الثلاثاء، 28 مارس 2017

التسلط العائلي (سؤال في صراحة)


سؤالٌ وردني على موقع "صراحة" وهذا نصه:

-      اذا في حياتنا في ناس سلبين جدا وعصبيين بطريقة تمتص كل طاقتنا وفي نفس الوقت ما نقدر نقطع علاقتنا فيهم لأن جزء من الأسرة ولهم سلطة علينا...شنو الحل؟

أقول وبالله التوفيق، سبحان الذي جعل الناس بحاجة للناس.. فيتنازلون بقدرٍ ما عن حريتهم الشخصية تجاه غيرهم، فاعتبار وجود أُناس ذو سلطةٍ عليك فهذا أمرٌ طبيعي، فالحاكم ذو سلطة على الناس.. فيسلبهم جزءً من حريتهم الشخصية لتحقيق مصلحتهم العامة، والوالدَين لهما سلطةٌ على أولادهم، فيسلبونهم بعض حريتهم في اتخاذ القرارات لأنهم يرون من تراكم خبراتهم أن الإبن إذا سار على هذا الخط سيقع، وإذا سار على آخر فإنه سيقف، كما أن للوالدَين قوة على أبنائهم لا تجعلهم يبررون تصرفاتهم تجاه تسلطهم.. وقد تجعلهم يبررون بأشياء غير مقنعة لأنهم أخذوا تلك القرارات عن أبنائهم بسبب الاعتماد الصرف على رصيد خبراتهم فقط، يغضون النظر عن كون زماننا هذا يشهد متغيرات عديدة تجعل الشباب يأخذون قراراتٍ مختلفة.

هنا اضرب المثل على نفسي، فأنا كنت قد درست في التخصص "العلمي" في المرحلة الثانوية ولم أكن راغباً في ذلك، ولكن الأسباب التي أجبرني بسببها والدي على الدخول في هذا التخصص أسبابٌ وجيهةٌ جداً ومعتبرة، وكنت قد اقتنعت بأسبابه بعد خمس سنين من تخرجي المدرسي.. استطيع القول بأنني خسرت السنوات التي درستها في المرحلة الثانوية لأنني لم استفد منها الآن، ولكن بسبب والدي اصبحت الرجل الذي أنا عليه وله الفضل الكبير في صنع البيئة الطيبة التي تعينني على الخير.

"كيف اعبر عن قناعتي تجاه عائلتي؟" يشغل هذا السؤال عقل من يعاني تسلط العائلة فيفكر في الصدام والمعارضة، فيقع في قلة الأدب وقلة الاحترام لأنه يظن أنه إذا احترم والديه فلن يستطيع التعبير عن قناعاته بشكل يجعل من أصحاب السلطة يرضخون له، لا .. ابتغِ رضى والديك باحترامهم واحترام قراراتهم والتأدب معهم، وعبّر عن قناعاتك براحة وبدون تشنج أو ضغط أو خوف من عدم اقتناعهم، فإن في التشنج والعصبية يكمن رد الفعل المضاد، فإما أن يجعل منك ذلك متمرداً طوال حياتك، أو ربما قد تعرضت للكسر من اصحاب السلطة (لا تكن ليناً فتُعصر، ولا تكن قاسياً فتُكسر)، فلا تضحية تساوي خسرانك لوالديك .. الكثير من المشاركين في برنامجنا BELIEVE يعانون من رغبات آبائهم والتي تتعارض مع ميولهم، ولكننا نقنعهم بأن يسيروا خلف ميولهم ونشجعهم.. ولكن لم نشجعهم على قلة الأدب والصدام، ولكن بالحوار، والتكرار، والبحث، والصبر، كل ذلك سيجعلك تصل إلى قرارك الذي أردته.. بدون أن تخرج على طوع أبيك، واعلم أنه لو ضاق صدر والديك قليلاً فإنهم أول من سيفتخر بك عندما تنجح .. هذا في الدراسة على سبيل المثال، والذي يجري في الدراسة يجري على غيرها:

الابتعاد عن التصادم الغاضب+الحوار مع التكرار+الصبر+الدعاء

الأمر الأهم من كل ذلك.. إذا أعطاك الله سبحانه تلك السلطة، فما انت بفاعل؟ قد ننتقد.. فإذا وُضِعنا في نفس الموقف فعلنا نفس الفعل، كل تلك المواقف والدروس خزنها في رصيد خبراتك، واستفد من موقفٍ أخرى جيدة، كموقف يعقوب عليه السلام مع أبنائه عندما جاؤوه بخبر مقتل يوسف عليه السلام على يد الذئب المكذوب.. قالوا له كما نقل لنا القرآن الكريم:"وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كنّا صادقين". الطبيعي  أن يقول لهم:" انتم كاذبون قتلة!!!" لكنه إن فعل ذلك خسر أبناءه من حوله، فقال لهم:"ما أرحم هذا الذئب.. أكل ابني ولم يمزق قميصه!!". وقال تعالى على لسان يعقوب عليه السلام:"بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميل". فضّل الأب امتصاص الصدمة على خسارة ابناءه، أما ذلك الأب الآخر الذي بطش بولده فأساء معاملته.. ودفعه ذلك إلى الهجرة لدولة خليجية، وبقي فيها حتى توفى والده ثم عاد بعد ذلك إلى الوطن.

اصحاب السلطة في العائلة لن يكونوا عوائق لتحقيق النجاح إن قابلتهم بتعقّل وبصبر.. ستصل إلى ما تريد دون ان تستنزف طاقتك، فإن كنت مكانهم ورزقك الله سبحانه فصرت أباً أو صرتي أماً فعليك الاستفاد من رصيد المواقف السابقة، اما إن كان صاحب السلطة ليس من الوالدين فليس له الحق في التسلط إن لم تكن انت من سمح له، واعلم أن قرارتك لن تكون مضبوطة بالدرجة الكاملة..هي خيارات تتحمل مغانمها ومغارمها، وفقكم الله.

رأيي صواب يحتمل الخطأ.

محمد حسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق