الخميس، 2 أكتوبر 2014

الخوف

الحمدلله الرحيم الرؤوف .. والصلاة والسلام على نبينا الهادي العطوف ، وعلى الآل والأصحاب .. ومن خلفهم إلتزم الصفوف ، اللهم اخرجني من ظلمات الوهم .. واكرمني بنور الفهم .. وحسن أخلاقي بالحلم .. وادخلني الجنة من غير حزن ولا خوف.

   للخوف فلسفة عجيبة غريبة .. إذا ابحرت فيها ستجد بعض المعاني المتناقضة فعلا ، ستجد أنماطاُ مختلفة .. منها ما يلقي بك إلى دركات الفشل السفلى ، ومنها ما يدفعك لتصل إلى الدرجات العلا .. و آخر يجعلك في منطقة الراحة ، مهما ضاقت تلك المنطقة أو وسعت .. شعور يخالج كل إنسان ، انظر إلى موسى بن عمران – عليه السلام - ، من أولي العزم من الرسل ...  ولكنه تعرض إلى موقف في حياته .. هو باختصار الخوف من المجهول ، وهو أعظم خوف يواجهه الإنسان .. فهو يعرف كيف ستتحول العصا إلى  ثعبان عظيم ، لكنه لم يعلم بعد لماذا؟ وماذا ستفعل ؟ وكيف ستكون ردة الفعل؟ نعم ..  اسئلة جعلته يحتار ويخاف أمام سحرة فرعون لأنه يقف أمام مجهول سوف يحدد مصيره ( فأوجس في نفسه خيفة موسى ).

   عندما كنت طالباُ في أكاديمية الخليج للطيران ..كنت احضر إلى الإمتحان في خوف شديد من الرسوب ، وكنت أرسب فعلا .. فأستغرب ، لأن المجهود الذي بذلته في الدراسة ليس قليلا .. لكنه لم يكن كافيا على الأقل من الناحية النفسية  وهذا ما استطعت أن اغيره عندما ألتحقت في الجامعة الأهلية .. غيرته بأنني تذكرت مقولة أحدهم عندما كان يقيمني كحارس مرمى في كرة القدم قائلا:"بوحسن انت في القوول (المرمى) اتعرف وين توقف  .. وما اتخاف ". جعلتني هذه العبارة احفر داخل ذاتي اكثر فأكثر .. وأقيم ذاتي بشكل متجرد و بدون عاطفة .

   كان علي أن اغير نظرتي إلى نقاط ضعفي ... كنت أقول لنفسي : قد تكون نقاط الضعف نقاط قوة في بعض الأحيان ، لم لا ؟ بدأت بتحويل نقاط  الضعف إلى نقاط قوة .. و كيفت عقلي على ذلك ، زرنا أنا و أخي "محمد الوزان" الأخ "احمد المالود" في المستشفى لوعكة أصابته .. قال لي محمد : "عقب ما شرينا الأغراض الا يطلع مرخصينه المسشتفى؟؟! فقلت : معناته أهو صار زين علشان جذي رخصوه.

    بقي الخوف بداخلي كما هو .. لكنني أصبحت انظر إليه بنظرة أخرى ، فبعد أن كنت اتخوف من الرسوب أصبحت أفكر في الحصول على درجة الإمتياز في كل مادة ادرسها ، الخوف هو هو .. لكنني أصبحت أركز في التفاصيل أكثر ، اصبحت اكثر قدرة على الصبر وتغيير المعطيات متى ما  سنحت الفرصة .

   لا بد من خوف .. ذلك الخوف الذي يدفع الإنسان إلى الحفاظ على مكتسباته وتطويرها ، يدفعه لكي يفي بمسؤولياته ولا يتهاون ولا يتراجع ، آخر أسبوع قبل عرض مسرحية "أروح لمين" كان  جميع الممثلين خائفين من الشكل الذي سيظهر به العمل .. في العروض العادية وقبل الإبتداء كانت عادتي هي أنني اتمشى على الخشبة .. وأطل على الجمهور من الستارة لعلني أجد أحدا أعرفه ، ولكنني قبل "اروح لمين" وكأن حجارة ربطت على قدمي من الخوف الشديد .. مع سير المسرحية وقبل دخولي لأداء مشهد "البحراني" اشتكى لي المخرج من هبوط الإيقاع .. وطلب مني رفع مستوى الأداء ، فحولت الخوف بداخلي إلى شيء إيجابي ، فقلت لنفسي : " أنا مقلد ..   ولست ممثل " . تلك الجملة كانت دافعا لي للتركيز على تفاصيل ما أقوم به .

   حول الخوف السلبي إلى دافع .. فإن لم يكن موجوداُ فعليك أن توجده بداخلك ، عليك أن تصنع لك بعض العوامل المحفزة لكي تتقدم إلى الأمام ، بدون خوف .. لن تحرص على مكتسباتك ، بدون خوف .. لن تطور من أفكارك وأساليبك ، بدون خوف .. ستبقى في منطقة الراحة ، وستعيش وتموت إنسانا عاديا ، بدون خوف .. لن تكون إنسانا متنوع الخطط .. جاهزا لكل احتمال .. متحفزا على الدوام ، متجددا في كل حال ، الخوف يولد الحرص ، وسيحول منك إنسانا قتاليا  أكثر إصرارا على مجابهة صراعاتك مهما صغرت  أو كبرت ، مهما كان للخوف آثار سلبية .. ومع ما يزرعه في عقلك من أفكار مشوشة .. ولكن ، لا بد من خوف .

   محمد حسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق