الأحد، 19 فبراير 2017

نقد الذات، سلّمٌ إلى النجاح


يغفل الإنسان أحياناً بطبيعته.. فيقف عند المهم (في نظره) ويترك الأكثر أهمية، يريد تغيير العالم بأسره.. ولا يلتفت إلى نفسه التي بين جنبيه، ينتقد نظام الدراسة والأنظمة الاجتماعية والعالم كله، ولكنه لا يتوقف فيقيّم نفسه بنفسه.. فيصبح إنساناً بلا بصمةٍ اعتباريةٍ على سطح المعمورة، وقد يُستغل جهده ووقته من أجل إنجاح مخططات الآخرين.. من هذا المنطلق وجب الوقوف على الذات البشرية من أجل تنقيتها من العيوب والدسائس والحواجز في سبيل تحقيق النجاح، إنها مهمة شاقة تحتاج فيها إلى مجاهدة وصبر، وتجرد من العاطفة المضللة، والكثير الكثير من التواضع وحسن الخلق، واستغلال لعامل الوقت.

اعلم عزيزي الشاب أن ذاتك البشرية مكونة من خواطرَ بشرية، وامكانيات ومهارات تستند عليها لأخذ القرارات، مثال: الخاطر يأتيك بأنك تريد أن تأكل، فتبدأ بالبحث عن الأكل أو طبخه (إمكانيات ومهارات)، ثم تأخذ القرار بالأكل وفي التوقيت الذي تريده، فإذا كبُرتَ وازدادت مداركُكَ العقلية والثقافية فستتطور امكانياتك ومهاراتك، وكلما اتاك الخاطر في أمرٍ ما أصبحت انت المتحكم فيه، فإما عزمت على أخذ القرار وإما حجمت عنه.. إضافة إلى ذلك فالمرء يقع على عاتقه البحث عن نواقص مهاراته وعيوبه التي تشكل عائقاً في سبيل تحقيق أهدافه، ها قد حللنا بشكل بسيط تلك النفس البشرية، فماذا بعد؟


"أهدافهِ".. عندما نسأل المشاركين في برامجنا القيادية عما إذا كان هناك هدف عزيزي الشاب تريده من هذه الحياة، فلا يستطيع صياغة جوابه بعبارة واضحة لا بالكتابة ولا بالمشافهة، وقد يكتفي بذكر أهدافٍ رنانةٍ ليُطرب بها أذن السائل.. لأنه يهمه أن ينظر إليه الناس نظرة اعجاب وفخر، وهو كالطبل صوته عالٍ وداخله أجوف.. الأمر الآخر وهو ذكر العيوب، فنحن نعرف عيوبنا ولكننا لا نواجه أنفسنا بها، فإذا سألت الشاب/ة عن حسناته أخذ لسانه – أو قلمه- يجر الكلام جراً، كلمةً وراء الأخرى.. فإذا سألته عن عيبه خرس.


"الخطة".. وقفت "Alice" على مفترق الطرق، فسألت الأرنب:" أي الطرق أسلك؟" فأجاب الأرنب:" إن لم تعرفي الهدف.. فاسلكي أي طريق". ومن هنا يتخبط الشاب، فلا هدف ولا خطة يؤديان إلى صنع إنسان زائد ذو طباع أغلبها حيوانية.. فنحن خلقٌ جئنا لنعمر الأرض ونترك البصمة ونؤدي الرسالة... الخطة تنقسم إلى خطط عامة عريضة، وخطط جزئية مرحلية.. فإن رابك ريبٌ من عدم قدرتك على تحقيق  الخطة العامة.. فعليك أن تجزئها، فليس هناك أحدٌ نجح بخطته بدون مجاهدة وصبر وزمن، لا تخشَ الزمن.. واخشَ الكسل.


"الجد والمثابرة".. هل أخبرك احدهم بأنك ستصل إلى النجاح بدون تعب مضني؟! أخبره بأنه مغفل.. يقولون في الأمثال الشعبية: " مكة ما انبنت في يوم"..  دلالةً على عدم استعجال النجاح وعدم التقليل من شأن الوقت الذي تقضيه في المثابرة والجهد والعمل، بعضهم يحتاج إلى رفع الوتيرة ليبلغ النجاح.. وبعضهم قد يفضل الحفاظ على نفس الوتيرة من البداية إلى النهاية، كل ذلك مرهونُ بالخطة، والامكانيات والمهارات.. فالإنسان مع مرور الزمن ينضج فكره، فتزيد مهاراته، فيشتد عزمه.. ومناط الاستمرارية التفاؤل بالمستقبل.


"المقياس".. تحقيق الأهداف يجب أن يرتبط بمقياس، وعليه تُبنى الخطط القادمة.. وكأنك عزيزي الشاب قد دخلت مرحلة التقييم لخطتك، فإذا لم تنجح الخطة (ولا بأس) فعليك أن تبحث عن طريقٍ آخر، والمؤمن لا يُعدم الحيلة.. على أن يكون هذا المقياس صحيحاً، فعلى سبيل المثال خلود عرضٍ مسرحي على موقع "اليوتيوب" بعدد المشاهدين له ليس مقياساً صحيحاً على نجاح ذلك العرض.. بل بالأثر النافع  الذي تركه على أرض الواقع، قال تعالى:  (فأما الزبد فيذهب جفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، وذلك لكي نحقق الرسالة التي من أجلها خلقنا الله سبحانه (إني جاعلٌ في الأرض خليفة).


"نقد الآخرين".. وهنا مبحثٌ عظيم، فنقد الآخرين سلمٌ تصعد به إلى المراتب العليا متى ما تمتعت بسعة الصدر في تقبله والاستفادة من مكنوناته، قد لا يسخر لك الله سبحانه أناساً ينتقدونك بأساليب نيّرة تناسبك.. فتلك الأم إن انتقدت ابنها قد تقسو عليه من أجل مصلحته، والناس يا عزيزي في هذا أشكال وألوان.. فالقليل من سينتقدك لغرض الفائدة، وأغلبهم سيجاملك حتى ينتفخ صدرك فخراً، ومنهم من يقع في الإجحاف فينفجر رأسك من انتقاده غضباً وقهراً، فابتعد عن هذا وعن ذاك، وركز على النقد الذي يتماشى مع خطتك.. فإن رأيت بأن النقد قد زاد في خطتك جوانب تُثري مداركك العقلية مما يدفعك إلى العمل والجهد والمثابرة فخذه، وإن رأيت من الناقد وكلامه عدم التناسب مع خطتك وأهدافك وامكانياتك (التي لا يعلمها الا انت)، وجلستَ تفكر في الكلام السلبي.. فسيتحول النقد السلبي إلى أذى، وأدنى شُعَبُ الإيمان اماطة الأذى عن الطريق.

محمد حسن يوسف


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق