتى افتقدنا البركة من الله على اعمالنا وان كانت جيدة ..ولكن روح الاخلاص غابت عنها ، ماذا عن ذاك الموظف – وغيره – الذي يستغل وقت الصلاة ليرتاح ساعتين ونصف بدلا من الساعة .. ويتناول فطوره الصباحي لساعة ، ويوزع الابتسامات والكلمات هنا وهناك .. وعند وقت الخروج تسمعه يقول بكل جدية وبجاحة : ( والله تعبت اليوم )  ماذا عن تلك السيدة التي تستغل بندا في ديوان الخدمة المدنية اسمه "اجازة الحج" فتأخذ به لتسافر الى الولايات المتحدة الامريكية للنزهة ..!!. ماذا عن ذاك الطالب الجامعي الذي كنت اراه في جامعة البحرين "مبنى 15-مدينة عيسى" .. يقود مسيرات طلابية بعنوان "حقوقنا اولا" ، ثم يعود الى "قاعة 32 " لكي يمارس لعبة "البلياردو" ولعبة "الريشة الطائرة" بدلا من حضور المحاضرات والدراسة والحرص على نتيجته الدراسية الغير مضمونة النتائج حسب الطريقة التي تعطى بها الدرجات في جامعة البحرين .. ماذا عن ذاك المواطن المسكين الذي وضع نصبا كبيرا على سيارته ال "القرمبع" محتفلا بالعيد الوطني في البحرين مرهقا كاهله بمبلغ كبير،من كلفه بذلك؟! ماذا عن ذاك المسؤول الذي لا يدري عن ماهو مسؤول عنه،هو يدري فقط عن القيمة المادية التي يتحصل عليها آخر الشهر ...  كان شريفا قبل ذلك ولكن الدنيا اذا فتحت على احدهم اصبح على الاعين مثل ال "ران" ،يغطي قلوبهم وعقولهم قبل اعينهم ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) .. واشكال الفساد وارقامه كثيرة،ولكننا مطالبون بالتغيير في اماكننا اولا : ( يا ايها الذين آمنوا عليكم انفسكم،لا يضركم من ضل اذا اهتديتم ) .. هذا ما يعلمنا  اياه يوم الجمعة ، ( فليغرسها) تعلمنا بضرورة العمل مهما كانت الظروف ومهما كانت المعطيات .. نحن شعوب مجهلة،مغيبة،ولكننا في نفس الوقت فاسدة بشكل او بآخر ولهذا سلط الله علينا شرار الخلق ..فينا الخير وهو كثير ،ولكن قيل :( انهلك وفينا الصالحون؟ ) ..فجاء الجواب من معلم البشرية الخير صلى الله عليه وسلم :( نعم .. اذا كثر الخبث ) .. في زمننا هذا ينطبق عليه المثل الشعبي القائل : " ما يطفح الا اللوح" ، فبالرغم من  قيمة " اللوح " الجزئية لكنه يبقى مجوفا من الداخل،فارغا...يخرج على سطح الماء متمايلا مختالا مستعرضا .. فتكون الانجازات العريضة هباءا منثورا ، بالرغم من ذلك ..علينا ان لا نعمل في المجال الذي تخصصنا فيه فحسب،بل يجب علينا ان نبرع فيه ( المؤمن لا يعدم الحيلة) .. ولا بد من وسيلة ما ، فالمهندس يبرع في مجاله،والاعلامي يبرع في ان يخرج الصوت والصورة بشكل مبتكر وجديد..والمتخصص في الامور المالية يقوم بعمله بتفان واخلاص ، والمتخصص في الامور التقنية يبحث عن الجديد ويطور من نفسه ومن عمله وهكذا في جميع التخصصات .. نفرغ جميع طاقاتنا في الكلام والشكوى على الوضع دون حراك ، فلا خير فينا ان لم نعمل ونعمل ونغير قدر استطاعتنا..مع عدم نسيان التذكير بتزكية النفس والرقي بها عن الامراض القلبية التي تدعو الانسان الى العجب والكبر والغرور،معذرة لنا امام الله الذي قال لنا نبيه صلى الله عليه وسلم عن القيامة وهي اشد ظرف يمر به ابن آدم ( وفي يد احدكم فسيلة فليغرسها ) ..


للعلم :

# كلما اناقش شبابا على ما اكتب كلما تحسنت اكثر..(رحم الله امرئ اهدى الي عيوبي) .

# كان مقررا ان اكتب عن برنامج "بليف" فهو من اجمل الظواهر في حياتي،ولكن الاخ "محمد الوزان" فضل ان اكتب عنه في وقت معلوم لاحقا .

# حكمة : من علامة النجاح في النهايات .. الرجوع الى الله في البدايات .


دمتم بود .. بقلم : محمد حسن يوسف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق