السبت، 11 مارس 2017

همسة شبابية


الحمدلله الكريم الحليم، والصلاة والسلام على خير الأنام بالمؤمنين رؤوف رحيم، وعلى الآل والأصحاب ذوي الفضل العميم، اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم..وأكرمنا بنور الفهم..وحسّن أخلاقنا بالحلم..وزدنا من بركات العلم..وافتح علينا أبواب رحمتك يا كريم.

قبل يومين.. وبعد أن عدت من مخيمٍ أقامته الجامعة كنشاط للطلبة والموظفين وعائلاتهم، تأملت قليلا في صوتي المبحوح، فتذكرت سنواتٍ خلت من عمري.. أصول وأجول في تلك المخيمات التي أعتبرها أفضل برنامجٍ تدريبي في التدريب  وتنمية الذات.. ذلك لأنك تتجرد فيه من كل الملهيات ومظاهر الحياة الحالية.. فلا تلفاز ولا (سوشيال ميديا)، أعود إلى المنزل بعد ثلاثةِ أيامٍ أقضيها.. من نشاطٍ إلى نشاطٍ، ومن محاضرةٍ إلى أخرى، أعود إلى المنزل بوجهٍ مُغبر، وجسدٍ مُنهَك، وقلبٍ لا يحمل سوى أجمل الذكريات.

في المخيم.. أُتيحت لي فرصة قيادة مجموعة من الطلبة لأول مرة، لم أكُن قائداً جيداً بما يكفي، وكان يوجه إلي اللوم كثيراً نتيجة تركيزي على الطلبة الذين اعتبرهم افضل من غيرهم، بعد ذلك فهمت أن المعادلة يجب أن لا تكون بهذه الصورة، تعلمت كيفية التعامل مع الفريق بشكل عام.. اتعلم من الطلبة ويتعلمون مني، كانت الأجواء فعلاً مهيئة لتعلُّم واكتساب الكثير من المهارات، كنت اتصور بأن الوصول إلى الإشراف الطلابي خطأٌ كبير.. لأن ذلك سيمنعني من التعلم، لكنني وجدت غير ذلك.. فمادمتَ ترغب في التعلم فلن تُعدم الحيلة. 

نحن الآن في زمنٍ مختلفٍ تماماً.. اصبح بعض الشباب يتقلدون المسؤوليات وهم لا يتمتعون بالمهارات القيادية والإدارية الفنية اللازمة لتلك المسؤوليات، أو ربما ليسوا بالوعي الكافي بالذي تتطلبه تلك المسؤولية يُقال:" اعطوا الشباب فرصة لإثبات الكفاءة".فيضعون الشاب تحت ضغط اثبات الوجود، إذا اخفق احدهم قالوا "هؤلاء شبابكم، قليلو الخبرة وذات اليد". ينسون وينسى الشاب أن المسؤولية فرصة للتعلم واكتساب المهارات والخبرات.. وليست لأداء بعض المهام الإدارية والفنية فحسب، نسينا أن الاستثمار الحقيقي هو الاستثمار في الإنسان.. وينسى أحدهم أن الاستثمار في المال مكلفٌ في بدايته، هناك الربح وهناك الخسارة، وبعد ثبات الوضع يتم التوسع في التجربة والعمل.. كذلك الشباب، سيتم الاستثمار من خلاله، سينجح أحياناً ويتخبط أحياناً أخرى.. لن يكون الشاب سلاحاً ذو رصاصة واحدة إما أن تصيب وإما أن تخطئ، إذا أخطأت الهدف كان العيب في السلاح!!

نعم.. نحن بحاجة إلى الفرص لإثبات الوجود، بحاجة إلى شيءٍ نستند عليه كعلم وخبرة ومهارة.. نحتاج إلى ذلك الإسناد عن حدوث الزلل والإخفاق، فلن تكون كل التجارب ناجحة منذ بدايتها، على الجانب الآخر فهناك جانبٌ يتحمله الشاب نفسه.. وهو عدم قدرته على الربط بين التعلم والمسؤولية، تجد الكثير يتعلم ويكتسب الخبرة، حتى إذا ما اصبح عنده مسمىً (رئيس لجنة، عضو. إلخ) ارتفع أنفه، وانتفخ صدره.. إن المسؤولية يا عزيزي تعني أنك مساءل، محاسب، فإن لم تكن بحجم هذه المسؤولية فلا تتصدى لها حتى تتعلم، وإذا قبلت بها فلا تقطع حبل التعلم وسؤال من هم أكثر خبرةٍ منك.. إن توفرت فيك خامةُ النجاح فعليك السعي لصقل تلك الخامة، وإلا سيُطبع الفشل على جبينك.. وستحتاج إلى سنين لتمحو أثر الطباعة، إنني على مشارف الثلاثين من عمري وأقول:"أضعت الكثير من الوقت، سأحاول أن استدرك ما فاتني للتعلم أكثر، ولو رجع بي الزمان إلى الوراء لراجعت الكثير من قراراتي."

إن اتاحة الفرص أمرٌ قديمٌ في ثقافتنا كعرب ومسلمين، فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول فدائي في الإسلام، حصل على ذلك الشرف وهو ابن الأربعة وعشرين عاماً، وذاك أسامة بن زيد رضي الله عنه ذهب بجيش إلى ارض المعركة وعاد منتصراً مظفراً ولم يبلغ بعد العشرين من عمره، معاذ بن عمرو بن الجموح وغيرهم وغيرهم، فمن في زمننا كهؤلاء؟! النجاح أمرٌ تناله بالمغالبة والتعب.. فإن كان نجاحاً دنيوياً بدون تعب فهو فتنة واستدراج، ركّز على تطورك الذاتي من الآن، وما ترغب أن تكون عليه في المستقبل.. ادعو الله أن يوفقك ويسدد طريقك، فإنك مهما رسمت من الخطط والأهداف فسيُشعرك سبحانه بافتقارك إليه عن الطريق الصعوبات التي ستواجهك، علّق قلبك بالله العليم قبل كل شيء.

 

محمد حسن يوسف

هناك تعليق واحد: