عدت الى البيت ذات ليلة ، حاملا ذراعا مصابا .. كنت مرتاحا الى حد كبير لما
وصل اليه امرنا ، لكنني انظر الى ذلك الذراع فأراه مرتعشا خائفا ... العضلات
مترهلة .. العروق متوهجة، والدم لا يكاد يصل الى الاصابع المتنملة ، اقول له
اواسيه : لا عليك يا ذراعي العزيز ..سنتجاوز هذا الامر معا . فيقول : لازلت خائفا
،فهذا الوضع جديد بالنسبة لي ، لم اتصور يوما ان امر بهذه المرحلة . فقلت : تستطيع
اخذ قسط من الراحة ، فاليد اليسرى ستقوم بمسؤولياتك ريثما تعود اليك قوتك .
يقول الذراع: كيف ستستطيع تناول الطعام ؟! فأقول : اتناوله بالملعقة بيدي
اليسرى .. فيرد علي في تهكم و سخرية : ارى الملعقة ترتجف في يدك !! فهل ستقوم اليد
اليسرى بشيء لا استطيع القيام به ؟؟! فقلت : لا عليك ، لا اريد ان اسبب لك الألم
.. ربما كثرة الحركة تجدد وتحرك فيك اوجاعك ، كن مرتاحا .. فأنت تحتاج الى الكثير
حتى تعود اليك قوتك المعهودة . يقول: كيف ستستطيع تغيير ملابسك ؟! انني ارى والدتك
تنظر اليك بعين تملأها الحسرة كلما رأتك وقد غيرت ملابسك بيد واحدة !! اقول : لا
عليك ،انت في اجازة نقاهة .. الذراع الأيسر عضيدك ومساعدك الذي لم و لن يخونك ..
انه مخلص ايما اخلاص ،انه يحس بك ويلتمس لك العذر.. يقول : كيف ستستطيع قيادة
السيارة ؟! لقد كنت اقوم بعدة مهام ، فأنا الذي ادور المحرك وانا الذي اشغل
السيارة ، وانا الذي اشغل المسجل لك .. فأقول : لا عليك .. سنتجاوز هذا الامر معا
، فاليد اليسرى تقوم بكل ذلك الآن ... استطيع تحريكها في السيارة بأي طريقة احب ..
فقط اريدك يا ذراعي العزيز ان تتخلى عن مخاوفك وان تستعيد قواك .. يقول : انين
الألم لا يفارقني ، انه يؤرقني .. لا استطيع الحراك ، سأحرمك من كرة القدم التي
احببتها ، سأحرمك من حرية الحركة ، سأحرمك وسأحرمك من امور كثيرة .. فأقول : لا
عليك .. اعتن انت بشؤون نفسك ، العروق بحاجة الى ما يعيدها الى هدوئها ، كل ذلك
سنعوضه معا لاحقا .. حافظ على هدوئك ، كثرة القلق والأنين منك لا يعود لي ايجابا ،
انا في حالة نفسية ممتازة .. ما اطلبه منك ذراعي العزيز ان تعود كما كنت .. بسرعة
.
يقول الذراع المسكين : انا حزين جدا ، انني اراك وقد استبدلتني في كل امور
حياتك .. وكأنك قد استغنيت عن خدماتي . فأقول : من اوهمك بذلك ؟! انت حصني الحصين
.. انت ساعدي المتين .. انت ذراعي اليمين .. عندما ذهبت الى الجامعة لتقديم
الامتحان للقبول ، احترت كيف اكتب !! الم تشمر انت عن رباطك وطلبت ان تقوم انت
بتلك المهمة الصعبة.. فقال : نعم ، انا من اجاب عن تلك الاسئلة . اقول : هذه ثالث
مدونة اكتبها .. فهل سأستطيع ان اكتبها بدون مجهود منك ؟! فقال : لا .. قلت : هل
رأيتني يوما ارتاح في نومي وانا على غير
جنبك ؟! . فقال : لا .. فقلت : اذا هيا ارجع الى قواك ونجني من نومي المتقطع ، درب
الدراسة قد بدأ .. ولا استطيع قطع المشوار من دونك .. لا تكن هزيلا ضعيفا ، فنحن
لها معا .. لا عليك يا ذراعي العزيز ، سنتجاوز الامر معا .
محمد حسن يوسف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق