السبت، 26 نوفمبر 2016

علماء الدين والشباب

الحمدلله الرب على عباده المتفضِّل.. بنزول القرآن الكتاب الأكمل، والصلاة والسلام على النبي من عباده الأمثل.. وعلى الآل والأصحاب، ومن سار على نهجهم في سبيل الله الظاهر لكل متأمّل، اللهم أخرجني من ظلمات الوهم، وأكرمني بنور الفهم، حسِّن أخلاقي بالحلم، وزدني من بركات العلم، والطريق إليك ربي فسهِّل.
ذهب نور النبوة بعد انتقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وبقي ميراثه يشعُّ في الآفاق، ليس ذلك الميراث الذي نعرفه من الدنانير والدراهم.. بل هو العلم (إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم)، والعلماء هم ورثة الأنبياء.. الذي ينقلون ويوضحون ويفسرون ويجتهدون في استنباط الأحكام من الكتاب الكريم ومن السنة النبوية، فكيف تكون علاقتنا بهم نحن معشر الشباب؟ إن المتأمل في حال العلاقة بين الشباب وعلماء الدين لا تخلو في زمننا هذا من بعض الشوائب، تلك الشوائب لابد للطرفين من السعي لبعضهما البعض من أجل تشخيصها واستئصالها حتى يعيش المجتمع على شرعة الله سبحانه في كل الظروف والأحوال.. فإن لم يقم الشاب بواجبه تجاه التقرّب من عالم الدين عاش تائهاً ضالّاً، وأن لم يقم عالم الدين بواجبه فلينتظر ثورة على الدين نفسه.
هل الدين علم؟!:
الكثير من الشباب بل وحتى من هم أعلى عمراً وشأناً في الحياة الدنيا يقول: "الإسلام شيء، والاجتهادات الإسلامية والفكر الإسلامي المطروح شيء آخر، فلا حرج من عدم الالتزام بالفتاوى التي يصدرها المشايخ، باستطاعتك أن تقرأ الكتب بنفسك وتستنبط منها ما تراه يناسبك." أقول: لنبحث أولاً سؤال هذه الفقرة "هل الدين علم؟!"، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت:" بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ"، ويقول سبحانه:" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يقولون آمنّا..."، ويقول سبحانه:" إنما يخشى اللهَ من عبادِهِ العلماءُ"، وضّح القرآن الكريم أن هذا الدين هو علم، كما أنه وضّح أن من يتبع المتشابه من القرآن المقتحم بجهله ابتغاء تأويله سيقع في الفتنة.. تلك الفتنة التي تجعلك تشعر بأن أهلٌ للبحث والاستنباط وانت فاقد لشروطه، الفتنة التي تجعلك عزيزي الشاب تقتحم مجالاً ليس بمجالك.. وكأن الدين بالنسبة لك (ليس من باب التعميم) مجرد بعض الأحكام التي يجب أن تفصّلها كالثوب على جسدك، نعم.. أنك تقع ذلك باقتحام تخصص لست له بأهل، إن السبب الأول الذي أظنه لحدوث الفجوة بين الشباب وعلماء الدين هو عدم احترام التخصص، اتحدث هنا عن جانب الشباب.. من السهل أن تبحث في الشبكة العنكبوتية عن حكم فقهي وترى ما يناسبك وتفعله دون الرجوع إلى عالم الدين، ولكنك لا تستطيع أن تبحث في الشبكة عن علاجٍ لمرضٍ ما دون الرجوع إلى أهل الاختصاص في الطب، لا يمكن للدولة أن تبني الجسور دون الرجوع إلى أهل الاختصاص من المهندسين، لا يمكنك بناء استراتيجية اقتصادية دون الرجوع إلى الاقتصاديين، إنهم (علماء الدين) أهل التخصص الذين بمقدورهم تفكيك الأمور بمعايير صحيحة منضبطة بمنهج قرآني وصنعة حديثية رصينة، ولو كان لنا أن نفعل ما نشاء بالعلوم دون الرجوع إلى أهل الاختصاص لانتفت حاجة الناس للناس، ولوقعنا في التطبيق الخاطئ نتيجة عدم الالمام التام بالتخصص (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).. نحن نحترم التخصصات الأخرى، ولكننا في الدين بالذات تأتينا الجرأة على التعدي والاجتهاد و(التفلسف) إن صح التعبير.
الشباب والشبهات:
قد يقول أحدهم:" تخرج علينا في وسائل الإعلام الكثير من الفتاوى الجريئة والغريبة، فنرى التناقض الكبير بين أسلوب حياتنا الذي نعيشه وبين تلك الأحكام، فأحدهم يُنكر الحجاب ويقول:" هو للتفرقة بين الأمة والحرة، ولا حجاب في الإسلام". ومنهم من يقول:" للخاطب في النظرة الشرعية أن يرى الفتاة التي يريد خطبتها (لم يعقد عليها) بدون حجاب، الشمس تجري والأرض متوقفة.. ومن لم يؤمن بذلك فهو كافر بالله سبحانه، تقبيل الفتاة الأجنبية من "اللمم" الذي يعفو الله عنه". كل تلك الفتاوى الغريبة العجيبة ليست بالأشياء السرية المخابراتية... بل هي في وسائل الإعلام ومنتشرة بين الشباب والشابات.. فماذا عسانا أن نفعل؟!
إن قلة ظهور المشايخ أصحاب المناهج المنضبطة في وسائل الإتصال الجماهيرية يُحدث فجوة كبيرة بينهم وبين الشباب، ويعطي ذلك المجال للرويبضة (التافه يتكلم في أمر العامة)، أصحاب المناهج المختلّة الذين يسترزقون بالدين.. وهم موجودون في كل زمان قديمٍ أو حديث، وهنا يكون الشباب بين مطرقة الجهل بالحكم وسندان الفتاوى الخارجة عن منهج العقل، فكيف السبيل للوصول إلى بر الأمان؟ في الجانب الآخر تكبّر الكثير من الشباب على سؤال المشايخ والبحث بصدق وبطريقة صحيحة سليمة والاعتماد على الذات (القاصرة الجاهلة) جعل الشاب يغوص في أحكام غير صحيحة.. فإذا عرف بعدم صحتها صُعب أمر الرجوع، فالاعتراف بالحق ثقيل على النفس ولا تتسع صدور الكثيرين له.
إن الله عز وجلّ كفل لك الوصول إلى الحق مادمت تسير في المنهج الصحيح وهو البحث مع سؤال أهل الاختصاص (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا)، والتمتع بالتواضع وحسن الخلق والانكسار، كما يجب عليك الانصياع والانقياد لأوامر الله بما أنك آمنت به وبشرعته (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)، فما كتبه عليك هو خيرٌ لك في دينك ودنياك وآخرتك وإن لم يعجبك (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم)، وقد يكون ما تحبه وتهواه نفسك وتدفعك إليه هو ما يخالف أوامر الله (وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، المسألة ليست بفعل الأفعال وفقد وكسب الأشياء.. بل هي الطريقة التي تدين بها الله سبحانه وتعالى عليه، وإن العيش هو عيش الآخرة، بعد النظر منجاة.. والسطحية مَهلَكَة.
محمد حسن يوسف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق