الخميس، 3 أبريل 2014

الفراغ


الحمدلله العزيز الحميد ... والصلاة والسلام على الداعي الى الطريق السديد ، اللهم اشمل الصلاة على نبينا الآل والأصحاب والاتباع من قريب وبعيد .. اللهم أكرمني بنور الفهم  ، وأخرجني من ظلمات الوهم ، وحسن أخلاقي بالحلم .. وافتح علي أبواب رحمتك .

عندما انتقلت مع عائلتي الى العيش في منطقة عراد،كنت في الثانية عشر من عمري..كنت وقتها في عزلة اجتماعية،فليس لدي أصدقاء في ذلك الحي الجديد .. وكنت حديث عهد بال"بلايستيشن 1" ،وكنت وقتها اتقاسم وقت اللعب مع اخي الكبير يوسف ... لكن الفراغ القاتل كان يشعرني بأن القسمة بيني وبينه لم تكن عادلة، فقررت ان استثمر الوقت بعد صلاة الفجر بعد عودة ابي من المسجد و خلوده الى النوم ..انسل بعدها من سريري  واحصل على سويعات انفرد بها للعب بدون الشعور بتسلط الأخ الأكبر ... انه أسلوب واحد، تختلف الأساليب باختلاف الأفراد والعوامل ، الفراغ .. ذلك العامل الذي يتشكل بصور متعددة امام الشباب ، فيعلقهم بشهوة ما ... بدون هدف واضح ،فيقع الشاب في فخ ضياع الأوقات ، وهو ابرز جدال وأعظم درس يحاول الوالدان إيصاله الى الأبناء وهم صغار ... اسمع في خطب الجمعة ان الفراغ سلاح ذو حدين ، فإذا وضعته في الخير كان خيرا وإلا فالعكس هو الصحيح !! هذا الكلام لم يكن محددا ، فكل الأمور في الحياة غالبا ما تكون سلاحا ذو حدين ... فالعلم بالرغم من أهميته تجد انه يستخدم في كثير من أمور الشر وما السيد"الفريد نوبل " منا ببعيد ، ذلك الذي اخترع الديناميت واستشعر الذنب الذي اقترفه متأخراً ..

تأثرت ببعض أبيات سمعتها وعرفت بعد ذلك انها للإمام الشافعي رحمه الله يقول فيها يناجي الله عز وجل:

الست الذي ربيتني وهديتني ... ولا زلت منانا علي ومنعما
عسى من له الإحسان يغفر زلتي ...ويستر أوزاري وما قد تقدما
فان تعف عني تعف عن متمرد...ظلوم غشوم لا يزاول مأثما
وان تنتقم مني فلست بآيس ...ولو ادخلوا نفسي بجرم جهنما

تأثرت بتلك الأبيات وجلست ابحث عن نفسي وسط هذا الفراغ وأقول :كيف للفراغ ان يكون سلاحا ذو حدين ؟ كيف أضعه في الخير ؟هل هناك من نماذج تساعدني؟...لا ، فالفراغ اذا تمكن من احدهم فانه يدخله في غيابة الجب .. لا يسعى وراء هدف وليست لحياته معنى ، يرضى بأقل طموح .. الم تسمع بالشاب يسعى وراء كل ملذاته واذا تعلق الامر بالدراسة او العلم رضي بأقل الدرجات...الم تسمع بتلك الشابة التي هدفها من الحياة ان تجلس في البيت وتنتظر نصيبها المحتوم الزواج او الموت ، كيف يكون الفراغ سلاحا ذو حدين وسط كل تلك النماذج ... عندها توقفت عند  بيت للشافعي رحمه الله يقول فيه:

أن الشباب والفراغ والجدة ...مفسدة للمرأ اي مفسدة

يقصد الشافعي في هذا البيت ، ان الشباب اذا اقترن بالفراغ تحول الى مفسدة .. سانده في ذلك الشيخ الغزالي في كتابه "جدد حياتك" حيث قال : ان استثمار وقت الفراغ يكمن في التخلص منه لا باستغلاله بعد ان يوجد ..توقفت أيضاً عند مقولة هي ان "ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات"..ومتى لا تكثر الخلوات الا اذا طغى الفراغ وزاد؟!  عند ذلك ، اصبح الخط واضحا أمامي .. ان أبدأ حياتي بحلم ،وان اعيشه بهمة عالية لا تلين ... وان اقضي على أوقات الفراغ ،وان تكون ساعات الراحة بالنسبة لي هي للتفكير بما هو قادم كما يفعل المحاربون ، بالرغم من التعب الذي سيصيبني ... لكنني استشعرت بأنني قد تغلبت على احدى احتمالات الفساد وهي وجود الفراغ ، أصبحت اهتم بالتفاصيل الدقيقة في وقتي بشكل كبير .. وصرت استثمرها  بشكل ربما لا يطيقه الكثير ، هل تعلم عزيزي القارئ بان كاتب هذه السطور كان يتدرب على سياقة السيارة بعد صلاة الفجر؟! وهو ذلك التوقيت الذي لم أكن أنتفع به مرارا  قبل ذلك .. وكان المدرب بعدها يوصلني الى مدرسة الهداية الثانوية مباشرة ، تفاصيل صغيرة كهذه مهمة في حياتنا،فكم من أوقاتنا تضيع ونظنها بسيطة هينة .. وكل ذلك من أعمارنا اذا مضى لن يعود منه شيء ،زادت أحلامي ... فزاد همي..فقلت أوقات فراغي ، كم وكم من الليالي في حياتي دخلت المنزل خلالها وانا أرتدي الثياب التي لبستها فجرا ، أعطي كل ذي حق حقه من علم دنيوي+اخروي+عمل تطوعي+الوظيفة+لقاء الأصحاب ... أستطيع عمل ذلك في يوم واحد،ليس الهدف منه تنسيق الأوقات بالضرورة .. بل الهدف من ذلك كان القضاء على أوقات الفراغ البسيطة ...لأنك ان تعودت على الفراغ فهو يحب الامتداد والتوسع ،بعدها لن يكون لك مجال في محاربته لأنك قد تشبعت منه ...

مشكلتنا الرئيسية اننا نعيش ونمضي في هذه الحياة "سبهللة " بدون هدف .. على مستوى الشعوب التي نقلت العدوى الى حكوماتها ،كل حياتنا تسير بشكل عادي .. نرضى بأقل شيء وهذا من اثر الفراغ ،فأي شيء يتعلق بالشهوة يقوم الفراغ بزيادة وقودها لتمتلئ الحياة سريعاً ،وأما الهدف الحقيقي من هذه الحياة فيجعلك الفراغ ترضى بالقليل من اجل ان تخدع به ضميرك ليغط في سبات عميق وتغط انت في ملذاتك وشهواتك الخفية منها والظاهرة ، فمتى سنحاسب أنفسنا على أوقاتنا الضائعة .. فنحن مسؤولون عنها،هل نستشعر ذلك ام لا ؟! تذكر عزيزي الشاب (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن اربع..احداها"وعن شبابه فيما أبلاه ") .

# كن ذا حلم ، كن ذا هم ... ولا تمت هكذا ليكتب عند قبرك "إنسان عادي".

# حكمة: شعورك بالتقصير ،ان لم يصحبه تشمير (عمل) ... فاعلم انه تخدير (خداع للضمير).

# حكمة : إحالتك الاعمال على وجود الفراغ ، من رعونات النفس

محمد حسن يوسف 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق