الأحد، 12 مارس 2017

الشباب.. ومرحلة النضج


الحمدلله الخبير بذنوب عباده، والصلاة والسلام على خير أصفيائه وأوليائه، وعلى الآل والأصحاب ومن سار على الطريق وتفكر في آلائه، اللهم أخرجني من ظلمات الوهم.. وأكرمني بنور الفهم.. وحسّن أخلاقي بالحلم..  وزدني من بركات العلم، وبارك لي في وقتي وبلغني مرادي.


إن الشاب لينطلق من عمر العشرين (أو قبل ذلك) إلى حياته مفعماً بالرغبة في تحقيق الأهداف.. العديد من الأفكار والخواطر التي ترِد على ذهنه وخياله.. ويتمنى أن لو كان من الواقع نصيبٌ من كل ذلك، ولكن.. ما هو الرصيد الذي يملكه الشاب حينما ينطلق إلى تحقيق أهدافه؟ في تصوري القاصر حصرتها في هذه الأشياء وأبدأ من أهدافه (إن كانت له أهداف واضحة)، ذكاؤه ودقة ملاحظته لذاته، حماسه الذي لا يوقفه عن بلوغ غايته، اطلاعه على تجارب الآخرين.


أهدافه (إن كانت له أهداف واضحة) .. تعمدت ذكر هذه الجملة بهذه الطريقة، معظم الشباب الذين أصادفهم ويعملون في سلك العمل التطوعي عندما تسأله عن هدفه فإنه يعجز عن صياغته في جملة مفيدة واضحة، ليس لأنه لا يملك الهدف.. بل لأنه لا يتمتع (بالنضج) الذي يجعله يحدد طريقه ومنهجه، فتجد أن له يداً في كل تخصص بدون ترتيب للأولويات.. فإذا كبُر في العمر قليلاً وتكونت لديه الخبرة اللازمة كان من المفوض عليه أن يضاعف الطاقة المبذولة في السابق، ليس عيباً أن تجري وراء هدفٍ مُبهم.. بل العيب أن تمضي حياتك خلف ذلك الهدف بدون مراجعة للمسار، وبدون استفادة حقيقية من الخبرات والمواقف التي مررت بها، وكأنك وضعت لك رصيداً للتوفير في المصرف... ولا تستخدمه.


هنا اضربٌ مثالاً على النضج المطلوب.. كان هناك ممثلٌ مُبتدئ، يحب المسرح بشكل كبير، كانت بداياته عبارة عن مجرد مسح لأرضية المسرح من الغبار، وتجفيف عرق الممثلين وجلب المشروبات والأطعمة لهم.. ظهر حبه للمسرح، ولكن الهدف لم يتبلور بعد، فلما درس واجتهد وتدرب وتعلم وصل إلى النجومية.. إنه الفنان "سعد الفرج"، شكّل ثنائياً مع الفنان "عبدالحسين عبدالرضا"، النجاح تلو النجاح.. ولكن هذا الأمر لا يعني عدم التفكير بشكلٍ ناضجٍ ومراجعة تحقيق الأهداف الشخصية، فضّل "سعد" الانفصال نتيجة وصوله إلى مرحلة النضج، وذلك يعني تحديد المنهج والطريق لتحقيق الهدف، كان "عبدالحسين" يميل إلى أعماله الكوميدية المعروفة بكوميديا الموقف، أما "سعد" فهو يميل إلى المسرحيات الكوميدية التي تطرح مواضيع جادّة، فأبدع وانتج أعمالاً جادة ك "حرم سعادة الوزير" و "دقت الساعة" و "حامي الديار".


لا عيب إن بدأت في مسح الغبار، المآل هنا إلى أين تريد أن تصل.. انظر إلى نفسك واسألها: "ماذا تريد أن تكون بعد عشر سنين؟" نحن متأخرون (في العالم النامي) في صياغة أهدافنا وتحديد مناهجنا في الحياة.. فنسير ونتخبط ونجرب، بينما نحن نستطيع رسم حياتنا في ومنهجنا بشكل أفضل، يقولون لي:" لماذا تدرس في تخصص العلاقات العامة والإعلام وقد بدأت دراستك في تخصص نظم المعلومات؟! ستكون المسافة بينك وبين الشهادة أقصر" الأمر كله يتعلق بنضج الهدف ووضوحه أكثر، ما دمت عزيزي الشاب تملك التصور عن مراحل حياتك.. وأنك ستصل إلى مرحلة نضوج الهدف يوماً ما.. احرص على أن تفعل ذلك مبكراً، سيكون لطاقاتك حماسك معنىً اعمق مما كنت تتخيله.. ستتبلور تلك الطاقة في طريق واضح المعالم.. وبإمكانك بعدها قياس الأثر من حولك.

نصيحة: إذا التَبسَ عليكَ أمرانِ .. فَانظُر أثقلهما على النفس فاتّبِعهُ؛ فإنهُ لا يَثَقلُ عليها إلا ما كان حقًا – ابن عطاء الله السكندري.

محمد حسن يوسف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق