الأحد، 23 أغسطس 2015

ولا يزالون مختلفين (1)

الحمدلله العظيم المتعال .. خلق الأرض وثبتها بالرواسي الجبال ، والصلاة والسلام على النبي الهادي الأمين ، والآل الطاهرين ، والأصحاب المكرمين .. ومن تبعهم بحسن الأقوال والفعال، اللهم أخرجني من ظلمات الوهم، وأكرمني بنور الفهم ، وحسِّن أخلاقي بالحلم، و زدني من بركات العلم... واغنني بفضلك عن من سواك .

يخلق الله في عالم الأرواح ما يتآلف ويختلف .. الألفة بين الناس ترسيخ للمحبة والمودة ، والإختلاف سنة كونية لا مناص منها ( ولا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم ) ، ستجد أن من الأرواح من يتآلف مع بعضها البعض دون سبب ... وتنفر من بعضها بدون سبب ، تجد نفسك أن أحدهم قد دخل حجرات قلبك وعمّرها بالحب .. ولم يتسنى لك معرفة السبب ، وقد تلفظ أحدهم من حياتك كما تلفظ الطعام الذي لا تريده من فمك من شدة الكراهية .. قد يكون ذلك بدون سبب حقيقي.

الأحوال تتغير ، والحبيب قد يصبح عدواً( أحبب حبيبك هوناً ما ،عسى أن يكون بغيضك يوماً ما)... فكيف نتعامل مع هذا المتغير إن حدث ؟! هو حديث ثقيل على النفس .. فهل جربت أن تجبر نفسك على أن تتكيف وتتصرف بحكمة في ظل هذا الموقف ؟! اعلم عزيزي القارئ أن الله سبحانه وتعالى كما أمرك بالعدل حتى في القريبين منك (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) فهو سبحانه قد وضح لك جانباً آخر بقوله تعالى: ( ولا يجرمنكم شنئان قوم على ان لا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى ) ... إذا خاصمت أحدهم أو فارقته لأي سبب ، فهل ترغب أن يُدار حولك حديث لا تحبه .. فتتناقله ألسنة الناس زوراً وبهتاناً عنك ؟!

إن لم تشأ أن تكون في هذا الموقف فاعدل .. اعدل مع خصومك قبل رفقائك ، اعدل مع من يكرهك قبل من يحبك ، اتأمل أحوال خصوماتنا في هذا الزمن وأقول: " مالذي يميزنا عن المنافقين ؟! أليس الفجور في الخصومة دلالة على الحقد والحسد والبغضاء المضمرة ؟! " .. ألا إن العدل مع الخصومة مدعاة لخروجك من أي موقف ولو كان سلبياً بقلب سليم ، مهما دعاك الغيظ لأن تقول في خصومك ما تمليه عليك نفسك فلا تطعها وتقع في خصال النفاق .

المرء كلما ألبس قلبه لباس الرفق بالناس .. وعمّر قلبه بالتواضع ، زاد تركيزه على تقييم ذاته تقييما واقعياً اكثر من أي شيء .. و زاد ميله لميزان العدل ، فيعرف مقدار ذات اليمين وذات الشمال .. سلبياته وإيجابياته ، فإذا وقع في عداوة هانت ردات فعله ، يقول في نفسه : " قد لا يحبني كل الناس فهذا أمر وارد ، وقد يطيع البعض خواطر السوء في انفسهم فيخوضون في اسمي و يلوثون سمعتي بناءً على عداوتهم معي .. لكنني لا أبادل الناس بالمثل ، بل بالتي هي أحسن" . فاختر لنفسك ما تريد أن تكون صورتك عليه ، لن يرضى عنك الجميع .. فإما أن تكون عادلاً  سمحاً ، عن عيوب الناس غافراً متعذراً ، أو أن تكون عدواً باغضاً .. ذو قلب مُعتل ، تحقد وتبغض وتكذب ، فتكون منافقاً دون علم .. تذكر ، لا يجب على الناس أن يكونوا سواءً في كل شيء .. متحابين على كل شيء (ولا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم ) .

محمد حسن يوسف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق