الخميس، 13 مارس 2014

العمل التطوعي وتزكية النفس ( التواضع )

الحمدلله الفرد الصمد،الذي لم يلد ولم يولد ... والصلاة والسلام على حامل اللواء الأوحد ، محمد نبي الأمة الممجد ، اللهم أكرمني بنور الفهم ، وأخرجني من ظلمات الوهم .. وافتح علي أبواب رحمتك .

بعد أزمة ٢٠١١ ، كثر بشكل ملحوظ عدد الفرق التي تمارس الاعمال التطوعية ان كانت في المجال الخيري او غيرها ، اختلاف التخصصات في العمل التطوعي ليس مهما لان من يؤدي هذا العمل التطوعي هو محدد بقيم ومبادئ معينة تحكمه ... بل وهي تحكمه في كل أمور حياته ، ولكنني في هذه السطور اذكر العمل التطوعي تحديدا لما لمسته من رغبة الشباب بالاتجاه له من جهة...ومن جهة اخرى ارى بان الملتزم بالقيم صار غريبا شيئا ما ، في مجال حساس يقوم أساسه على الالتزام بالقيم .. القيم الاجتماعية والإنسانية سواءا كان مصدرها الدين الحنيف او اي مصدر اخر ، كما ان الممارس للعمل التطوعي لا يكاد يخلو عمله أساسا من الابتلاءات والمصاعب والفتن ( احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) ، فنذكر بعضنا البعض معشر المتطوعين لكي لا نسقط في وحل المفتونين ، فنكون من هؤلاء ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ) .. وبالله التوفيق . 

حينما يكون الذل خلقا حميدا به يرتفع قدرك ( من تواضع لله رفعه) ... هو نفسه ذات الذل الذي يجعلك تكون من أحسن الناس اذا تعاملت به مع الغير ( أحب الناس الى الله أنفعهم للناس،وأحب الاعمال الى الله سرور تدخله على قلب مسلم ) .. هو راس مال كل من ترغب نفسه في مزاولة اي عمل تطوعي ، هو اللبنة الاساسية و حجر الأساس لفكر وعقل المتطوع .. كثيراً ما نلهث وراء مسميات كثيرة مثل ( الإرادة، العزيمة ، الإصرار...الخ) ونسينا اننا في حاجة ماسة الى التواضع ، في غيابه يفتتن الناس ... وتضيع مبادئ وقيم ضعاف النفوس ، له أعداء ... وله محفزات، لنا في هذه السطور جولة في ربوع التواضع .

 التواضع لله هو أسمى انواع التواضع، أرأيت نفسك بعد ان تقضي الصلاة وانت تقول :( استغفر الله استغفر الله استغفر الله .) أليس ذلك اعترافا منك بالتقصير في حق الله ؟! نعم..لكن سبحان الله ، ما ان يحقق احدهم إنجازا في احد ميادين العمل التطوعي الا وهو ينسى هذه الحقيقة الا من رحم ربي ، فينسب الإنجاز الى قدرته الذاتية اولا..يقول ابن عطاء :(من نعم الله عليك ،خلق هو ونسب إليك ) .. هل تعلم عزيزي المتطوع بان قدراتك الذاتية التي تتغنى بها لن تستطيع ان تأخذ شيئا سلبته ذبابة منك ( وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذونه منه ) ، افعالك  مخلوقة سلفا ... فمالذي يجعلك تغتر وتتعدى ولا تذكر ربك بشيء من التواضع والذل ؟!

التواضع مع النفس، من اشد انواع التواضع واثقلها على النفس...هو ان تكون عالما بعيوب نفسك ( اذا مدحك الناس بما يرونه عنك فكن ذاما لنفسك لما تعلمه انت عنها) ... ابغض وابتعد عن اهل التعظيم والمدح و واجه كلماتهم الرنانة بابتسامة يعلوها الصمت، ذلك الصمت الذي يبرز عيوبك امامك فتطور من نفسك استناداً على تواضعك الله، واعلم...بأن عدم تقييم نفسك بالشكل الدقيق والصحيح مع دوام مدح الناس لك ومبالغتهم فيه انما هو استدراج لك وفتنة ستنال ويلاتها عاجلا ام آجلا . 

مثال على محبي التعظيم والمدح .. تجنبهم :



 
 
تخيل عزيزي القارئ بأن هذا المدح كان لفيديو .. لشباب وفتيات قاموا بتوزيع طعام ، فقط ... مع عدم استنقاص هذا العمل الجليل لكن كلمات المدح والثناء كهذه او غيرها هي عدوة للتواضع ،ويجب تجنبها فضلا عن محاربة قائليها اذا زاد الوضع عن الحد ... 

التواضع مع النفس ... يجعلك تعلم تمام المعرفة بأن ما وصلت اليه بالامكان ان يصل اليه غيرك ، اما اذا توهمت غيرت ذلك فتذكر .. ان الرياضي عندما يحطم رقما قياسيا يكون فرحا جدا...لكنه سرعان ما يتذكر بأن الارقام القياسية وضعت ليحطمها آخرون ، فليس هناك  داع ان تصور انجازاتك البسيطة على انها انجازات استثنائية ..

لنلقي نظرة على احدى الانجازات وكيفية التعامل الخاطئ معها :



هذا الانجاز .. عبارة عن اوبريت غنائي ، شد انتباهي التعبير الهستيري التي اطلقته تلك الناشطة الشبابية ..ما شد انتباهي اكثر هو كلمة " وكسرت عين اوادم" .. تاركة نموذجا غاية في السوء مع التعامل بتواضع مع تحقيق الانجازات ، كم تمنيت لو كان انجازها على مستوى تعبيرها اصلا ، علينا ان نبدي تواضعا حقيقيا لا ان نحمد الله ونشكره لنخدع ضمائرنا ومن ثم نخرج الشيطان الذي بداخلنا .


هناك اناس ضحوا بالغالي والنفيس من اجل العمل التطوعي ، دراستهم .. اسرهم .. اعراضهم وسمعتهم ،كل ذلك كان على المحك فعلا .. هؤلاء، تجد اهون الناس نفسا ، قلبهم واسع .. وعقولهم متفتحة من فطر التجارب التي مروا بها .. تشرفت بالتعلم مع بعضهم ، والعمل مع البعض الآخر :

خالد عبدالله عبدالقادر :



كلما اراه ، اذكر الله ... شاب صرت مشاركا تحت يديه في اول نشاط صيفي لي سنة 1999 ، شاب معطاء متفان في العمل .. ينام في مقر النشاط في انتظار المشاركين في اليوم التالي ، دائم الحديث معنا عن تطهير القلب والاخلاص في العمل ، صار منشدا مرموقا يشارك في المهرجانات خارج البحرين .. سلسلة من العقبات المهلكات وقفوا في طريقه لكنه تجاوزها ، كان من ضمن خمسة بحرينين  في "قافلة روح الانسانية" ، تلك السفينة التركية التي توجهت الى قطاع غزة لتوصيل المساعدات الى الفلسطينيين فتمت قرصنة تلك القافلة من قبل الصهاينة .. ونعم به من خالد .



خالد آخر .. خالد احمد جناحي :





رئيس النشاط للمرحلة الثانوية في الجمعية الاسلامية ( سابقا) ، يؤمن "خالد" بأن الجمعيات ليس من شأنها تخريج علماء بالدرجة الاولى .. بل عليها اولا احتواء الشباب وخلق بيئة صالحة وعزلهم عن بيئة الشارع والابتعاد عن رفقاء السوء  ، تلك كانت طريقة عمله ومنهجيته ... رفع "خالد" سقف التضحيات وتابع عمليات الاعداد لمخيم الربيع بنفسه وهو اصعب برنامج للاعداد ، في الوقت الذي كانت زوجته قد دخلت شهرها التاسع من حملها الأول ... قام مجموعة ممن عاونه من الشباب بتكريمه في نهاية المخيم فكان شهوره مليئا بالخجل بقوله :"ماقصرتوا .. بس ماعندكم سالفة" .


احمد عيسى احمد :




يرى " بوعيسى" العمل التطوعي لا يمكن ان يسير بطريقة الدراويش دون ادارة حقيقية ودون تخطيط مستقبلي ، هو اول من وضع فيني الثقة لاستلام احد المناصب في لجنة الشباب ،شخصية مرحة ومحبوبة .. ذكي الى جانب تضحياته وسهره الليالي من اجل الشباب .. الشيء الذي لا انساه له هو انه لا يتأخر في تكريم الشباب العاملين معه بعد الانتهاء من النشاط سواء كان الفصلي او الصيفي .. عرفانا منه بما قدموه .


محمد جلال الوزان :




تعلمت من "الحمد" ان اكون اول من يستفيد من اي شي اقدمه للناس ، ان اكون الملقي والمتلقي في آن واحد .. نموذج اداري واخلاقي يحتذى به ، مازال الطريق امامه طويلا .. واتمنى بأن يفتح الله عليه وان تأتيه الدنيا وهي صاغرة .


شير محمد السيد :




عندما تراه وهو داخل الى مجلسنا الشبابي بعكازيه واكياس "الحب" في يديه تظن بأنه شخص عادي ، بسبب تواضعه الجم وحبه للجميع .. تتفاجأ بعدها بأن لهذا الانسان انجازات متنوعة تنم عن شخصية قوية وعقلية فذة ، فهو حافظ للقرآن حائز على رواية حفص عن عاصم ، يعرف في لغة برمجة الحاسوب .. بارع في لعبة الشطرنج ،شاعر فنان ومرهف الحس ، سخر كل تلك الامكانيات لصالح العمل التطوعي ، لا اقول بأنه معاق .. بل نحن المعاقون فعلا ، عن انجازاته ... وبعيدون عن درجة تواضعه .

يقول شير في قصيدته "جنة الخلد " :

انا يا جنة الخلد ... رماني الوجد في سهدي
 
فصرت اليك مشتاقا ... وذاب القلب بالوجد
 
ثمانية من الابواب يا بشرى .. وبالريان بشر الصائمين يرى
 
وقد فتحت لمن فوق الصراط مضى .. ايا بشرى ، ايا بشرى ، ايا بشرى
 
فلا عين رأت غرفا ولا خطرا .. على قلب شبيه او رأت قصرا
 
وخمر لذة للشاربين جرى ..بلا غول تراه المسك قد عطرا
 
عيون مزجها قد كان كافورا .. جنادل لؤلؤ محفوفة خيرا
 
وانهار و كوثر خيرها نهرا ... عظيم حافتاه امتلأت درا
 
ودانية ثمار البهجة الكبرى .. وحور العين عرب جملت طهرا
 
ورضوان الاله لخير ما ظهرا ... فسبحان الذي في جوده بدرا
 
 
 
محمد حسن يوسف 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق