الأحد، 15 نوفمبر 2015

استثمر في ذاتك

الحمدلله غافر الذنوب سِتِّير.. والصلاة والسلام على السراج المنير، وعلى الآل والأصحاب ومن على نهجهم يسير، اللهم أخرجني من ظلمات الوهم.. وأكرمني بنور الفهم.. وحسِّن أخلاقي بالحلم.. وزدني من بركات العلم.. واحشرني مع الصالحين من عبادك على درب الجنان ونعم المصير.

تتباين الآراء حول أوقاتنا كلما اختلفت اعمارنا.. فالصغير تبدو اهتمامته كثيرة ومتناثرة، أما كبراؤنا فيفضلون التركيز على أشياء قليلة.. ولكنها أهم، تلك هي سنة الحياة.. فالإنسان كلما كبر في السن يبدأ في الإستغناء عن الأشياء التي ظن في السابق أنها كانت مهمة.. ربما لأن الزمن والعمر قد تجاوزها من ناحية، او ربما كان اعتقاده آنذاك بأن تلك الأشياء مهمة اصبح مجرد وهم من ناحية أخرى... لا يمكننا بأي حال من الأحوال مناقشة الأشياء التي كان يفعلها الإنسان وتطاول عليه عمره فأصبح لا يستطيع فعلها كالأنشطة البدنية والقدرة على السهر، بل هنا اسلط الضوء على اكتشافنا لضياع أوقاتنا... تركيزنا على أشياء كانت توهمنا بأنها مهمة، ولم تكن كذلك.

يبدأ الإنسان بتحليل اوقاته اليومية لمناقشة ذلك الأمر.. فتبدو له ساعاته الضائعة التي لا يبذل فيها مجهوداً يُذكر، سنجد نسبة الساعات اليومية الضائعة ليست بالقليلة... دائماً ما نشكوا لغيرنا بأننا "مشغولون" و "مرهقون"، فتجلس لتسأله المزيد لتتعرف على كيفية استخدامه للوقت.. فتتفاجأ بأنه يتذمر لمجرد التذمر... وأن المجهود الذي يبذله لا يتعدى به إلى أي مرحلة في الحياة، مع الأخذ بعين الإعتبار ساعات النوم.. بل إني سمعت أحدهم يقول:" أنا نائم، إذاً انا مشغول". في السابق كان الذهاب للخلاء - اعزكم الله - يأخذ وقتاً ليس بيسير... فوصل الخبر عن أحد العلماء أنه كان لا يضيع ذلك الوقت الا ويقضيه في تأليف الرسائل المفيدة للناس، كان جدي رحمه الله يرجع من المناوبة الليلة في عمله.. ويأخذ معه بعض المأكولات والمقليات ليبيعها على الموظفين في الصباح ليساعده المدخول البسيط في سد بعض المصاريف.. ذلك عندما يكون وقتك في يدك، يتحكم به عقلك.. لا نزواتك وشهواتك، اولئك الذين يضبطون اوقاتهم هم الأكثر فاعليةً وتأثيراً في المجتمع.. أما من هم دون ذلك فيدخلون في دائرة الخمول والتسويف، وبذلك تضيع الرسالة التي من أجلها خلق الله سبحانه الإنسان... فيدخل حينها في دائرة الإستبدال ( إن تتولوا يستبدل قوما غيركم).

الموارد المالية عند "الشباب" محدودة المصدر.. لكن الكثير منها يُصرف على اشياء جانبية ليست ذات قيمة، يغيب عن جيلنا الحالي كيفية تدبير الأمور ووضعها في نصابها السليم.. الأهم فالمهم فالأقل أهمية، لا يُفهم من كلامي أن يبخل الإنسان على نفسه ويحرم ذاته.. فالله يحب رؤية أثر النعمة على العبد (وأما بنعمة ربك فحدِّث).. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم".الآية والحديث ليسا متناقضين.. بل هما متكاملين، ادعو هنا لاستخدام العقل في إدارة المال وعدم الإنجرار وراء العواطف والنزوات (ماركات، سيارة، تلفون).. فقد يأتي زمان تحتاج فيه إلى المال، ولا تستطيع الإتيان به.. فاجعل لنفسك قاعدة تنهاك عن الجري واللهث وراء كل جديد (أوَ كلما اشتهيت اشتريت ؟!).

عندما تتكلم عن ذاتك وماتملك من مهارات ومجهودات تضيف إلى الحياة قيمةً جديدة.. فكِّر في الوسيلة بشكل عميق سواء كانت تلك الوسيلة جمعية او مؤسسة او اي كيان كان، إن لم يساعدك ذلك الكيان على الوصول لأهدافك (مع الأخذ بالإعتبار اهداف الكيان والمصلحة العامة) فانسحب فوراً... فالأوقات ليست مجالاً للتضحية في سبيل أمر لا يهمني كشخص ابحث عن الإضافة في الحياة، وإلا سأقع في بئر يحتوي كل الزائدين على هذه الأرض.. زيادة جسمانية لا اكثر ( إن لم تزد شيئاً في الدنيا فاعلم أنك زائدٌ عليها).. الكثير من الأشخاص يربط قيمته بقيمة الكيان الذي يحتويه، يجب أن تكون نظرتنا أبعد وأعمق من ذلك، كي لا تذهب مجهوداتنا وتضحياتنا في الإتجاه الخطأ.
تحليل الأوقات بدقة أمر ثقيلٌ على النفس... تدبير النقد و وضع كل أمرٍ في محله أمر يعاكس النزوة البشرية، ولكن اعلم.. بأنك ما دمت تسير عكس رغباتك وشهواتك فأنت في الطريق الصحيح فلا تبتئس بالتعب والإرهاق.. بل ادفع بنفسك نحو علو الإنطلاق، إن لم تتعب وأنت شاب.. فمتى ستتعب؟! ماهو دورك في الحياة إزاء كثرة تذمرك؟!  إذا نسقت وقتك بشكل جيد فستتفاجأ بكم الأشياء التي اصبحت قادرا على القيام بها... ليس لأنك تفرغت لها، بل لأنك تخلصت من مضيعات الأوقات.. وركزت على ما هو أهم... ف "استثمر في ذاتك"، لأن العمر لا ينتظر.

محمد حسن يوسف




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق