الاثنين، 16 مارس 2015

مأساة التنظير ( البربرة الزايدة ) ..


الحمدلله المبدئ المعيد .. والصلاة و السلام على من بعثه الله رحمة للعبيد ، وعلى الآل والأصحاب ومن تبعهم ومشى على الدرب السديد ، اللهم أكرمني بنور الفهم .. واخرجني من ظلمات الوهم .. وحسن أخلاقي بالحلم .. وافتح علي من بركات العلم .. وابعد عني شرور الحاسدين من قريب أو من بعيد .

جلست ذات يوم في اجتماع زاد وقته عن الساعتين والنصف من النقاشات الساخنة التي من المفترض أن تكون عميقة ذات فائدة في جهة من الجهات الأهلية بالمملكة .. كان اجتماعاً تنظيرياً من الدرجة الأولى ، نبحث فيه عن السلبيات والإيجابيات .. ونطرح الحلول ونفدها ، اعلم تماماً بأن وضع النظريات و نقاش المشاكل أمرٌ مهم للغاية .. ولكنه أصابنا مرض فتاك ، وهو حب التنظير والكلام .. والبحث والتنقيب عن وسائله ، أما إنتاجنا الحقيقي على أرض الواقع فقد يكاد يكون صفراً على الشمال .. فعلاوة على أنه لا انتاج يذكر ، فإننا نتشبث بمراكزنا التي نشلها ونلقي بالأعذار يمنة ويسرة غير معترفين بعدم استطاعتنا بالقيام بأي إنتاج .. اقول ( بعدم استطاعتنا ) لأنني اتكلم برحمة واحسن الظن ، لأنني على يقين بأن هناك اناس ( لا يريدون أن ينتجوا شيئاً) .

الأمر ليس معنياً باجتماعات في جهات أهلية فقط .. تعلمنا من الغرب ممارسة إيجابية في ظاهرها ، لكننا نطبقها بمضمونها المحب للتنظير .. فنقيم المؤتمرات ونحرص على إخراجها بشكل مبهر وإبداعي ، إنه تجهيز المسارح للتنظير لا أكثر ، فيتصدر تلك المسارح من يتصدر ، ويلقي المحاضرات بدون أداة لقياس نجاح تلك المؤتمرات ، ويبقى نجاح تلك المؤتمرات المليئة بالتنظير يعتمد على ذوات الأشخاص لا على توجهات الدول التي باتت محبة للتنظير وتعطي المساحات الكبيرة له .. ليست المشكلة في دولنا فنحن نواتها ، صرنا نبحث عن الظهور على تلك المسارح ونشجع بعضنا على الخوض في غمار التنظير المقيت .. نحب أن نعطي رأينا في كل شيء سواءً كانت المسألة تعنينا أو لا تعنينا .. أو ربما يجب علينا أن نفكر أولاً فيما إذا كان يتوجب علينا أن نبدي رأينا حيال أمر ما أم لا فليس كل رأي لدينا يتحتم علينا نشره .. لا نحب أن ننتقد ذواتنا ونحللها ونطورها .. لكننا نحب جلد ذوات الآخرين .

يقول الإمام الأوزاعي  رحمه الله :"إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل ، ومنعهم العمل " .. مقياسك الحقيقي على ميزان الإنجاز هو العمل .. فقط العمل ، ستحتاج التنظير كبداية .. لكن لا تستغرق فيه حياتك و وقتك ، انطلق فالأمل بالحياة ليس طويلاً ، تخيل معي تلك اللحظات .. عندما تقف بين يدي الله سبحانه ويسألك عن مراكز شغلتها ، وكراسٍ شغرتها ، ماذا صنعت ، وماذا أنجزت ، فلما أحسست بأنه لو وزن لإنجازاتك .. لماذا احتفظت بموقعك ؟! لم لا تعطي غيرك فرصة العمل وتكون قدوة لغيرك في هذا الشأن ؟! لا اتكلم عن مراكز كبرى تصحب كراسيها شهوة عظيمة تنتزع القلوب في حال زوالها .. بل هي تلك الكراسي البسيطة الصغيرة ذات المسؤوليات محدودة ( إذا ضُيعت الأمانة فانتظروا الساعة ) .  

حب التنظير .. اعجاب بالنفس ، ومدخل للتثبيط والتخدير ، مما يوجع القلب فعلاً أن هناك فئة تتألم مفاصلها من كثرة العمل والجهد المضني  ولا أحد يشير إليهم بشيء .. وربما اندفن سرهم في بئر عميق ، وخرج في الصورة أحد آخر مُلم بأصول التنظير والكلام والتسويق للنفس .. فتحتسب الإنجازات لغير أصحابها الحقيقيين ( ما يطفح الا اللوح ) .

 

محمد حسن  

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق