الأربعاء، 23 يوليو 2014

قصص الأنبياء .. المعاصرة "2"


الحمدلله البارئ الخالق ، مكوّن الإنسان الناطق .. فمنهم في الجنات من ينام على النمارق ، ومنهم الشقي من عذاب الله عز و جل  به لاحق ، والصلاة والسلام على من انار الله به المغارب والمشارق .. اللهم أكرمني بنور الفهم ، واخرجني من ظلمات الوهم ، وارزقني من بركات العلم ، وسهّل اخلاقي بالحلم .. وافتح علي ابواب رحمتك .

متابعة لما سبق من ربط القوانين الإلهية المتمثلة في الرسل والأنبياء عليهم أفضل الصلاة واتم التسليم ، وبين تعامل البشر بقوانينهم الخاصة الفظة .. وما آلت إليه أحوالهم بسبب أعراضهم عن السنن الكونية الظاهرة ، أكمل حديثي السابق مع "قصص الأنبياء .. المعاصرة " .

# أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام :

تميز عصر إبراهيم الخليل عليه السلام باستخدامه الحجج والبراهين العقلية بجانب الخوارق من المعجزات .. لكن اغلب البشر لا ينظرون إلى الأمور بعين متجردة من العواطف و الجهل المركب .. يحطم - عليه السلام – الأصنام ويسألونه من حطم الأصنام فيقول :( بل فعله كبيرهم فاسألوهم إن كانوا ينطقون) ، بمعنى .. افتح عقلك ولا تسلمه في يد غيرك ، كيف لك ان تعبد مالا يضر ولا ينفع حتى نفسه ؟! كيف لك أن تسلم عقلك لفكرة دون أن تكون لك قابلية لكي تناقشها من كل الأبعاد .. لماذا تسير خلف الشعارات بدون أن تحكم عقلك ؟! لماذا لا تتجرد من هوى نفسك .. لتصل إلى قرارات منبعها التفكير العقلي السليم ؟!

ماذا كان رد البشرية مع هذه السنة الكونية ؟! .. لاحظوا ( قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ) ، نعم .. ففي هذا الزمن يقع المتحدث بعقله وسط معارك من العواطف المختلطة بهوى النفس الأمارة بالسوء ، و وسط ما يموج به حالنا من فتن فتاكة .. يقع في جحيم التهميش ،السب،القذف،التصنيف الظالم الزائف .. ومن ثم العزلة ، البشرية تكرر أخطاءها .

بالرغم من الجحيم المستعرة ، التي لم يستطع قوم إبراهيم عليه السلام أن يقتربوا منها .. فرموه بالمنجنيق من مكان بعيد ، إلا أن ابراهيم عليه السلام قام في وسط جحيمهم الدنيوية القاصرة أمام قدرة الله تعالى .. وصلى ، فقالت له أمه : "ادع ربك أن يدخلني معك فأطمئن عليك " .. فدعى ربه ، فدخلت واحتضنت ابنها في وسط الجحيم ...رغم ما رأى هؤلاء البشر ، إلا أن الله تعالى قال في حينها : ( فآمن له لوط ) ... فقط ؟! ما هذا الجحود ؟! لا تستغرب ... فالبشر في مختلف الأزمان يفكرون بنفس قوانينهم ، فتجد أكثر الناس عن الحق منشغلون متكبرون .. بينهم وبين الحق حاجز من الغطرسة .

ذهب عليه السلام في طريق دعوته إلى حاكم الأرض الظالم "النمرود" ، قال : ( ربي الذي يحيي ويميت ) .. فرد عليه بحجة متغطرسة متكبرة ( أنا أحيي و أميت ) .. فأراد صاحب الحجج العقلية سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يصور تصويرا آخر للقدرة الإلهية يسكت به هذا المتغطرس ، فقال : ( إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ) .. فكانت حجته عليه السلام دامغة ( فبهت الذي كفر ) .. لكن ماذا فعل النمرود ؟! مازال البشر يعطلون عقولهم ويطلقون لقلوبهم العنان ، لأن في ذلك ترضية لغرائزهم المريضة ، ونفسهم الدنيئة ... مبتعدة عن نور العقل البازغ .

ماذا حل بالنمرود الذي ملأ الأرض جورا و ظلما ؟! دخلت باعوضة في أنفه .. فعذبه الله عدد سنين حكمه ، أخذ يضرب نفسه ، ويأمر خدمه وحشمه بأن يضربوه بالنعل .. فلم يفلح في مسعاه ، فأخذوا المطارق فضربوه بها .. فمات من هول العذاب المهين .. هذا  وغيره ، نماذج محفوظة لنعتبر .

مادم البشر قد آمنوا بوجود خالقهم .. من بعد ما تبينت لهم الآيات العظام ، فعليهم أن يقبول ا تكاليف خالقهم .. لكننا في زمن أصبح البشر يشككون في تلك التكاليف بغية أن يفعلوا ما يشاؤون هم .. لا ما يشاء الله سبحانه ، انظر بماذا كلف الله ابراهيم عليه السلام ، وكيف كان ذلك التكليف عكس رغباته .. يرزق الله سبحانه ابراهيم عليه السلام بإسماعيل عليه السلام بعد أن اصبح رجلا كهلا كبيرا في السن ، يؤمر بأن يذهب به إلى الصحراء .. حيث مكة الجافة ويتركه وأمه وحيدين ، فلما بلغ الولد إسماعيل عليه السلام سن الشباب اليافع.. يأمر الله تعالى نبيه ابراهيم عليه السلام بأن يذبح ابنه !! ما هذه التكاليف الصعبة ؟!! لو فكرنا فيها بتمعن .. بأن تلك التكاليف هي من الله سبحانه .. وإليه نرجع جميعا ، ومادمنا مؤمنين به فعلينا أن نلتزم بتلك التعاليم ،لا أن نتملص منها و نؤولها ونفسرها إلى غير مبتغاها .

كان إبراهيم عليه السلام إنسانا استثنائيا في التكاليف التي انزلها الله عليه (إن هذا لهو البلاء العظيم ).. فلأنه كان استثنائيا أيضا في طريقة تنفيذ تلك التكاليف ، نال الدرجات العلا (سلام على إبراهيم ، إنا كذلك نجزي المحسنين ) .. نعم ، رآه النبي صلى الله عليه وسلم  اثناء رحلة المعراج في السماء السابعة مسندا ظهره إلى البيت المعمور ... يكفي أن الله سبحانه قال عنه : ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) .. تفكر في هذه الآية ، لو  كان هذا هو الفضل الوحيد الذي امتاز به سيدنا إبراهيم لكفاه .. فلا تنظر إلى حجم التكاليف ، بل انظر إلى من كلفك ... لا تنظر إلى الابتلاء ، بل انظر إلى ما انزل عليك هذا الأمر .. ومالذي يريده منك .
# شكر خاص للأستاذ فؤاد رضي مسؤول القسم في عملي  لسماحه لي بكتابة هذه السطور في مكتبه.

محمد حسن يوسف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق