الأحد، 15 ديسمبر 2013

الاسلام بين " الطاعة" و "التساؤل"


الحمدلله رب الليل اذا عسعس .. سبحانه ربنا المقدس ، والصلاة والسلام على نبي الملاحم .. محمد نبينا الخاتم ، اللهم اخرجنا من ظلمات الوهم ، واكرمنا بنور الفهم ، وافتح علينا ابواب رحمتك ، وانشر علينا خزائن علومك .. آمين ..

 

يمر هذا الجيل من الشباب بمراحل مفصلية في تحديد العلاقة بينه وبين دينه ... في الوصول الى تعاليمه فضلا عن فهمها وفضلا عن تطبيقها ، فنجده يترنح يمنة ويسرة ، معتمدا على شتات من المعلومات اكتسبها وهو صغير لا يكاد يستوعب شيئا او يتذكر .. بالرغم من ان دين الاسلام هو دين الفطرة .. وصل اليه الكثير من العقلاء حتى في العصر الجاهلي قبل بعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم،ولكننا كشباب اصبحت بيننا وبين الدين فجوة ليست بالبسيطة ، دعني اقرب لك  الصورة عزيزي القارئ واشبه لك الاسلام بنظام للحاسب الآلي قوي .. يتمتع بنظام حماية رباني خارق ، ولكن ..من هو المبرمج ، من سيضع هذا النظام في قلوب وعقول الشباب .. ؟! هو مبرمج ذو مواصفات خاصة ،يعرف الواقع ويفهمه ويشخصه جيدا ..  مع تعدد الانظمة على شكل مذاهب وطرق يتم الطعن بينها على حساب عامة الشباب ظهرت الكثير من التساؤلات او اذا استخدمنا لغة الحاسب الآلي اطلقنا عليها اسم "الفايروسات" التي ان واصلت توغلها داخل الجهاز فتكت به .. لا نجد مبرمجا لنظام قوي يحمي عقول الشباب من تلك ال "فايروسات" ، دخل رجل على الامام مالك رحمه ليسأله عن معنى ( الرحمن على العرش استوى )  فاحمر وجهه ثم قال : ( الاستواء معلوم – يقصد معناه في اللغة - ،والكيف مجهول ، والايمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وما اراك الا رجل سوء ) .. ثم امر به ان يخرج من مجلسه. لقد عالج المبرمج في هذه الحالة الامام مالك رحمه الله النظام برسالة بسيطة فحواها ان المسلمين كانوا مطمئنين لدينهم او بمعنى آخر بنظام البرمجة الذي وضع لهم .. فلماذا تعرض نفسك  للفايروسات التي تفتك عقلك بقوله "والسؤال عنه بدعة" .. كان علاجا فعالا جدا مع بداية العهد الاسلامي ، فلطالما كان الايمان مستقر بشكل كامل فلا داعي لطرح مثل تلك الاسئلة .. لكن في عصرنا هذا ، وبعد ان جلست مع شاب ملحد خرج عن الاسلام  ... لم يكتفي بذلك فحسب ،بل اقام الندوات الحوارية في جامعته "بولوتيكنيك" لينشر افكاره اكتشفت ضرورة ان يحصن الشاب نفسه – بنظام – اسلامي عقلي متكامل ، يدمج بين "التسليم" بوجود الله سبحانه وتعالى مع طرح الاسئلة التي تشكل – نظام حماية – فعال ، اضافة الى "الطاعة" .. واقصد بها تنفيذ اوامر الله بالطريقة التي هو سبحانه فرضها علينا وليس بمعلومات مشتتة اكتسبناها منذ كنا صغارا .. فلما كبرنا صار الحق علينا ثقيلا لا نتقبله ، فلندرس اولا اطراف هذه المشكلة لنعرف اسبابها وما هو العلاج لسد تلك الفجوة .. التي للأسف يوما بعد يوم اراها تأخذ طريقها الى العمق ،لا ندرس النظام نفسه الذي يمثل – الدين – هنا،لأننا متأكدون بأنه يصلح لكل زمان ومكان .. فهو الدين الكامل ، لكننا نشكو من خلل في – الجهاز – الذي من خلاله يتم تطبيق النظام وهو هنا يمثل – الشاب – ومن نظام الحماية الذي يضعه المبرمج وهو يمثل هنا – الداعية،الشيخ،الام،الاب،المدرسة ... الخ - .

 

الشباب :

مع تطور سبل الحياة بشكل عام،وتعدد الوسائل الداعمة للوصول الى المعرفة والمعلومة ... نجد ان الكثير من الشباب لا يهتم كثيرا بتعاليم دينه ، لا يهتم هنا بمعنى ان المعلومات التي يعرفها تجدها  قديمة وبعضها تم بناءه على اساس خاطئ ... صحيح انه كون الشاب ولد بين والدين مسلمين نعمة ما بعدها نعمة ، لكنه دين الفطرة .. فما اجمل ان تصل الى الفطرة بنفسك ، لكن .. كيف سيخضع الشاب او (الجهاز) لبرمجة جيدة قوية وهو لا يكاد يحافظ على الصلاة في جماعة ؟! فاذا انتهى منها خرج كأنه خارج من السجن  !! فهو لا يكلف نفسه الجلوس في حلقة علمية لفترة قصيرة ليستفيد منها بعضا من تعاليم دينه ... لكنه يستطيع قضاء ساعات وساعات على الشبكة العنكبوتية من اجل البحث عن معلومة جانبية ، او مشاهدة مقاطع للفيديو ، او لقطات غريبة .. هذا اذا احسننا الظن به ، كم من شاب مسلم بلغ رشده بدون ان يعرف ربه ..!! احدى "الفيروسات" التي تسللت الى نظامي ذو البرمجة الصغيرة هو ذاك السؤال الذي يقول : مادام لكل موجود خالق ..فمن خلق الله ؟! اخذ مني التفكير مبلغا حتى وصلت الى اجابة لم تشفي غليلي .. وصلت الى ان اسأل نفسي سؤالا آخر :  هل السير في هذا المسلسل العكسي امر صحيح ؟ هل انا مجبر للخوض في هذه السلسلة التي لن توصلني الى شيء .. فلكل سلسلة نهاية،لكنني لا اجد تلك النهاية في هذه السلسلة العكسية ، فلم تتقبل برمجتي السؤال فضلا عن البحث عن جواب شاف لي ... فخضعت الى مبرمج (شيخ) فالتقطت منه هذه الكلمة التي كنت ابحث عنها من اجل الجواب ، فكانت تلك الكلمة هي "واجب الوجود" .. نعم ،فالله سبحانه  واجب الوجود ،وما سواه ممكن وجوده،حادث ... والحادث اوجده الله من العدم،وسيعود الى حالة العدمية في يوم من الايام .. عندها ،مسكت الخيط الذي من خلاله سأتوصل لبرمجة نظام اسلامي عقلي فيني .. فتمسكت ب(الشيخ) فيما يخص الامور العقلية .. وبشيخ آخر في الامور الروحانية .. وبشيخ آخر ايضا في الامور الفقهية ،فلكل مبرمج فنه في ايصال البرنامج في الحاسب ( الشاب ) .. تجد الشاب مقصرا جدا جدا في الامور الفقهية ، ذلك يقع على عاتقه بشكل كلي لأنه يبخل في السؤال ... ويتجرأ بالتصرف في العبادات البسيطة على هواه ، سافرت مرة وكننا مجموعة من الشباب والفتيات ...قالت احداهن : يجب علينا قصر الصلاة ، لقد قرأت ذلك عندما كنت في الصف الخامس ابتدائي !! .. انظر الى الجرأة الى اين وصلت ،اخي الشاب ... ان الله لا يعبد بالجهل ، كم من شابة تبنت في عقلها الباطن معلومات عن الدين باطلة ... فلما كبرت في السن وتبين لها بطلان ما تعتقد اصبح الحق ثقيلا على نفسها ، فتهرب من الواقع لتقول .. الايمان في القلب ، ليس كل من يطبق التعاليم بشكلها الصحيح هو انسان جيد بالضرورة !! هكذا قولها .. لكنها لم تعلم بقول الله تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء .. فسأكتبها للذين يتقون) ..وماهي التقوى الا شيء وقر في القلب وصدقه العمل ؟! انظر الى الله تعالى ماذا يقول  : ( واذا سألك عبادي عني فاني قريب ..اجيب دعوة الداع اذا دعان) ... هذا كما يسمونه في اللغة جواب الشرط حينما يسبق الشرط ،والشرط هنا اتى بعد الآية : ( فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) .. هل لاحظت ،يقول استجب لي..فان فعلت فاني قريب منك اذا سألت عني ،هذا هو المراد ..وهو موافق لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اعرف ربك في الرخاء يعرفك في الشدة ).اي ان الايمان القلبي ليس لوحده طريقا للوصول الى الله تعالى .. بل لا بد من العمل،وكيف نعرف ان في قلبكي يا اختي ايمان ..لن يدل عليه الا العمل . فلندع ايمان الوراثة الذي اورثنا اياه والدينا بنعمة من الله ... الا نستطيع ان نصل الى حقيقة هذا الدين بالعقل؟! الا نستطيع الوصول الى تعاليم ديننا ؟! لا اقصد بها التعاليم المختلف فيها ففي الامر سعة ... اقصد ان بعض الشباب او البنات ينكرون بعض الاحكام المعلومة من الدين بالضرورة بجهالة كبيرة .. فاذا جادلته في مصدر هذا الحكم فستصل الى نقطة تفيد بأن الحكم الموجود في باله كان نتيجة لبنات افكاره فقط ... الكثير من الشباب يركز على جانب واحد من الدين وهو الجانب الروحاني ، وهذا ما يكون بارزا في الاعلام بشكل كبير من خلال بعض الدعاة الذين هم ادباء في الحقيقة ...  يعرفون كيف يوصلون كلماتهم الى عقول الناس بشكل منمق جميل .. لكن، اما بعد ؟؟! فما زال الشباب في خطر ، فالبرمجة من حيث التعاليم الدينية ضعيفة ،والبرمجة من حيث الناحية العقلية ضعيفة .

 

مصدر البرمجة ( الشيخ،الوالدين،المدرسة ) :

من اهم اسباب ابتعاد المعلومة الدينية من الشباب هم مشايخ الدين .. الذين لا يزالون يمارسون الطريقة التقليدية في ايصال ما يريدون من معلومات .. اسميهم في الكثير من الاحيان بال"مشايخ التقليديين" واضيف اليهم الكثر من طلبتهم  ، يجلس في المسجد او البيت ..ويحيط به طلاب علم عددهم ليس باليسير،ولكن المشايخ الاجلاء من الصعب جدا ان تجد منهم من يتبسط للشباب ويذهب الى اماكن تواجدهم في مجالسهم على الاقل .. !!! ان جهود الدعوة في البحرين تشهد ركودا بعد ركود ، فمنهم من اخذت منه الدعوة عمرا طويلا لكنه فضل التوجه لميادين السياسة منهم الشيخ عبداللطيف المحمود .. وهناك بعض المشايخ الذين حسروا انفسهم في مجالسهم الخاصة في بيوتهم .. ان الطفرة الدعوية في مصر كانت نتيجة لجيل شاب من الدعاة كان يتوجه الى الناس في اماكنهم كعمرو خالد ومن جاء بعده  كمصطفى حسني ،نادي "صناع الحياة" و " عمار الارض" خير نتيجة لعمل الدعوة هناك،ابحث عن اعماله ستجد عجبا وعلوا في الهمة كبير... اما في البحرين ،فجهود الدعوة في انخفاض ،بالنسبة لي..فان الشيخ محمد بن عبدالوهاب المحمود من المشايخ القلائل الذين يرق فؤادي عندما اسمتع له ، لكن طلبته معظمهم اصدقاؤه،فهو لم يطعن في السن بعد .. فطلبته عندما يحضرون الى حلقة الدرس يأتون يفضفضون ،يحورون الكلام الى غير ما يريده الشيخ الجليل ..والقلة من طلبته هم من  الشباب .

 

يخشى الوالدان اسئلة ابناءهم اذا مالت بشكل كبير تجاه العقيدة ، فالوالدان مطمئنان لإيمانهما .. فليس هتاك اي ضرورة لأن يقوم الابن بالسؤال لهما، فينهرانه ويزجرانه وينذرانه بعدم السؤال في ذلك مرة اخرى .. لكن السؤال لا يفتأ ان يعود في رأس الشاب مرات ومرات ، المدرسة وما ادراك ما المدرسة ... كيف حال المدرسة في تربية النشأ من الناحية الدينية ؟! هل مقدار حصتين في الاسبوع كافي لذلك ؟! ماذا عن مناهج "الاسلاميات" في الجامعة ؟! هل زاد من رصيدنا المعرفي شيء ؟ كتب ومعلومات نحفظها للنجاح في الاختبار النهائي ..هذا كل مافي الامر، قد اوقع ملامة كبيرة على  الشباب لابتعادهم عن السؤال فيما يخص الامور العقلية العقدية والامور الفقهية،لكنني لا اخلي مسؤولية بقية الاطراف كالمشايخ و الوالدين والدعاة ووزارة التربية والتعليم .. فكيف لي ان احصل على برمجة للحاسوب الآلي ... برمجة قوية تناسب زمانه ومكانه بنظام حماية قوي ان لم يكن هناك محل لذلك ؟ !

 

اللبيب بالاشارة يفهم :

# صحح نيتك عزيزي الشاب .. لا تتوجه الى العلوم العقلية لتحصل منها حجة على خصومك فقط ، فأنت كالذي يبحث عن ال"هاكرز" او كما يعرفون بقراصنة الحاسب الآلي بدون ان تعرف كيف يعمل النظام او ما هو دينك من الناحية العقلية ابتداءا .

# لا تبخل بالسؤال حتى في ابسط الامور .. ولا تعبد الله على جهل سنين طويلة فيذهب عملك هباءا منثورا .

# يخادعونك اذ يقولون : الايمان في القلب . (فقط)

# ناقش .. كن ايجابيا .

# حكمة : خف من دوام احسانه لك ودوام اساءتك اليه ان يكون ذلك استدراجا لك ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) .

 

محمد حسن يوسف

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق