الأربعاء، 22 مارس 2017

لحظات ضعف

مر الفتى مهموماً حزيناً، يشكو ظلام الدنيا ويرفع رأسه إلى السماء، يقول:" هل لي من نور يُبدد هذه العتمة؟ مالي أرى الدنيا تميل إلى من يتبعون رغباتهم وأهواءهم؟ مالي ارى الضيق يسكن وجداني ويخنقني؟ أتراني أصمد بمُثُلي ومبادئي؟ أم أن الفتى مقدرٌ عليه السقوط؟ يا عزيزي.. سيضيق بابُ الدنيا عليك حتى ترى بوضوح باب السماء، وحتى تتيقن بأن الجنان قد حُفّت بالمكاره، وأنك لن تصل إلى المولى حتى تعطيه من نفسك الغالي والنفيس (لن تنالوا البر حتى تُنفقوا مما تحبون).

وقف الفتى أمام ظلامه قائلاً:" يا رب.. أرني الطريق فإنك تعلم ولا أعلم، وارزقني تدبير أموري فإني لا أُحسن ذلك.. وأنت عودتني حسن الاختيار، اعصمني من هوى نفسي.. اعوذ بالله من موضع تراني فيه وأنا أعصيك.. أعوذ بالله من موضع تكون فيه أهون الناظرين إلي". ثم ذهب يبحث عن النور بمُثُله وقيمه.. حتى أيقن أن أصحاب الأخلاق باتوا في تعب، فإن أهل الدنيا قد أوغلوا أنفسهم في وحل البذاءة، وشهادة الزور، وظلم العباد بالتسلّق، لا إخلاص في علمٍ ولا عمل.

تأمل الفتى في حاله، وتخيل المستقبل.. في دار القرار التي لها سينتقل، ثم سأل:" هل هناك جزاءٌ لصبري؟ جاءه صوت الخاطر من السماء يقول:" وهل هناك في الدنيا جزاءٌ تستحقه؟ إن ظهر الناسُ عليك فاصبر، وإن ظلمك أحدهم فانظر إلى السماء.. وارمِ شكواك عند من هو عليم خبير بك وبحالك، تذلل عنده، ارمِ الدموع في حضرته، واسأله مسألة المستغيث وقل:" اللهم اعصمني من كل ذنبٍ يحجب عني رحمتك وتوفيقك، بارك لي في عملي القليل، ووفقني لعمل الكثير.

صال الفتى وجال، فوجد الدنيا مغلقةً بالأقفال.. باباً خلف باب، إلى متى؟ إلى متى وأنا الفتى أصارع أمواجاً تتلاحق؟ إلى متى وهوى نفسي يبعث بالنار المُحرقة في صدري؟ إلى متى وشيطاني يلاحقني؟  تأملت السماء فوجدتها قد اطبقت علي، ارجو ربها فرجاً ونوراً.. هدىً وعصمةً وجهاداً.. وجهاد المرء اجتناب المحارم، اللهم ارزق الفتى مرتبة المجاهدين، وارزقه ذريةً  صالحة، واكتب له الجهاد على اسوار القدس، فإن لم يكن فموتاً في دار نبيك صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن فموتاً بغير ريبٍ في إيمان، وبنجاة من فتنة، غير مقصِّر ولا مفرّط..
وماذا عن الدنيا يا فتى؟ اجاب رافعاً رأسه: تأتيني صاغرة، إن لم تُفتح أبوابها فلن انكسر.. والله جاعل لي منفذاً بنوره إلى صدري، وكفى به معيناً.. يا معين.

محمد حسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق