الاثنين، 6 يناير 2014

مسلم .. ولست متدين


الحمدلله رب الناس .. ملك الناس ، والصلاة والسلام على من بعثه ربه لكل الاجناس ، الهي .. ان ظهرت المحاسن مني فبفضلك ولك المنة علي .. وان ظهرت المساوي مني فبعدلك ولك الحجة علي ، ما ألطفك بي مع عظيم جهلي ،وما ارحمك بي مع قبيح فعلي .. اللهم افتح علي ابواب رحمتك.

موضوع شائك ومعقد نوعا ما ، ليس لأنه صعب .. لكننا نتجنب طرحه ونخفي رؤوسنا في التراب ، لكننا اذ نخفي تلك الرؤوس فان سوءاتنا ظاهرة للعيان .. بل ولا يكاد يمر موقف مماثل متكرر الا وانصب الانتقاد على تلك الفئة من البشر ، في هذه السطور اشمل في كلامي اصحاب اللحى الطويلة والقصيرة ... اصحاب الشماغ الاحمر و الابيض او الابيض الخالص .. اصحاب الثياب القصيرة وغيرهم ، من يشتهرون في مجتمعنا باسم "المتدينون" .. ولنأتي على هذا المسمى قليلا ، من وجهة نظري المتواضعة .. فان هذا المصطلح يطلق حصرا على من اتخذ الدين مجالا  للدراسة..وضمنا سيكون فيما بعد مجالا للحياة،كالمهندس .. الطبيب .. المحاسب .. المتدين ، وهناك ايضا تصنيفات اخرى لهذا الاسم ..منهم من يقول بأن المتدين هو الذي يحضر حلقات العلم ويلتزم في كل صغيرة وكبيرة في الدين ، ومنهم من يصل الى درجة سطحية من التدين فيرى ان من طالت لحيته (قليلا) والتزم المسجد فهو متدين ... بالنسبة لي،من المسميات التي كانت تطلق علي وانا في المرحلة الثانوية عندما يقول لي احدهم :"يا المطوع" . احس بأنها كانت كلمة كبيرة علي .. اما الآن ،فأنا افتخر بكوني مسلما قبل كل شيء .. واطلب من ربي ان لا يقبض روحي الا وهو راض عني .. اما تلك المسميات كال"متدين" احس يوما بعد يوم انها تبعدني عن الدين اكثر .. كل ذلك بسبب افعال المتدينين على مختلف اصعدتهم ، انا هنا اقصد التعميم فعلا .. لماذا لا نعمم اخطاءنا على الجميع ؟ بدلا من التهرب منها بحجة "تره مو الكل جذي" فلنحاسب انفسنا ووسطنا الذي نعيش فيه ونغير على قدر استطاعتنا ونفضح المخطئ ونلقى الله بقلب سليم ... وسأركز على هذه النقطة ، يجب علينا ان نصل الى درجة القلب السليم لأنه لا فائدة من اعمالنا ان غلفتها امراض القلب الفتاكة كالعجب،الكبر،الرياء،الاقصائية،التحزب،الكره .. الى غير ذلك .

 عندما كنت ادرس في جامعة البحرين ، كنت اناقش بعض المتدينين ابان قرب الانتخابات بخصوص مجلس الطلبة القادم .. فيأتي احدهم فيقول: اذا كنت من الكلية "الفلانية" اعط صوتك ل "فلان" .. فأقول: لماذا هو دون غيره ؟! .. يقول: لأنه من ربعنا .. احسن من يدش واحد غريب!! سبحان الله .. وهل الامر له علاقة بتلك الرابطة التي بينك وبين صاحبك المتدين ؟؟ هل اصبح الكرسي الذي من شأنه خدمة الطلبة وتسهيل الصعاب امامهم حكرا على فئة من المتدينين دون غيرهم ؟! يأتي متدين آخر يشغر مكانا في احدى الجمعيات الطلابية فيقول: انا اذا اقره اسم "فلان" واعرف انه من الفئة "الفلانية" ما ادخله الجمعية..سبحان الله ، وهل هي جمعية الوالد العزيز  عزيزي المتدين حتى تتحكم فيمن يدخل الجمعية ومن لا يدخل فيها ؟!

يكبر الاخ "المتدين" فيمسك بزمام الدولة ومفاصلها من عدة جوانب .. فتجد وللأسف المكان الذي يشغره ممتلئا بالمتدينين ومن هم على شاكلته ، بل واصبحنا نعرف بعض المؤسسات والوزارات والهيئات الحكومية..بل وحتى الشركات بأسماء بعض الفئات من المتدينين الذي يشكلون السواد الاعظم من الموظفين ، الذين لا يرون الكفاءة في العمل سببا في التوظيف ، بل هو الانتساب الى الجماعة او المذهب .. في التسعينات من القرن الماضي،بلغت نسبة الموظفين من فئة واحدة اكثر من 95% في احدى الشركات التي تمتلك الحكومة اغلب اسهمها ... لماذا؟! لأن المدراء من فئة معينة ، ماذا عن الوزارات .. هناك سبيلان فقط للتوظيف ،احداها ان تكون من فئة معينة وتختلف الفئة  باختلاف الوزارة..او ان تمتلك ورقة رابحة وهي "الواسطة" التي ستقهر التكتل الفئوي داخل الوزارات .. انه منزلق خطير يقع فيه اكثر المتدينين ، انه يضع نفسه في زاوية ويرغمك ان ترى الاسلام من زاويته .. وان رفضت فانه يعلن الحرب عليك على كافة الاصعدة ، وستعاني ضده من الاقصائية البغيضة .. ستحارب في الجزئيات الصغيرة فضلا عن الكليات والقضايا الكبرى.

عندما يتمكن "المتدين" من جهة حكومية تهم مصالح الشعب كلها فانه يقصيك ان لم تكن على منهجه ، ولا يجعلك تتمتع بأبسط حقوقك .. كم من اناس انتقدوا المتدينين بشكل صريح علنا وكان مصيرهم بأنهم حفظوا لهم مكانا (وراء الشمس) .. كم من اناس تمت مضايقتهم في وظيفتهم ونقلهم من قسم لآخر بغرض "تطفيشهم" من وظيفتهم فضلا عن من خسروا وظائفهم فعلا ، انه الكره .. انها الاقصائية البغيضة .

اكثر ما يضحكني حقا .. هو ان اجد في المسجد مطويات وكتيبات تتحدث عن "الشرك واخطاره" ، لماذا؟! هل تظن عزيزي المتدين ان من في المسجد من يقول في سجوده"سبحان ربي الاعلى" ..ويقول:" الله اكبر "..من الممكن ان يكون مشركا ؟! لمصلحة من هذا التشكيك ..؟ ام هو لتكفير فئة معينة من المسلمين ويأتي ذلك في سبيل اقصاء تلك الفئة المعينة دون غيرها ؟! اظن ان ذلك هو الاقرب وما يحصل فعلا على ارض الواقع هو ذلك !!

حضرت ذات يوم درسا في احدى الجوامع ، يقول الشيخ قارئا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالايمان..ثم يردف قائلا:نعم .. اذا كان الرجل يرتاد المساجد فيجب علينا ان نحافظ على سمعته،ولا نأكل لحمه بالباطل..ونشهد له بالايمان . اقول: ماذا لو كان يصلي ويشتهر بين الناس بالطاعة والعبادة وقلبه مليء بالامراض السالف ذكرها ... كم من حقوق العباد ستضيع ، هل سمعت عن حضارة قامت على حزبية باسم التدين...تدين قائم على الاقصائية،الكره،الكبر،الحكم على الناس بأن مآلهم الى النار وكأنهم دخلوا الجنة خالدين فيها ابدا من غير مساءلة ... تدين يحصر ارزاق الناس ويصعب عليهم حياتهم ، تدين يتحكم في دور العبادة بأسلوب وقح ويتم التآمر والالتفاف على القانون من اجل خطف المساجد لنشر المنهج الفئوي وكأن الدين لفئة دون اخرى ، تدين قائم على الشتم والسب واللعن والتفسيق والتضليل ... تدين قائم على القاء الناس في جهنم بدلا من اجتثاثهم واخذهم الى الجنة ، اذا كان هذا التدين هو عنوان هذا الزمان .. فأحمد الله انني "مسلم..ولست متدين" .
 
محمد حسن يوسف

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق