الخميس، 5 نوفمبر 2015

بين المكاره والشهوات


الحمدلله رب المشرقَين ورب المغربين.. والصلاة  والسلام على جدِّ الحسنين وسيِّد الثقلين، وعلى الآل والأصحاب ومن اقتفى اثرهم مادام ضياء النيِّرين.. اللهم أخرجني من ظلمات الوهم، وأكرمني بنور الفهم، وحسِّن أخلاقي بالحلم.. واجعلني من اصحاب السعادة في الدارين.

كل منهجية على هذه الأرض مرتبطة بأفعال وأقوال.. فإذا قلت بأنك "مسلم" فإن عليك إلتزام خطٍ معينٍ في التفكير والفعل، وهكذا مع "العلماني" و "المسيحي" او أي منهجية فكرية.. ما يعنينا هو "المنهجية الإسلامية" في ماذا يترتب عليك فعله إذا (نفخت صدرك) بقولك بأنك "مسلم"، وتنسى بأن عليك أحكام وواجبات.. لنشخِّص معا ماهي تلك الأحكام وطبيعتها.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات". بمعنى أن التعليمات التي وضعها الإسلام والتي بدورها ستوصلك إلى رحمة الله وجنته سوف تكون بعكس ماترغب به نفسك البشرية، ويعتمد صلاحك وتقواك اولاً وأخيراً على مدى قدرتك في ضبط ذاتك وجعل الحياة في يدك لا في قلبك... هنا استذكر "الإمام البوصيري – رحمه الله" عندما ألّف في بردته قائلاً: " والنفس كالطفل.. إن تتركه شب على حب الرضاع، وإن تفطمه ينفطم". وهذا وصف دقيق وحثٌ خفي على ضرورة التحكم في زمام النفس لكي يتسنّى لك تطبيق أحكام الإسلام.. وإلا كانت نفسك التي بين جنبيك رهن الإنفلات.

يقول أصحاب الحِكم بأن "أصحاب الأخلاق في تعب مستمر". ويشمل هذا الكلام أصحاب التدين والمبادئ.. تلك المبادئ التي تحتاج إلى مصابرة ومجاهدة وبحث عن بيئة صالحة تساعد على الإستمرار في هذا الدرب، لو نظرنا بدقة إلا هذا الحديث "أشد الناس ابتلاءً هم الأنبياء، فالأمثل فالأمثل" سنجد بأن الأمثل من الناس سادوا على غيرهم في الفضل بسبب قدرتهم على إدارة ذاتهم بعد قالوا بأنهم "مسلمون" فالتزموا بالأحكام والأخلاق قولاً وعملاً.

ومن هنا يبرز الفرق بين مناهج متعددة "كالليبرالية" الذين يدعوا بعضهم إلى أن الإيمان جزءٌ يخص القلب، وأنه لا تعارض في اختلاف الأقوال مع الأفعال وبين الإسلام.. بل إن بعضهم ألحد رافضاً  الإيمان لأنه يقيد الإنسان من الإستمتاع بالملذات بغض النظر ما إذا كانت تتماشى مع تعليمات الإسلام أم لا، فلنتذكر بأن "النار حُفَّت بالشهوات" .. أي أن الأشياء التي تدور داخل نفسك وتجعل الدنيا في قلبك.. ويظهر لك الإستمتاع بها ولو بشكل مؤقت ستجعلك على طريق الهلاك.

كونك "مسلماً" فذلك يجعلك تستقبل الاوامر الإلهية بشكل تعبُّدي... لا تسأل لماذا فرض الله أربع ركعات في الظهر وركعتين في الفجر، بل تطبق وتسلِّم بالأمر.. وتصابر نفسك على الإستمرار في هذا النهج، كثيراً منا لا يتقبل الحكم الإلهي إذا كان ضد تصرفاته المعتادة... وتبيَّن له أن ما كان يفعله هو خطأٌ ويتوجب عليه تعديل مساره وقد يكلفه ذلك الخطأ كفّارةً او ما شابه من العواقب، وهنا يأتي التواضع في جنب الله والإنكسار والإنقياد لأوامره  سبحانه.. فهل سيفرِض على عباده ما يشُق عليهم ؟! بالطبع لا.. ومن هنا أيضاً لا تبرز كثيراً أهمية معرفتنا بالحكمة من مشروعية أمر ما، فأنت مادمت عبداً لله عليك أن تطيع وتخضع.. سواءً علمت الحكمة من الأمر أم لا، راجع نفسك وعلاقتها مع باريها...  فالدنيا لا تساوي عند الله "جناح بعوضة"، فما بالك بنفسك؟! أنت المحتاج للطاعة والخضوع والرضوخ للمولى سبحانه، ولا يضره جل جلاله اعراضك واعتزازك بذاتك بغرور.

## أحب الخوض في الزوايا المظلمة التي لا يحبذ الناس الحديث عنها.

محمد حسن يوسف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق